يعيش الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر أسوأ أيامه، ففي الشهر الماضي، فاجأ المشير المذكور، قائد المليشيات الليبية المسلحة، الليبيين بخطاب يطالبهم برفض “جميع المؤسسات” التي أنشأها الاتفاق السياسي للصخيرات لعام 2015.
وحسب مقال تحليل نشر على جريدة “الواشنطن بوست” الأمريكية”، فبعد أربعة أيام، طالب بتفويض سلطة للحكم العسكري. لكن هذا لم يحدث، حيث بدأت قوته العسكرية تتعرض لانتكاسة كبيرة، أجبرت حفتر على دخول وضع دفاعي على جميع الجبهات. وقد تكون الأسابيع القادمة حاسمة بالنسبة لطموحاته”، تضيف الصحيفة المذكورة.
ووكان اتفاق الصخيرات الذي هاجمه حفتر، والذي تم توقيعه برعاية الأمم المتحدة في عام 2015، قد مهد الطريق لتشكيل “حكومة الوفاق الوطني” وسعى إلى استيعاب الفصائل المتنافسة من خلال الحفاظ على مجلس النواب المتمركز في الشرق كبرلمان. بينما يحافظ البرلمان السابق في طرابلس كهيئة استشارية، لكن هذا الترتيب الإتفاقي لم يحدث أبداً بشكل كامل.
وأضاف المنبر الإعلامي ذاته “هكذا حافظت ليبيا على الحكومات المتنافسة، حيث إنحاز مجلس النواب إلى حكومة ذات قاعدة شرقية وظلت حكومة الوفاق الوطني تعمل بفعالية كسلطة تنفيذية بدون هيئة تشريعية. وتم تعيين حفتر من قبل مجلس النواب كقائد لقوات عسكرية في عام 2015 في منطقة تخضع لإشراف حكومة الشرق ومجلس نوابها”. لكن في الواقع لم يعد الأمر كذلك”، “يضيف المصدر ذاته، “حيث بنى حفتر تحالفًا عسكريًا عزز به سيطرته على شرق ليبيا – من خلال الحملات الدموية في بنغازي ودرنة – وتوسع في معظم جنوب ليبيا.
ووعد حفتر في إعلانه في بداية رمضان “بالعمل على تهيئة الظروف لبناء مؤسسات دائمة للدولة المدنية”. ومع ذلك، فإن تجنب السلطة المدنية لبناء دولة مدنية لم يكن حجة مقنعة.كما أثار تساؤلات مهمة حول سبب قيام حفتر بإصدار هذا البيان الآن ، وماذا يعني فعليًا في الواقع؟.
وكان حفتر في 27 أبريل، قد ذكر أن القوات المسلحة الليبية حصلت على تفويض شعبي لإلغاء اتفاق الصخيرات. لكن حفتر عارض علنا منذ وقت طويل اتفاق الصخيرات، وأعلن في السابق أنه قد انتهى.
وأثار موقف حفتر تجاه السلطات القائمة في الشرق نوعا من الريبة والشك، فحكومة الوفاق موجودة قبل تشكيل حفتر لقواته، وبالتالي لم تستمد شرعيتها القانونية منه وإنما من اتفاق الصخيرات المصادق عليه بقرار لمجلس الأمن فهل يمكن تجاوز هذا الوضع بإعلان حفتر عن نظام حكم عسكري؟
وكان مجلس النواب والحكومة المتمركزة في الشرق يدعمان بشكل كبير هجوم حفتر على طرابلس، والذي بدأ في أبريل 2019. لكن الخطوة الأخيرة التي اتخذها حفتر تزامنت مع مبادرة أطلقتها رئيس مجلس النواب اعقلية صالح لتشكيل حكومة وحدة جديدة.و هذا أثر على مكانة حفتر الذي يعتقد أنه المحاور الوحيد لشرق ليبيا في المفاوضات السياسية.
وبعد ما يقرب من شهر، لم يطبق حفتر الحكم العسكري. وبدلاً من ذلك، يبدو أن المفاوضات بين عقيلة صالح وحفتر مستمرة، مما يدل على أن حفتر لا يمكنه فرض رغبته المعلنة في الحكم العسكري من جانب واحد ودون التفاوض مع زعماء القبائل وسماسرة السلطة الرئيسيين الآخرين.
واعتبر المصدر ذاته أن الأمور تبدو أسوأ بالنسبة لحفتر على الجبهة العسكرية، حيث تصاعدت الحرب على الرغم من الدعوات العالمية لوقف إطلاق النار في مواجهة جائحة كوفيد 19.لقد أدى الدعم التركي المكثف المقدم إلى حكومة الوفاق الوطني في الأشهر الأخيرة إلى تحويل ميزان القوى على الأرض.وفي 17 مايو، فقدت قوات حفتر قاعدة جوية رئيسية في غرب ليبيا، واضطرت منذ ذلك الحين إلى الانسحاب من مناطق جنوب طرابلس.
ومن المرجح أن يتبع هجوم منسق على مدينة ترهونة – الأصول الرئيسية للقوات المسلحة الليبية في غرب ليبيا – من قبل القوات المتحالفة مع حكومة الوفاق الوطني. وفقدان ترهونة يعني نهاية هجوم حفتر على طرابلس.وفي إشارة إلى الثقة المتزايدة ، قال وزير الداخلية بحكومة الوفاق فتحي بشاغة إن حفتر لديه فرصة “صفر” في الاستيلاء على طرابلس. ومع ذلك، في 21 مايو، ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز أنه يبدو أن روسيا نشرت “على الأقل” ثماني طائرات مقاتلة في شرق ليبيا، ويفترض أن توقف التدهور العسكري لحفتر.
وتسعى سلطات حفتر الشرقية إلى تعويض نقص الأموال لدعم المجهود الحرب ،فقد أبلغ فرع البنك المركزي الليبي في شرق ليبيا الحكومة أنه لن يتمكن من تقديم المزيد من القروض.
ونقلاً عن شكاوى القبائل المحلية بشأن سوء الإدارة المالية من طرابلس، نفذ حفتر حصارًا نفطيًا منذ يناير.وقد كلف هذا الحصار ليبيا الآن أكثر من 4.3 مليار دولار من العائدات المفقودة وأدى انهيار أسعار النفط العالمية في مارس نتيجة لوباء الفيروس التاجي إلى زيادة تعتيم الآفاق الاقتصادية لليبيا.
واشتكت الدوائر المناهضة لحفتر في غرب ليبيا من أن أي تمويل يرسله الجيش الوطني الليبي إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة حفتر سينتهي به المطاف بدعم المجهود مليشيات حفتر، إذ حل حفتر محل السلطات المدنية في الشرق. ومن غير المرجح أن تستمر حكومة الوفاق الوطني في تمويل البلديات والمؤسسات الموجودة في الشرق. وهذا من شأنه أن يعيق قدرة السلطات المحلية على مكافحة وباء كورونا.
ولتغيير مسار الصراع، تحتاج قوات حفتر إلى دعم عسكري إضافي كبير من رعاته الدوليين – الإمارات ومصر وروسيا، ومن المنطقي التساؤل إلى متى يمكن أن يستمر حفتر في الهجوم على طرابلس ،فقد تكون خطوة أعقيلة صالح لإطلاق مبادرة سياسية مؤشرا إنذاريا على التحديات المستقبلية التي سيواجهها حفتر في الشرق.
وجميع محاولات حفتر باءت حتى الآن بالفشل، وإذا نجح حفتر في إنشاء إدارة عسكرية في المناطق الخاضعة لسيطرة قواته، فسيصبح من الصعب على المؤسسات العاملة في جميع أنحاء البلاد العمل، مما يزيد من خطر التقسيم الفعلي.مثل هذا الاحتمال يؤدي فقط إلى تفاقم معاناة المدنيين في حرب أهلية لا نهاية لها على ما يبدو.
*متخصص في العلاقات الدولية – متعاون مع بناصا
تعليقات الزوار ( 0 )