أصدر المجلس الوطني لحقوق الانسان مذكرة مؤرخة بتاريخ 23 يوليوز 2020، متعلقة بوجهة نظره حول النموذج التنموي الجديد، تتوزع على ثماني محاور، تهم قضايا ومجالات وإشكاليات متعددة، حيث قدم المجلس رأيه وتصوره بخصوصها.
بعيدا عن النقاش المنهجي والنظري والحقوقي بخصوص المذكرة، والذي يتطلب مساحات أكبر من حجم هذه المقالة، فإن التركيز سيكون فقط على فئة تشكل جزء كبير من المجتمع المغربي، وهي الاشخاص في وضعية إعاقة.
تناول موضوع يتصور نموذج تنموي يخص بلد معين، له أهمية كبرى، ويتطلب مجهود كبير يشمل مختلف فئات المجتمع ومكوناته الفكرية والسياسية والمذهبية وأيضا للاشكاليات الكبرى التي تهم المجتمع ككل، وعلاقة المجتمع بالدولة أيضا.
والمجلس الوطني لحقوق الانسان كموسسة دستورية ووطنية ذات ولاية شاملة على عاتقها أثناء وضع أي تصور مجتمعي أن تكون حاضنة لكل مكونات المجتمع، لا أن يتم تجزيئه إلى وحدات متفرقة وانتقاء فقط العناصر التي ستخدم مخرجات تقرير ما أو مذكرة معينة…
بالعودة إلى مذكرة المجلس الوطني حول النموذج التنموي الجديد والموجهة إلى الرأي العام وإلى اللجنة الخاصة بالنموذجي التنموي المحدثة بقرار ملكي يوم 12 دجنبر 2019، فإنها لم تتطرق نهائيا على طول ال 50 صفحة لمصطلح الاعاقة ولا الحديث عن الاشخاص في وضعية اعاقة بشكل نهائي.
تطرق المجلس في مذكرته إلى قضايا وفئات مهمة، كالمساواة بين النساء والرجال وحقوق المرأة وتمكينها من حقوقها السياسية والمدنية، وزواج القاصرات، والساكنة القروية، الشباب، الاجانب المقمين بالمغرب والمهاجرين وطالبي اللجوء، وإن كانت هذه الفئات لها أهميتها، فإنها لا تزيد ولا تقل عن أهمية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة.
إذا كان مثلا عدد المهاجرين وطالبي اللجوء مثلا في المغرب في حدود 50 ألف شخص سنة 2018، وفق إحصائيات غير رسمية، تقتضي على السلطات المغربية ضمان حقوقهم، فإن عدد الاشخاص في وضعية إعاقة وفق إحصائيا المندوبية السامية للتخطيط سنة 2014 بلغ 1.703.424، أي أن المجلس الوطني لحقوق الانسان لم يولي أهمية ل 5.1 في المائة من الساكنة المغربية.
نقطة أخرى نود الاشارة إليها، كون فكرة القضاء على جميع أشكال التمييز بكل أنواعه، وردت في فقرتين، داخل مذكرة المجلس الوطني لحقوق الانسان، في الفقرة 43 حيث ورد “محاربة كل أشكال التمييز بين الناس، ويتعلق الامر أساسا بالتمييز بسبب الجنس، اللغة، السن، العرق، أو الانتماء المجالي (حضري/قروي)” دون التطرق أبدا إلى التمييز على أساس الاعاقة، وهو ما ورد حرفيا في تصدير دستور 2011 الذي داء فيه “حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي، مهما كان”.
أما المرة الثانية التي تم تناولت موضوع التمييز بكل اشكاله، وردت في التوصيات الصفحة 27 إذ جاء فيها “اعتماد سياسة تعليمية متعددة المستويات، تراعي التمايزات الجغرافيا واللغوية والثقافية والجنسانية والدينية والعرقية والجسدية للمتعلمين”، وهنا نحن أمام احتمالين، إما أن المذكرة تجاهلت مرة أخرى التمايز على اساس الاعاقة، وسن لمفهوم جديد غير موجود في جميع أدبيات حقوق الانسان وهو التمايز على أساس “جسدي”، وهو فضيحة، أو أن المذكرة قصدت بالتمايز الجسدي هو التمايز على اساس الاعاقة، انذاك سنكون أمام فضيحتين، لكون الاعاقة ليست تمييز جسدي بل جزء من التنوع البشر، كما ان الاعاقة لا تشمل فقط الاعاقة الجسدية هناك الاعاقة الذهنية والبصرية والسمعية والحركية …
تدفعنا الملاحظات السابقة إلى التساؤل هل يكن المجلس الوطني لحقوق الانسان خصومة مع الاشخاص في وضعية إعاقة؟ وفي محاولة لدحض هذه الاطروحة، لكونه مؤسسة دستورية ورسمية ووطنية، نجد على مثن المذكرة الاستناد بشكل كبير على أهداف التنمية المستدامية 2030، ومرتكزاتها ال 17.
أنجزت المفوضية السامية لحقوق الانسان قاعدة بيانات ضخم يهم علاقة كل الدول بأهداف التنمية المستدامة ل 2030، ومن بينها المغرب، حيث جردت 528 ما بين ملاحظة وتوصية وأراء في جميع مناحي المجال الحقوقي، تهم التزامات المغرب التي يجب تحقيقها من أجل بلوغ هذه الاهداف، ومن بين هذه الرزمة نجد 63 توصية وملاحظة مرتبطة بالاشخاص في وضعية إعاقة، حيث لا يمكن تحقيق أي تنمية دون تحقيق هذه الحقوق.
وللتدقيق أكثر ففي علاقة بالتنمية ومكافحة جميع أشكال التمييز بما فيها التمييز على أساس الاعاقة نجد تسع (9) توصيات تربط المنظومة الاممية بين مكافحة التمييز على أساس الاعاقة والتنمية المستدامة وهي (قبل ذلك أستسمح القارئ على التفاصيل):
- الوثيقة: A/HRC/41/54/ADD.1، الفقرة : 81، هدف التنمية 2030: رقم 10.7 (التمييز العنصري ضد الاشخاص في وضعية إعاقة)؛
- الوثيقة: A/HRC/41/54/ADD.1، الفقرة 85، هدف التنمية 2030: رقم 10.3 (التمييز العنصري ضد الاشخاص في وضعية إعاقة)؛
- الوثيقة: CRPD/C/MAR/CO/1، الفقرة 50، هدف التنمية 2030: رقم 8.5 (التمييز ضد الاشخاص في وضعية إعاقة في قانون الشغل)؛
- الوثيقة: CRPD/C/MAR/CO/1، الفقرة 51، هدف التنمية 2030: رقم 5.5 (التمييز ضد الاشخاص في وضعية إعاقة في قانون الشغل)؛
- الوثيقة: CRC/C/MAR/CO/3-4، المواد 2، 3، 6، و12، هدف التنمية 2030 :10.3 (الاطفال في وضعية إعاقة)؛
- الوثيقة: CRC/C/MAR/CO/3-4ـ، المادة 16 الفقرة 7، هدف التنمية 2030: 10.3 (الاطفال في وضعية إعاقة)؛
- الوثيقة: A/HRC/21/3ـ الفقرة 129.42، هدف التنمية 2030: 10.3 (تعريف ومبادئ عامة للاشخاص في وضعية إعاقة)؛
- الوثيقة: CEDAW/C/MAR/CO/4ـ، N ، هدف التنمية 16.10(المرأة في وضعية إعاقة)؛
- الوثيقة : A/HRC/8/10/Add.2، R، هدف التنمية 4.5 (التربية والاطفال في وضعية إعاقة)؛
نختم المقالة، بأمنيتين، وإن كان التنمي لا يدخل في مجال البحث العلمي والموضوعي، ولكنه للضرورة، الاولى، أن تكون غفلة المجلس الوطني لحقوق الانسان بإدراج موضوع له أهميته وهو الاعاقة، والاشخاص في وضعية إعاقة الذين يشكلون جزء كبير من النسيج المجتمعي، ضمن تصوره للنموذج التنموي، مجرد سهو ولا يصل إلى مخاصمة وانتقام من الاشخاص في وضعية إعاقةـ بعد أن عارضت الحركة الحقوقية للاشخاص في وضعية إعاقة تشكيلة المجلس والاقصاء الذي تعرضوا له والاعلان عن مقاطعة انشطة وهياكل المجلس وفق بلاغها الصادر دجنبر 2019 ، وبعد أن رفض العشرات منهم قبول العضوية في اللجن الجهوية.
التنمي يمتد إلى أن لا تصل عدوى مخاصمة المجلس الوطني لحقوق الانسان للجمعيات والمنظمات الحقوقية الجادة والحرفية إلى والفعاليات الحقوقية والمدافعين عن حقوق والحريات ، ومخاصمة معتقلي الرأي وعائلات المعتقلين السياسيين، أن تصل هذه المخاصمة أيضا إلى كثلة كبيرة من المجتمع المغربي، تشكل جزء من التنوع البشري، هم الاشخاص في وضعية إعاقة.
تعليقات الزوار ( 0 )