سَلاَمٌ عَلَى رُوحٍ عَانَقَتِ السَّمَاءَ يَوْمَ خَذَلَتْهَا الأَرْضُ،
سَلاَمٌ عَلَى وَجْهٍ كَانَ يُضِيءُ جُدْرَانَ القِسْمِ، فانْطَفَأَ في ظُلْمَةِ الغَدْرِ،
سَلاَمٌ عَلَى هَاجَرْ، عَلَى النَّقَاءِ الذِي اغْتِيلَ، عَلَى الحُلْمِ الذِي أُعْدِمَ،
عَلَى اليَدِ التِي خَطَّتْ بِالطَّبْشُورِ، فَجَاءَهَا الرَّدُّ بِخِنْجَرِ النُّكْرَانِ!
أيُّ زَمنٍ هَذَا يَا هَاجَرُ،
زَمَنٌ يُهَانُ فِيهِ مَنْ عَلَّمَ، ويُسْفَكُ فِيهِ دَمُ مَنْ رَبَّى وَدَرَّس،
أَيُّ مُجْتَمَعٍ هَذَا الذِي كَسَرَ جَنَاحَ المُعَلِّمِ، وسَكَتَ عَنْ ذَبْحِ الكَرَامَةِ فِي وَضَحِ النَّهَارِ؟
لَقَدْ ارْتَدَّتِ القِيَّمُ، وَسَقَطَتِ الهَيْبَةُ، وتَعَرَّتِ الأَقْنِعَةُ،
فَمَا عَادَتِ السَّبُّورَةُ مَزَاراً لِلنُّورِ، بَلْ صَارَتْ سَاحَةً يُسْفَكُ فِيهَا دَمُ الأَبْرِيَّاءِ.
هَاجَرُ…
يَا زَهْرَةً قُطِفَتْ في عِزِّ عَطَائِهَا،
يَا شَهِيدَةً لَمْ تُغَادِرِ الحَيَاةَ، بَلْ ارْتَقَتْ مَقَامًا وخُلُودًا،
أَنْتِ لَسْتِ صَفْحَةً فِي بَيَانٍ، بَلْ عُنْوَانُ صَرْخَة،
أَنْتِ مِرآةُ الفَاجِعَةِ، وضَمِيرٌ يُؤَنِّبُ هَذَا الوَطَنَ فِي نَوْمِهِ الثَّقِيل.
مَا كُنْتِ سِوَى نَبْضَ وَطَنٍ، وَأَمَلِ مُجْتَمَعٍ،
مَا كُنْتِ سِوَى أُمًّا ثانِيَةً لِتَلَامِيذَ كُنْتِ تَرْسُمِينَ لَهُمْ دُرُوبَ الغَدِ،
فَجَاءَتْكِ الطَّعْنَةُ مِنْ خَاصِرَةِ النُّكْرَانِ،
مِنْ مَنْظُومَةٍ أضْعَفَتْ هَيْبَةَ الأُسْتَاذِ، وسَكَتَتْ عَنْ تَغَوُّلِ العُنفِ دَاخِلَ المَدَارِسِ والفُصُول.
نَبْكِيكِ لاَ ضُعْفًا، بَلْ لِأَنَّ الفَقْدَ فِيكِ وَجْعٌ لاَ يُحْتَمَلُ،
نَرْثِيكِ لاَ بِالكَلِمَاتِ، بَلْ بِالدَّمْعِ، بِالذُّهُولِ، بِالغُصَّةِ،
نَرْثِيكِ بِقُلُوبٍ مُثْقَلَةٍ، تُرَدِّدُ فَي صَمْتِها:
أَيُّ جُرْمٍ اقْتَرَفَتْهُ هَاجَرُ سِوَى أَنَّهَا أَحَبَّتْ مِهْنَتَهَا بِصِدْقٍ؟!
نَامِي قَرِيرَةَ العَيْنِ يَا هَاجَرُ،
فَأَنْتِ لَمْ تَمُوتِي… بَلِ ارْتَقَيْتِ إِلَى مَصَافِّ العُظَمَاءِ،
وَصَارَ اسْمُكِ رَايَةً، وَصُورَتُكِ نَشِيدًا، وَدَمُكِ وَصْمَةً على جَبِينِ التَّقْصِيرِ.
هَاجَرُ لَمْ تَكُنْ ضَحِيَّةَ حَادِثٍ، بَلْ ضَحِيَّةَ صَمْتٍ طَوِيلٍ عَلَى انْحِدَارِ القِيَّمِ، كَانَتْ تَصْرُخُ فِي القُلُوبِ قَبْلَ أَنْ تُطْعَنَ فِي الجَسَدِ،
ورَحِيلُهَا لَيْسَ نِهَايَةَ أُسْتَاذَةٍ، بَلْ بِدَايَةً لِأَسْئِلَةٍ مُوجِعَةٍ:
أَيُّ مُسْتَقْبَلٍ نُعِدُّهُ لِأَبْنَائِنَا حِينَ يُقْتَلُ الأُسْتَاذ؟
كَيْفَ نُعَلِّمُ الحَيَاةَ فِي أَقْسَامٍ بَاتَتْ تُهَدِّدُ الحَيَاة؟
هَاجَرُ لَنْ تُنْسَى، لِأَنَّهَا كَتَبَتْ بِدَمِهَا الدَّرْسَ الأَخِير:
إِنَّ الوَطَنَ الذِي لَا يَصُونُ نِسَاءَ وَرِجَالَ التَّعْلِيم، وَطَنٌ فِي حَاجَةٍ إِلَى مَنْ يُعِيدُ إِلَيْهِ دُرُوسَهُ وَقِيَّمَهُ الأُولَى.
تعليقات الزوار ( 0 )