رغم ما يربط المغرب وإسبانيا من علاقات تاريخية وجغرافية عميقة، ظل حلم الربط الثابت بين الضفتين الجنوبية والشمالية للمتوسط، عبر مضيق جبل طارق، مجرّد فكرة تتردد بين الفينة والأخرى في الأوساط السياسية والهندسية، دون أن ترى النور.
الجسر البحري الذي لطالما تم الترويج له كرمز للوحدة والتعاون، ظل بعيد المنال. فهل السبب تقني؟ أم مالي؟ أم أن خلف الأكمة ما وراءها من اعتبارات جيوسياسية؟
وبحسب تقرير حديث للمعهد الإسباني للمهندسين، فإن الطبيعة القاسية لمضيق جبل طارق تجعل من فكرة الجسر شبه مستحيلة.
فالمنطقة تعرف عمقاً يصل إلى 900 متر في بعض النقاط، بالإضافة إلى تيارات بحرية عنيفة ونشاط زلزالي لا يُستهان به. هذه العوامل تجعل أي هيكل هندسي عائم أو معلّق عرضة للانهيار.
ويؤكد التقرير أن أي جسر محتمل سيتطلب امتدادات تتجاوز 14 كيلومتراً بين الأعمدة، وهو ما يتجاوز قدرات التكنولوجيا الحالية، حتى بالنسبة للدول الرائدة في الهندسة المدنية.
ومن الناحية الاقتصادية، تشير التقديرات إلى أن المشروع سيكلف أزيد من 20 مليار يورو، وهو رقم يجعل أي مستثمر يفكر ملياً قبل الإقدام على خطوة كهذه، خصوصاً في ظل الأولويات المختلفة لكلا البلدين، وعدم وجود دعم أوروبي موحد لهذا النوع من المشاريع.
أما سياسياً، فلا يمكن إغفال الفتور المتكرر في العلاقات المغربية الإسبانية، رغم التحسن النسبي في السنوات الأخيرة. قضايا مثل سبتة ومليلية، والحدود البحرية، والهجرة، تلقي بظلالها على أي مشروع طموح، وتحُول دون بناء جسور ثقة دائمة قادرة على تحمّل هذا النوع من المبادرات العملاقة.
وفي ظل تعقيدات الجسر، عادت مدريد لتُنعش مشروعاً آخر أكثر واقعية: نفق سككي تحت البحر، يربط بين مدينة طريفة وميناء طنجة المتوسط، على امتداد يقارب 40 كيلومتراً.
وسيكون المشروع، الذي يُتوقع إطلاقه بحلول عام 2030، الأطول من نوعه في العالم تحت البحر، متجاوزاً “اليوروتانيل” بين بريطانيا وفرنسا.
لكن، وعلى عكس هذا الأخير، فإن النفق المغربي-الإسباني لن يكون مخصصاً للسيارات، بل سيحتوي فقط على خطين لسكك الحديد فائق السرعة، لنقل الركاب والبضائع، مع تقليص زمن الرحلة من ساعة في الباخرة إلى 25 دقيقة فقط في القطار.
وسيمكن إنجاز هذا المشروع المغرب من لعب دور المعبر المحوري بين إفريقيا وأوروبا، وسيساهم في تعزيز مكانته كقطب لوجيستي عالمي.
ومع استمرار تطوير شبكة القطارات فائقة السرعة داخلياً (البراق، وتوسيع الخط نحو مراكش وأكادير مستقبلاً)، سيكون للنفق دور جوهري في تعزيز اندماج المغرب في سلاسل الإمداد العالمية.
وإذا ما تم ربط هذا المشروع بطموحات المغرب في الموانئ الكبرى (ميناء الناظور غرب المتوسط، طنجة المتوسط، الداخلة الأطلسي)، فإننا أمام مشروع استراتيجي قد يغير موازين الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بالمنطقة.
وتُقدّر كلفة النفق بحوالي 10 مليارات يورو، وستُموّل عبر مساهمات من المغرب، الاتحاد الأوروبي، وشركات خاصة. أما من الناحية التقنية، فسيُنجز على عمق 300 متر، باستخدام أحدث تقنيات الحفر والعزل، لضمان سلامة النقل تحت البحر، وتفادي أي تسرب مائي أو خطر زلزالي.
تعليقات الزوار ( 0 )