Share
  • Link copied

هل تنهي الغارات الإسرائيلية على إيران طموحاتها النووية والعسكرية في أفريقيا؟ صراع الشرق الأوسط يهدد تمدد طهران في القارة السمراء

هل سيقضي الصراع مع إسرائيل على طموحات إيران في أفريقيا؟ تحت هذا العنوان قالت مجلة “جون أفريك” الفرنسية إن الغارات الجوية الإسرائيلية، التي بدأت في 13 يونيو ضد إيران، والتي ما تزال مستمرة حتى اليوم، تُشكل نقطة تحول في التاريخ الحديث للبلاد.

فمن خلال استهداف كبار القادة العسكريين ومراكز القيادة الإستراتيجية منذ اللحظات الأولى للصراع، تعكس هذه العمليات مستوى غير مسبوق من التعقيد التكتيكي، وإرادة واضحة لإضعاف القدرة الإيرانية على اتخاذ القرار بشكل دائم.

وقد تؤدي هذه الصدمة السياسية- العسكرية، سواء أدّت إلى سقوط النظام أم لا، إلى إعادة تشكيل التوازن الإقليمي والتأثير بشكل كبير على النفوذ الإيراني في أفريقيا، التي تعتبرها السلطات الإيرانية، منذ عقود، منطقة إستراتيجية لتوسيع نفوذها.

تبقى علاقات الرباط مع طهران متوترة منذ سنوات بسبب دعم إيران لجبهة البوليساريو

قبل أيام قليلة من بدء الغارات الإسرائيلية، وتحديداً في 12 يونيو، تضيف المجلة الفرنسية، شاركت عدة دول أفريقية في التصويت على قرار صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية يدين إيران بسبب “عدم التزامها” بالتزاماتها النووية.

وقد ساعد هذا التصويت في توضيح موقف بعض الدول الأفريقية تجاه طهران: فقد صوتت روسيا والصين وبوركينا فاسو فقط ضد القرار، فيما امتنعت 11 بلدًا، من بينها جنوب أفريقيا والهند وباكستان ومصر وإندونيسيا والبرازيل، عن التصويت.

وتابعت “جون أفريك” موضحة أن بوركينا فاسو، التي تحكمها منذ عام 2022 سلطة عسكرية تطمح إلى تطوير برنامج نووي مدني، تسعى إلى تعزيز تعاونها مع إيران في هذا المجال.

ووقّعت في شهر سبتمبر عام 2024 مذكرة تفاهم في فيينا مع منظمة الطاقة الذرية الإيرانية لتعزيز التعاون في مجال “البحث والتدريب النووي”.

ويأتي هذا التعاون ضمن شراكة أوسع بين البلدين. ففي شهر نوفمبر عام 2023، التقى السفير الإيراني لدى واغادوغو بوزير الخارجية البوركينابي لتعزيز العلاقات الدفاعية، بما يشمل تصدير المعدات العسكرية، وصيانتها، وتدريب قوات الأمن المحلية.

ومؤخرًا، زار قائد الشرطة الإيرانية، أحمد رضا رادان، بوركينا فاسو لتعزيز التعاون في المجال الشرطي، تُشير المجلة الفرنسية.

موقف حذر في أفريقيا

ومضت “جون أفريك” موضحة أيضًا أن دولًا أفريقية أخرى تعتمد موقفًا أكثر حذرًا، حيث امتنع كلٌّ من جنوب أفريقيا ومصر وغانا والجزائر عن التصويت على القرار الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي يدين إيران بسبب “عدم التزامها” بالتزاماتها النووية.

وعلى الرغم من أن هذه الدول تربطها علاقات وثيقة مع إيران، وقد أبدت في بعض الأحيان اهتمامها بالتعاون النووي، إلا أنها تصر علنًا على الطابع “السلمي” لهذا التعاون، وتتبنى موقفًا براغماتيًا يدافع عن حق إيران في استخدام الطاقة النووية لأغراض مدنية مع الالتزام بمنع الانتشار النووي.

وفي شهر فبراير الماضي، أعلنت جنوب أفريقيا أنها قد تتجه إلى روسيا أو إيران لتعزيز قدراتها النووية المدنية. وجاءت هذه التصريحات بعد توقيع مرسوم من قبل دونالد ترامب يتهم بريتوريا بإعادة ربط علاقاتها مع طهران في مجالات التعاون الاقتصادي والعسكري والنووي. حينها، نفى مكتب الرئيس الجنوب أفريقي وجود أي تعاون نووي ثنائي مع إيران.

أما المغرب، توضح “جون أفريك”، فقد صوّتَ لصالح القرار الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي يدين إيران بسبب “عدم التزامها” بالتزاماتها النووية. وتبقى علاقات الرباط مع طهران متوترة منذ سنوات بسبب دعم الأخيرة لجبهة البوليساريو.

ويدافع المغرب بحذر عن حق إيران في برنامج نووي مدني تحت إشراف دولي، لكنه يرفض بشدة أي بُعد عسكري لهذا البرنامج، وهو موقف نابع من الشكوك المتجذرة إزاء الطموحات التوسعية للنظام الإيراني.

إذا فقدت إيران نهائيًا قدرتها على تخصيب اليورانيوم، فستصبح محاولاتها للحصول على الإمدادات السرية من النيجر بلا جدوى

التوسع العسكري الإيراني في أفريقيا

ومنذ سنوات، تواصل “جون أفريك”، يحذر محللون ومسؤولون سياسيون من أن تطوير إيران لسلاح نووي قد يؤدي إلى تسريع سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط، وربما بين بعض الدول الأفريقية. ورغم ذلك، تواصل طهران توسيع نفوذها الخارجي، بما في ذلك العسكري، بثقة متزايدة.

ويرتكز الأساس الأيديولوجي لهذه السياسة الخارجية على الدستور الإيراني ما بعد الثورة، الذي يكرس مبدأ “تصدير الثورة” ودعم الشعوب المعارضة للغرب. ولهذا، بنت طهران شبكة نفوذ لا تستند إلى مصالح وطنية عقلانية، بل إلى منطق أيديولوجي، مستغلة عوامل متعددة، مثل القواسم الدينية والخطاب المناهض للاستعمار والإمبريالية، لبناء أرضية مشتركة مع الدول المستهدفة وتشكيل تحالفات جديدة ضد الغرب وحلفائه، تقول “جون أفريك”.

ومع أن إيران منهكة اقتصاديًا نتيجة عقوبات دامت لعقود، خاصة في قطاع النفط، فإنها لم تعدْ تملك أوراقًا اقتصادية قوية تقدمها، فباتت تراهن على قدراتها العسكرية- من تصدير للأسلحة، ونقل للتكنولوجيا، ومساعدات أمنية- وهي أدوات، رغم جدليتها، فإنها تجذب بعض الشركاء الساعين إلى تحالفات إستراتيجية جديدة.

وتعتبر طهران تعزيز نفوذها العسكري في أفريقيا أحد أهم نجاحاتها في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد أن شهد قطاع صناعاتها الدفاعية تطورًا ملحوظًا، ما دفعها إلى التوجه نحو أسواق جديدة، أبرزها السوق الأفريقية، تُشير “جون أفريك”.

التعاون العسكري والدفاعي محور العلاقات

وقبل أيام قليلة من مقتله في غارة إسرائيلية، صرّح رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، محمد باقري، أن صادرات الأسلحة الإيرانية “زادت بشكل كبير” خلال فترة رئاسة إبراهيم رئيسي، لتبلغ “ثلاثة أضعاف” مستوياتها في السنوات السابقة. ورغم عدم ذكره لأسماء دول بعينها، فإن تقارير عدة أفادت ببيع طائرات مسيّرة إيرانية لدول مثل السودان، تتابع “جون أفريك”.

وقبل عامين، وبعد جولة دبلوماسية لإبراهيم رئيسي شملت زيمبابوي وكينيا وأوغندا، أعلن نائبه روح الله دهقاني عن إنشاء مراكز متخصصة في أفريقيا، لا سيما في أوغندا، لتقديم خدمات مرتبطة بالطائرات المسيّرة، بما فيها نماذج مخصصة للاستخدام الزراعي.

وقبل أقل من شهرين من اندلاع النزاع مع إسرائيل، أعلن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خلال القمة الثالثة للتعاون الإيراني- الأفريقي، التي عقدت بين 27 و29 من شهر أبريل في طهران، أن بلاده مستعدة لتقاسم “جميع قدراتها وإنجازاتها”، بما في ذلك في مجال “الأمن”، مع شركائها الأفارقة. ووفقًا لوسائل إعلام إيرانية، شارك نحو ثلاثين بعثة أفريقية في القمة، شملت نواب رؤساء ووزراء ورؤساء غرف تجارية.

وقد أقر كبار المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم مستشارو المرشد الأعلى علي خامنئي، بأن إيران لا تمتلك بعد السلاح النووي، لكنها أصبحت تملك “القدرة” على تصنيعه. وفي عام 2023، صرّح كمال خرازي، رئيس المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، قائلًا: “إذا ظهرت تهديدات وجودية، فستغيّر إيران عقيدتها النووية؛ ولدينا القدرات اللازمة لبناء سلاح نووي”.

مسؤولون أمريكيون يخشون من وجود اتفاق سري يسمح لإيران بالحصول على اليورانيوم النيجري

في المقابل، تتابع “جون أفريك”، أعلنت إسرائيل أن القضاء على البرنامج النووي الإيراني يعد أحد الأهداف الرئيسية لحملتها العسكرية. وعلى الرغم من أن بعض المنشآت النووية الإيرانية قد تضررت، إلا أن هذا الهدف لم يتحقق بالكامل بعد.

ومع ذلك، إذا ما تم تحقيقه، فإن أسس الشراكات النووية بين إيران وشركائها في العالم، بما في ذلك التعاونات التي أُبرمت حديثًا مع أفريقيا، ستكون محل تشكيك عميق. على سبيل المثال، إذا فقدت إيران نهائيًا قدرتها على تخصيب اليورانيوم، فستصبح محاولاتها للحصول على الإمدادات السرية من النيجر بلا جدوى، تقول “جون أفريك”.

اتفاق محتمل بشأن اليورانيوم النيجري؟

وأشارت “جون أفريك” إلى ما كشفت عنه صحيفة “وول ستريت جورنال” في شهر مارس 2024 من أن مسؤولين أمريكيين يخشون من وجود اتفاق سري يسمح لإيران بالحصول على اليورانيوم النيجري.

وأوضح التقرير أن المفاوضات قد بلغت مرحلة “متقدمة”. وبعد ذلك، أكدت صحيفة “لوموند” الفرنسية أن المجلس العسكري الحاكم في النيجر ما زال ينوي بيع مئات الأطنان من اليورانيوم المعالج- المعروف بـ “الكعكة الصفراء”- إلى طهران.

“جون أفريك” اعتبرت أنه، علاوةً على ذلك، حتى وإن لم تؤدِ الحرب إلى إضعاف مباشر للقيادة الإيرانية على الجماعات شبه العسكرية الحليفة لها، فإن تراجع قدراتها الباليستية والطائرات المسيّرة سيفقدها الكثير من هامش المناورة في المنطقة وخارجها، لا سيما في أفريقيا.

فعلى الرغم من أن نفوذ إيران الخارجي يستند إلى قاعدة أيديولوجية، فإن مصداقيتها الحقيقية مستمدة من قوتها العسكرية. ومن ثم، فإن إضعاف إيران عسكريًا سيفقدها تأثيرها العالمي، ليبقى فقط خطابها الثوري، دون أدوات تنفيذ ملموسة على أرض الواقع، تقول “جون أفريك”.

Share
  • Link copied
المقال التالي