بالرغم من أن سنة 2020 تُعتبر الأسوء خلال العقدين الماضيين في المغرب، إلا أنها كانت عاماً مليئاً بالانتصارات الدبلوماسية غير المسبوقة للمملكة، بعدما نالت فيه اعتراف عشرات الدول بسيادتها على الصحراء، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، القوة العظمى الأولى في العالم، وعزلت خلاله الجارة الشرقية التي تموّل الانفصاليين.
وانطلقت انتصارات المغرب الدبلوماسية خلال السنة الماضية، في الـ 17 من شهر يناير، حين أعلنت غينيا عن افتتاح قنصلية لها بالصحراء المغربية، لتكون ثاني دولة تنحو هذا المنحى بعد جزر القمر، ليتبعها في الـ 21 من الشهر نفسه، تنديد البوليساريو بهذا التطور، واعتباره قرارا معرقلاً للمسار السياسي، وهو ما يعني، حسب محلّلين، ثقل وزن القنصليات، التي توالى إنشاؤها لاحقا.
في الـ 28 من فبراير، أعلنت جمهورية بوروندي عن افتتاح قنصلية لها بالعيون، تلتها جمهورية زامبيا ومملكة إسواتيني في 27 أكتوبر، قبل أن تسير دولة الإمارات على هذا الطريق وتتخذ في الـ 4 من شهر نوفمبر، قراراً بفتح قنصلية لها بمدينة العيون، ليأتي بعدها الانتصار المهمّ الذي حرك التأييد الدولي، وهو تدخل الجيش المغربي في الـ 13 من الشهر ذاته، لتأمين معبر الكركارات.
بعد هذا التدخّل تسارعت وتيرة الأحداث، التي انطلقت بإعلان البوليساريو الانسحاب من اتفاق موقف إطلاق النار، وشنّ حرب على المغرب، وتشييد القوات المسلحة الملكية لجدار دفاعي بمنطقة الكركارات وحتى الحدود الموريتانية، لمنع تكرار سيناريو قطع المعبر، ثم إعلان الأردن عن نيتها فتح قنصلية لها بمدينة العيون المغربية، لتكون ثاني دولة عربية أسيوية تتخذ هذا القرار.
وعقب هذا، جاءت الخطوة التي زلزلت مؤيدي الطرح الانفصالي، وهي إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء، وفتح قنصلية لها بمدينة الداخلة لتشجيع الاستثمار، ليشرع سفير واشنطن في الرباط، بتجسيد الموقف الجديد، عبر مسح الخط الوهميّ الذي يُقسّم الأراضي المغربية الكاملة، مؤكدا أن هذه الخريطة هي المعتمد من قبل بلاده الآن.
11 يوماً بعد اتخاذ أمريكا لموقفها الجديد، أعلمت السفيرة والممثلة الدائمة لواشنطن بمجلس الأمن، الدول الأعضاء، بموقف بلادها الجديد، الذي يعترف للمغرب بسيادته على صحرائه، قبل أن تلي الأمر، اتجاه مصر لفتح قنصلية لها بمدينة العيون المغربية، حيث كلف الرئيس عبد الفتاح السيسي وزير الخارجية سامر شكري لترتيب الأمر.
وقبل ثلاثة أيامٍ عن نهاية سنة 2020، أعلن رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني، عن وصول عدد الدول التي فتحت قنصليات لها بالصحراء المغربية لـ 19، كاشفاً أن دولا كبرى أخرى تتجه لكي تفتح تمثيليات لها بالصحراء المغربية، مشيراً إلى أن 164 دولة في العالم لا تعترف بالجمهورية الوهمية، آخرهما بوليفيا وغينيا، اللتان سحبتا الاعتراف بالانفصاليين العام المنقضي.
ونظراً لحجم الانتصارات الدبلوماسية التي حققها المغرب، في ظلّ تولي ناصر بوريطة، لحقيبة وزارة الخارجية، فإن العديد من المتابعين يرون بأنه بات من الصعب تحقيق أكثر مما تحقق في السنة الفارطة، والتي فتحت فيها 18 دولةً قنصلية لها بالصحراء، كما حملت الاعتراف الأمريكي، لأول مرة، بسيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية، إلى جانب تأمين الكركارات بشكل نهائيّ.
وفي المقابل، يرى متابعون، بأن القرار الوحيد الذي يُمكنه أن يغطي على الإنجازات الدبلوماسية التي تحققت خلال سنة 2020 الماضية، هي اعتبار جبهة البوليساريو الانفصالية، جماعةً إرهابية، وفرض عقوبات صارمة على الدول الداعمة لها، وعلى رأسها الجزائر، وبالتالي إغلاق ملف الصحراء بشكل نهائيّ في مجلس الأمن.
كما يتوقع آخرون، بأن افتتاح قنصليات أكثر وزناً في الصحراء المغربية، من شأنه أيضا، أن يغطي على الإنجازات الماضية، ويجعل سنة 2021، أفضل من سابقتها على مستوى الدبلوماسية المغربية، لاسيما إن نحت كلّ من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، منحى واشنطن، وفتحت تمثيليات لها في مدن جنوب المملكة، باعتبار أن الدول الثلاثة، الأقرب لهذا الأمر، حسب تقارير دولية.
هذا، ويوضح مراقبون بأن طرد جبهة البوليساريو من الاتحاد الإفريقي، يمكن له أيضا، أن يجعل من سنة 2021، أفضل، لأن القرار سيكون بمثابة صعقة قوية للجزائر، التي بذلت ولازالت، ملايين الدولارات من أجل كسب تأييد البلدان الإفريقية، كما أن الخطوة إن حدثت، ستمثل دعماً كبيرا لموقع المغرب في مجلس الأمن.
وعن موضوع مستقبل الدبلوماسية المغربية خلال السنة الجديدة، وما يُمكن أن يتحقّق خلالها، يقول المحامي والخبير في شؤون الصحراء، نوفل البعمري، إن الدبلوماسية المغربية أخذت خلال سنة 2020 مسارها القوي نحو تحقيق الانتصارات الدبلوماسية والسياسية، من فتح القنصليات بالصحراء، وتعزيز المكاسب الأممية، ووصلاً للاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.
وتوقع البعمري في تصريحٍ لجريدة “بناصا”، بأن تكون 2021، سنةً لتعزيز المكاسب وتقويتها على مختلف الأصعدة، خاصة اثنين منها، الأول إفريقي، يتعلق بأن فتح غالبية الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي لقنصلياتها بالعيون والداخلة، سيمهد إلى اتخاذ قرار تجميد عضوية الجمهورية الوهمية داخل المنظمة.
أما المستوى الثاني، يتابع البعمري، فهو أممي، ويتعلق بأن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وإعلانها دفاعها عن مبادرة الحكم الذاتي على المستوى السياسي من النزاع، سيعزز من فرص الانتقال من مستوى تبني دعم مبادرة الحكم الذاتي، إلى الانتقال نحو تطبيق هذا الحلّ وإنهاء هذا النزاع المفتعل حول الصحراء، حسب الخبير نفسه.
تعليقات الزوار ( 0 )