تناسلت أخبار خرق وانتهاك إجراءات الحجر الصحي، وخضوع المرتكبين للتوقيف والبحث وإحالتهم من طرف النيابة العامة على المحاكمة في حالة اعتقال، وإدانتهم بالغرامة والعقاب وفقا لأحكام المرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بـ”سن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها”.
وموازاة مع ذلك، تباينت سلوكيات وردود أفعال الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، أو رجال السلطة تجاه خارقي إجراءات الحجر الصحي؛ بين من أشرقت وسطعت صورته كـ”القائدة حورية”، وبين من تسامح مع منتهك للحجر ونبه مرتكبه إلى عدم تكرار الفعل كـ”قائد بمدينة أكادير”، وبين من تعامل بشكل آخر وعنّف المواطنين أو حط من كرامتهم.
وهو ما دعا حقوقيين إلى المطالبة بفتح تحقيق مع رجال السلطة الصادرة عنهم هذه الأفعال والتصرفات والسلوكيات، التي اجتهد البعض في تبريرها تحت ذريعة خطورة اللحظة وكون فعل عدم احترام الحجر يهدد حياة كل المغاربة. رافضين كل إجراء يمس بكرامة المواطنات والمواطنين وكل تجاوز للضوابط التي حددها القانون.
استعمال القوة يجب أن يخضع لمبدأ “التناسبية”
وفي هذا الصدد أوضح الأستاذ الجامعي والناشط الحقوقي خالد البكاري، أن ” القانون واضح فيما يخص مقتضيات خرق حالة الطوارئ الصحية من قبل المواطنين، ولا يشير المرسوم المنظم لهذه الحالة إلى استعمال القوة، بل الغرامة والسجن في حالات محددة، لكن قد تلجأ القوات العمومية لاستخدام القوة، وذلك في حالة امتناع أي شخص عن تنفيذ هذه المقتضيات بعد تنبيهه، أو في حالة مقاومته لأوامر هذه القوات في نطاق ما يبيح لها القانون”.
وقال البكاري في تصريح لـ”بناصا” إن “استعمال القوة يجب أن يخضع لمبدأ “التناسبية” الذي يعني توافق درجة القوة الموظفة مع درجة مقاومة الشخص الرافض للانصياع لهذه الأوامر، وهو الأمر الذي للأسف لم يحترم في الفيديوهات التي شاهدناها، بحيث لم نلحظ أي مقاومة من طرف المواطنين ولا أي سعي منهم للاشتباك مع القوات العمومية، مما يجعل هذه التصرفات تندرج في إطار الشطط في استعمال السلطة، وترقى في حالات إلى مرتبة الانتهاك للحق في السلامة الجسدية والكرامة”.
وأضاف الناشط السياسي أنه “إذا احتكمنا للقانون فرجال السلطة هؤلاء الذين ارتكبوا هذه المخالفات يتحتّم مساءلتهم من طرف إداراتهم، وأيضا إحالتهم على مجالس تأديبية إذا اقتضى الحال باعتبار ما قاموا به مخالفات إدارية ووظيفية”.
وفي السياق ذاته أكد البكاري، أنه ” بإمكان المواطنين الذين تعرضوا لهذه الاعتداءات اللجوء للقضاء.. وعلى الرغم من الوضعية الاستثنائية التي قد تقتضي الصرامة في مواجهة مخالفات المواطنين لمقتضيات حالة الطوارئ الصحية، فهذه الصرامة يجب أن تبقى في إطار القانون الذي يعطي للقوات العمومية إمكانيات كثيرة في مواجهة المخالفين دون الاعتداء و إهانة الكرامة الإنسانية.”
الظرفية لا تحصن رجال السلطة
وأعرب الأستاذ الجامعي، خالد البكاري، عن “كون هذه الظرفية لا تحصن رجال السلطة والقوات العمومية من المساءلة عن انتهاك الكرامة الإنسانية، موضحا أن المرسوم المنظم لحالة الطوارئ الصحية واضح، وأن الوضع ليس حالة استثناء التي ينظم مقتضياتها الدستور، وحتى في حالة الاستثناء التي تحدث الدستور عن تجميد عمل بعض المؤسسات، كان صريحا في أن حالة الاستثناء لا تبيح استهداف الحقوق والحريات”.
وخلُص الأستاذ الجامعي إلى أنه “من الممكن تفهّم الإجهاد والضغوط النفسية التي يعانيها المكلفون بإنفاذ القانون في هذه الظرفية التي قد تجعل البعض في حالات معينة ينزلق لممارسات خارج القانون، ولكن لا يجب التطبيع مع هذه المنزلقات حتى لا تتحول إلى ممارسات ممنهجة”، كما دعا البكاري، “المواطنين لمساعدة القوات العمومية حتى تمر هذه الأزمة بأقل خسائر صحية واقتصادية، وكذلك بأقل خسائر حقوقية”.
القانون وحده من يحدد العذر وظروف التخفيف
من جانبه قال صبري الحو، محام بمكناس والخبير في القانون الدولي، في تصريح لـ”بناصا” “نحن أمام إشكالية معقدة، ليست في حلول القانون وتطبيقاته، فالقاعدة القانونية بطبعها عامة ومجردة، والعدالة في مجسمها ليست معصبة العينين لكي لا تعرف وتميز بين من يجب أن يقف في قفصها، ونصوص القانون واضحة في تحديد حالات الأعذار القانونية في مدلولها وموجباتها ( 143، 144و 145 من القانون الجنائي)، وقبل هذا وذاك الدستور يضمن المساواة أمام هذه القواعد”.
وأضاف الحو، أن “الحكومة في مرسومها حددت العقوبات والغرامات كجزاء يُوقعه القضاء على من خالف تدابير الحجر الصحي، أما دور الشرطة الإدارية وضباط وأعوان الشرطة القضائية، كموظفين مكلفين بإنفاذ القوانين يقتصر في تقديم المخالفين أمام القضاء لينالوا جزاء مخالفته”.
وأوضح خبير القانون الدولي أن ” قايد أكادير لا يملك حق إعفاء مخالف للحجر تحت اسم “ما تعاودش”، لأن القانون وحده هو الذي يحدد أسباب العذر وظروف التخفيف وما يقال عن هذا السلوك يقال أيضا عن فيديوهات رجال السلطة،(شرطة، أو عناصر القوات المساعدة)، من واجهوا الخرق بـ”الصفع” و”الركل”، فهذا الفعل ، والإيذاء يكيّف في حكم القانون الجنائي تعذيبا ويعاقب عليه على هذا الأساس”.
حقوق الضحايا محفوظة
أكد صبري الحو، أن “الظرف صعب، والخطر جسيم، والكل في نفس المركب، وجميعنا مهددون في وجود الخطر، واعتبارا لكون هذه الأفعال غير محصنة ولا يطالها التقادم، وحقوق الضحايا محفوظة، فهي كذلك إلى حين زوال الظرف الاستثنائي الذي يمنع من الخوض في أمور خاصة لا تقوم أمام المصلحة الفضلى، في ضمان حقوق مقدسة وهي الحياة والصحة.”
وأضاف خبير العلاقات الدولية أن “حياة المواطنين بين أيدينا، ومن الواجب الالتزام بإجراءات الحجر حفاظا على هذه الحياة”، كما عبّر بلسان كابرييل روفيان قائلا “فلنعطل كل شيء في الوطن أو نبقى بدون وطن”.
فتحُ تحقيق حول سلوكيات رجال السلطة
موازاة مع مناشدات الحقوقيين وانتشار الفيديوهات المذكورة على مواقع التواصل الاجتماعي، فتحت وزارة الداخلية تحقيقا في قضية بعض السلوكيات الصادرة عن رجال السلطة خلال سهرهم على تطبيق حالة الطوارئ الصحية بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد.
وأفادت مصادر، أن الوزارة اتخذت إجراءات تأديبية في حق المخالفين، مؤكدة أن المصالح المختصة فتحت تحقيقا في مشاهد تم بثها عبر مواقع التواصل الاجتماعي تظهر بعض رجال السلطة يقومون بصفع مواطنين خلال جولات مراقبة مخالفي حالة الطوارئ الصحية.
وذكرت المصادر ذاتها، أن الحالات التي ظهرت بأشرطة فيديو، هي حالات معزولة، و أن تصرفاتهم التي ظهرت في الأشرطة تأتي في ظل الضغط الذي يعانون منه واشتغالهم بالليل والنهار من أجل الحرص على سلامة الوطن والمواطنين، وهو الأمر الذي يجب تفهّمه ومساعدتهم في ذلك.
في هذه الظرفية الصعبة والتي لم يعهدها المواطن ولا حتى القائم على حفظ النظام العام(الشرطي الدركي القواد أعوان السلطة)وجب إعمال مبدأ التجاوز والتسامح وغض الطرف حتى يتأقلم الكل مع الظرفية وذلك بإرشادات لكل اﻷطراف وتكثير الوصلات اﻹشهارية والدعم المادي والنفسي ﻷن البيوت كما قال بعض المختصين في الطب النفسي عليه ضغط كبير قد يأدي لما يحمد عقباه وأخيرا تبقى كرامة المواطن فوق كل اﻹعتبارات.