شارك المقال
  • تم النسخ

هل يقف “البيجيدي” وراء إنشاء ”حركة تصحيحية ” داخل التجمع الوطني للأحرار؟

يبدو أن الحقل السياسي المغربي يسير نحو ظاهرة خطيرة تتمثل في مبادرة حزب سياسي إلى إنشاء وتحريك حركة يسميها بالإصلاحية ضد حزب سياسي ثان منافس له، فالمشهد الحزبي عرف في الماضي الإنشقاقات التي أفرزت أحزابا صغيرة إما أنها ماتت أو استمرت في العيش وهي ضعيفة وغير مؤثرة ،وكانت تقف وراءها أيادي لإدارة التوازنات السياسية أو إضعاف أحزاب سياسية وخلق تناقضات وصراعات داخلها ،لكن المشهد هذه المرة يبدو مختلفا وخطيرا، لأنه يعبر عن حالة نفسية لحزب سياسي وهو يشعر أنه سيفقد الولاية الحكومية.

ذلك ،أنه مع بداية الصراع في السنة الأخيرة قبل الإنتخابات التشريعية والجماعية، بدأت تخرج دعوات غامضة من شبكات التواصل الاجتماعي، تُعلن عن وجود حركات تصحيحية، وكان الحزب الأول المستهدف بهذه الخطة الجديدة هو التجمع الوطني للأحرار، فالأمر لايبدو عاديا نظرا لوجود مجموعة مؤشرات تدل على أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في المغرب يوجد وراء هذه السابقة الخطيرة، البعيدة عن قواعد التنافس السياسي والانتخابي ،فالمؤشر الأول الذي يدل على أن حزب العدالة والتنمية وراء حركة تسمى بـ“التصحيحية“ في التجمع الوطني للأحرار أن تأتي ما تسمى بـ“الحركة التصحيحية“ بعد تغيير التجمع الوطني لاستراتيجيته من الصراع الخطابي مع حزب العدالة والتنمية إلى السكوت والذهاب إلى التواصل الميداني وحصر حزب العدالة والتنمية في زاوية تقييم التدبير القطاعي ،خاصة خلال فترة الحجر الصحي التي اختفى فيها وزراء العدالة والتنمية وبرز وزراء التجمع الوطني للأحرار، وانقطعت صلة حزب العدالة والتنمية بالمجتمع لكون وزارة الداخلية هي التي أخذت المبادرة ومنعت كل توظيف سياسي للجائحة، وجعل هذا التحول حزب العدالة والتنمية يدور في فراغ لأنه فقد شيئين: أولهما العدو الإفتراضي ،فسكوت حزب التجمع الوطني للأحرار وذهابه أكثر نحو الميدان ،جعل حزب العدالة والتنمية يفقد أحد الأعداء المفترضين الذين بنى عليهم استراتيجيته الإنتخابية منذ مرحلة بنكيران ،المؤشر الثاني ،خروج حركة مسماة ب“تصحيحية ” دعاتها أشباح، يخرج للواجهة شخص واحد منهم يتمثل في الرئيس السابق لجهة كلميم واد نون الأستاذ عبدالرحيم بوعيدة الذي تشير العديد من المعطيات الملموسة أنه قريب جدا من تيار عبدالإله بنكيران داخل حزب العدالة والتنمية، حيث أنه كان مدعوما أثناء صراعاته في الجهة بمستشاري حزب العدالة والتنمية ،الذين تمسكوا به في تحدي واضح لوزارة الداخلية لما أرادت الوزارة تحريك المجلس الجهوي الذي كان مشلولا ،ووردت معلومات بعد استقالة عبدالرحيم بوعيدة أنه التقى خلال شهر دجنبر 2019 بالقيادي عبدالإله بنكيران، واستطاع عبدالإله بنكيران اقناع بوعيدة بالإنضمام إلى حزب العدالة والتنمية، حسب مانشرته مواقع الكترونية عن مصادر من داخل البيجيدي نفسه ، وبات الكثيرون منذ ذلك التاريخ ينطرون لعبدالرحيم بوعيدة أنه عضو في حزب العدالة والتنمية ومرشح مقبل له بمنطقة كلميم .

والسؤال، هو كيف يسكت داعي الحركة المسماة بـ“التصحيحية“ الغامضة طيلة هذه المدة ، ثم يعود لانتقاد زعامة التجمع الوطني للأحرار؟ بل أنه يدعو إلى مؤتمر استثنائي في نفس الوقت الذي يخرج فيه تيار بنكيران من داخل البيجيدي إلى الدعوة لمؤتمر استثنائي داخل حزب العدالة والتنمية بدوره .المؤشر الثالث، أن هذا التزامن في الدعوات لمؤتمر استثنائي في التجمع الوطني للأحرار والعدالة والتنمية لايمكن أن تكون بالصدفة، بل يوجد مهندس لها من داخل حزب العدالة والتنمية الذي رسم خطة الحركة المسماة ب“التصحيحية“ في التجمع الوطني للاحرار وأطلق وَهْمَ مؤتمر إستثنائي داخل العدالة والتنمية التي بدأ فيها الطلب قويا ليتحول بعد ذلك من طلب مؤتمر استثنائي إلى مجرد دعوة لإطلاق حوار ،مقابل ذلك، شجعت هذه المناورة المسماة بـ”التصحيحية“ التي أنشأها البيجيدي في الأحرار على الاستمرار في ترديد خطاب التحدي و الدعوة لمؤتمر استثنائي ،رغم أن الداعي إليها يعرف جيدا أن المسافة مع التجمع الوطني للأحرار باتت بعيدة.

ولا أحد يعرف اليوم هذا التزامن الحاصل بين دعوة وهمية لمؤتمر استثنائي في العدالة والتنمية يوجد وراءها بنكيران ،وحركة تصحيحية في التجمع الوطني للأحرار يوجد وراءها مقرب من بنكيران ، وانطلاق دعوة حركة تصحيحية أخرى في حزب الأصالة والمعاصرة قد تتضح معالمها أكثر خلال الأيام المقبلة ،فالذي يجمع بين هذه الدعوات أنها تمس حزبين منافسين لحزب العدالة والتنمية هما الأحرار والبام اللذان يوجد بينهما قاسم مشترك وهو تغير في استراتيجيات الحزبين في علاقتهما التصارعية بالعدالة والتنمية ،فالأحرار اختار منازلة العدالة والتنمية في التدبير داخل الميدان وبنتائج وزرائه في تدبيرهم القطاعي، أما الأصالة والمعاصرة فاختار أمينه العام الاعتذار عن الأصالة والمعاصرة القديم ،وفي الحالتين، فإن حزب العدالة والتنمية فقد بذلك العدوين الافتراضيين اللذان يُمكن أن يبني عليهما استراتيجيته الإنتخابية المقبلة ،فالعدالة والتنمية لايمكنه أن يعيش سياسيا دون وجود عدو مفترض يشتت به أنظار المغاربة عن حصيلة ضعيفة جدا في ولايتين حكوميتين يتحمل مسؤوليتها بالدرجة الأولى لأنه الحزب الحاكم ،وتبدو اليوم قضية استعماله للغاضبين أو المنسحبين أو الذين وجدوا أنفسهم خارج الأحزاب السياسية المنافسة لدفعهم نحو إنشاء حركات وهمية مسماة بـ“تصحيحية“ خطيرة جدا ،وقد سبق لحزب العدالة والتنمية أن حاول استقطاب أشخاص قبل الإنتخابات السابقة لترشحيهم أو توظيفهم في الدعاية الانتخابية وهم منسحبون أو غاضبون من أحزاب مثل الاتحاد الإشتراكي والبام ،وقد جاء اليوم دور التجمع الوطني للأحرار، لننتظر، ففي نهاية هذا الوهم المسمى حركة تصحيحية في التجمع الوطني للأحرار ستكون هناك ترشيحات مع العدالة والتنمية ،لكن الثالث اليوم أن العدو المفترض للعدالة والتنمية لم يعد موجودا وبات صعبا بناؤه لدخول الانتخابات المقبلة، والثابت أيضا أن حزب العدالة والتنمية يستعمل وجوده في الحكومة للقيام بكل المناورات التصارعية التي تقوده إلى ولاية حكومية أخرى بما فيها صناعة حركات تصحيحية وهمية في الأحزاب المنافسة .

أستاذ العلوم السياسية، كلية الحقوق اكدال، الرباط

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي