بعيدا عن الوجه السلبي لجائحة كورونا التي عزلت العالم وفرضت قيودا غير مسبوقة على الحياة اليومية، وغيرت عادات المجتمع المغربي بمختلف شرائحه، عادت قيم التضامن والقيم الإنسانية النبيلة لتعم المجتمع المغربي.
وكورونا أحيت قيم التضامن والتآزر، وإن لم تكن بالشيء الجديد في ثقافة المغاربة، ولكن في ظل هذه الجائحة ظهرت بشكل كبير، إذ لم يخلف المغاربة موعدهم مع التاريخ ليظهروا أصالة التضامن التي اشتهروا بها منذ القدم.
ومنذ أن اقتحم هذا الضيف الثقيل حياة المجتمع المغربي انتشرت مبادرات تضامنية على نطاق واسع، إذ لم يتوان المواطنين المغاربة كل من موقعه عن تقديم يد العون لبعضهم البعض، ولكل من هو في حاجة ماسة للمساعدة.
والظرفية الصعبة التي تمر منها المملكة المغربية أبانت عن المعدن النفيس للمغاربة، وعن استعدادهم للتضحية بالمال والجهد من أجل إدخال الفرحة ورسم البسمة على وجوه المعوزين.
وماراتون حقيقي في التبرعات انطلق منذ الإعلان عن تأسيس صندوق تدبير جائحة كورونا، وتضاعف أكثر بعد الإعلان عن إغلاق المقاهي والمطاعم وغيرها، فقد وقع المغاربة على ملحمة تضامنية في مداها الواسع، أعادت إلى الواجهة القيم الإنسانية المتجدرة فينا.
وفي ظل الانتشار الواسع لقيم التضامن والتآزر داخل المجتمع المغربي، يطرح عدد كبير من المواطنين سؤال هل ستستمر هذه القيم بهذا الشكل الموجودة به اليوم إلى ما بعد كورونا؟ أم أنها ستنتهي بإنتهاء جائحة كورونا؟.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور مصطفى الشكدالي، المتخصص في علم النفس الاجتماعي، إن “ما نعرفه في هذه الجائحة تحت يافضة التضامن هو تضامن ظرفي موسمي انفعالي”.
ودليل على ذلك، يضيف الشكدالي في تصريح لـ”بناصا”، “مثلا أطفال الشارع والمشردين، ألم يكونوا في جائحة قبل أن تحل جائحة كورونا، ولماذا الأن أخذناهم في الحضن وأعطيناهم مأكلا ولباسا، مشددا على أنه ليس حبا فيهم، ولكن هو حب في شيء أخر أو وقاية من انتشار الفيروس”.
وتابع المتخصص في علم النفس الاجتماعي، أن هذا التضامن رغما حسناته، ورغما أنه أفضى إلى مسائل محمودة إن صح التعبير، ولكن يبقى السؤال هل سيزول بزوال الجائحة، لأن الجائحة الاجتماعية كانت قبل أن تكون الجائحة الوبائية، مؤكدا على أن المسألة فيها انفعال فقط”.
وزاد متسائلا، “ألم نكن في حاجة إلى صندوق تدبير جائحة كورونا قبل أن تحل هذه الجائحة إذ قولنا بأن 4 مليون أسرة استفادت من الدعم، وإذا اتخذنا بأن عدد الأسرة يصل إلى 4 أشخاص أو شيء من هذا القبيل سنصل إلى 18 مليون أو 20 مليون من هم في الحاجة إلى الدعم”.
وأردف المتحدث ذاته، أنه “من الجميل أن يكون لنا تضامن، ولكن من الأجمل أن يكون مستدام، ولا يكون فقط إنطلاقا من أزمات بهذا الشكل”، مؤكدا على أن المجتمع المغربي قادر على التعبئة وعلى الانخراط في التضامن”.
ولكن هذا الانخراط هو انخراط انفعالي، وليس مبني على مستوى الفكر، وعلى مستوى الأنماط الفكرية ، وعلى مستوى الترسيخ، موضحا انه غير مرسخ، ولذلك سيذهب أدراج الرياح عندما نعود إلى حياتنا المسمومة كما كانت سابقا، ولن نكترث لا بالجياع ولا بالمشردين”.
وشدد الدكتور مصطفى الشكدالي، أنه “على مستوى الفهم وعلى مستوى الإدراك هذا ما يحصل عادة، حينما نكون موسمين، وحينما لا نرقى إلى مستوى ترسيخ هذا التضامن، ليس قولا ولكن فعلا كما حصل أثناء الجائحة، لأن لنا منسوب كبير من الخطاب على أساس نحن مجتمع مسلم من قيمه التضامن”.
ولكن واقع الحال، يضيف المتحدث عينه، “يقول عكس ذلك، لأن أفعالنا لا تمشي في سياق أقولنا، ولذلك فأنا أعتقد بأن هاته المسألة يجب أن لا نعممها، وأنها لا يمكن أن تترسخ إلا بتغير العقليات، مشيرا إلى أن العقليات لا يمكن أن تتغير بسن القوانين، ولكنها تتغير انطلاقا من التربية والتنشئة الاجتماعية”.
وختم الدكتور مصطفى الشكدالي، المتخصص في علم النفس الاجتماعي، حديثه بالقول “أن نذهب في سياق التآزر الاجتماعي، لأن في ذلكتآزر الأنا مع النفس، وننتظر قليلا ولا نتبجح ونقول بأننا مجتمع متضامن”.
تعليقات الزوار ( 0 )