Share
  • Link copied

هل تُنهي تصريحات ترامب في قمة الخليج ربع قرن من التدخل الأميركي المباشر في الشرق الأوسط، أم أنها إعلان لبداية عصر النفوذ الذكي والشراكات المقنّعة؟”

في مشهد بدا وكأنه إعلان لنهاية حقبة دامت لعقود، صرّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال جولته الأخيرة في الشرق الأوسط، وتحديدًا من العاصمة السعودية الرياض، بأن “من يُسمّون ببُناة الأمم دمّروا أكثر مما بنوا، وأن المتدخلين كانوا يتدخلون في مجتمعات معقدة لم يفهموها أصلًا”.

ولقيت هذه العبارات التي جاءت في قمة قادة مجلس التعاون الخليجي في 14 ماي 2025، ترحيبًا واسعًا من بعض الفاعلين الإقليميين، الذين رأوا فيها بداية لتحول عميق في سياسة واشنطن الخارجية، وابتعادًا عن عقلية التدخل العسكري المباشر التي طبعت العقدين الماضيين.

نهاية تدخل أم إعادة تموضع؟

ورغم ما يبدو من لهجة تصالحية أو حتى “انعزالية” في تصريحات ترامب، إلا أن الواقع أكثر تعقيدًا. فالإدارة الأميركية الحالية لم تُلغِ أدوات التأثير في المنطقة، بل تعيد ترتيب أولوياتها لتوظيفها بطرق جديدة.

يقول رايان بول، كبير المحللين في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة RANE (Stratfor سابقًا)، إن الحديث عن “نهاية التدخل” هو في حقيقته تمويه لتحول في طبيعة التدخل، لا نهايته.

الإشارات التي أطلقها السفير الأميركي الجديد في تركيا، توم باراك، تدعم هذا التوجه. فقد أكد أن “عصر التدخلات الغربية قد انتهى”، مشيرًا إلى أن المستقبل سيُبنى على “الحلول الإقليمية والشراكات والدبلوماسية القائمة على الاحترام”.

ولكن من الناحية العملية، لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بقدرات هائلة للتأثير السياسي، العسكري، والاقتصادي في المنطقة.

الانسحاب لا يعني الغياب

ومنذ الانسحاب من أفغانستان عام 2021، بدأ يتبلور في واشنطن خطاب يُفضّل الاعتماد على الشركاء الإقليميين، وتوظيف أدوات “القوة الذكية” بدلًا من “القوة الصلبة”.

فواشنطن باتت تفضل التدخل من خلال الحلفاء، الدعم الاستخباراتي، والمساعدات العسكرية المحدودة، إلى جانب التفاوض والحلول السياسية، خصوصًا في ملفات مثل سوريا، اليمن، وليبيا.

لكن في المقابل، لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بقواعد عسكرية رئيسية في الخليج، وعلاقات أمنية وثيقة مع إسرائيل، مصر، والأردن، وتراقب عن كثب تحركات خصومها التقليديين، وعلى رأسهم إيران وروسيا، في ساحات التنافس الإقليمي.

عودة التنافس العالمي ترسم حدود الانسحاب

واستنادا إلى المصادر ذاتها، فإن الحديث عن نهاية التدخل الأميركي يصطدم بمعادلات الجغرافيا السياسية المتغيرة، خصوصًا مع تنامي النفوذ الصيني والروسي في الشرق الأوسط، سواء عبر السلاح أو الطاقة أو التحالفات الاقتصادية. هذه المنافسة تدفع واشنطن لإعادة رسم خريطة مصالحها، لا الانسحاب منها.

ومن هنا، يرى مراقبون أن الجولة الأخيرة لترامب جاءت لتؤكد عزم واشنطن على تبني سياسة “التدخل الذكي”، حيث يتم التدخل فقط عند الضرورة ووفق حسابات الربح والخسارة، دون التورط في حروب مفتوحة أو “مشاريع ديمقراطية” فاشلة كما حدث في العراق.

من الهيمنة إلى الشراكة؟

السؤال المطروح اليوم ليس فقط: هل انتهى زمن التدخل؟ بل أيضًا: هل دخلت واشنطن عصر “الشراكات الإقليمية” بدلًا من الهيمنة الأحادية؟ إذا ما صحّ هذا التحليل، فإن دول الشرق الأوسط مطالبة بإعادة تعريف أدوارها ومصالحها، في ظل تراجع دور “الشرطي الأميركي” التقليدي.

وأشار كبير المحللين، إلى أنه طالما أن المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في النفط، التجارة، وأمن إسرائيل لا تزال قائمة، فإن الحديث عن انسحاب شامل يبقى سابقًا لأوانه. كل ما في الأمر أن واشنطن تُبدّل أساليبها، لا أهدافها.

Share
  • Link copied
المقال التالي