تتواصل معاناة المغاربة العالقين والمعتقلين في بؤر النزاع، ممن فرّوا من براثن التنظيمات الإرهابية النشطة في سوريا والعراق، أو ما زالوا معتقلين في سجونها، دون أن يتمكنوا من الرّجوع إلى المملكة، بالرغم من كلّ المحاولات التي قاموا بها، من بوابة تمثيليات السلطات المغربية في البلدان التي يقيمون بها.
وأعرب المعنيون بالأمر، في العديد من التصريحات، عن ندمهم الشديد على الطريق التي سلكوها، واختيارهم التوجه إلى سوريا من أجل دعمِ ما أسموه بـ”الثورة السورية”، منبهين في الوقت نفسه، إلى أن موقف المملكة، وقتها، كان منحازاً ضدّ النظام، ولم يكن يفرض أي قيود على التوجه إلى سوريا، عبر تركيا، من أجل الانضمام إلى الفصائل المقاومة، حسبهم.
ويؤكد العالقون على أنه يجب النظر إليهم، على أساس أنهم ضحايا تم التغرير بهم من قبل التنظيمات الإرهابية، التي حاولت إقناعهم بالتوجه إلى بؤر النزاع لمساندة الحقّ، لا إرهابيين، مردفين بأنهم تغيّروا بشكل كامل، وقطعوا مع الماضي، وفتحوا صفحة جديدة من حياتهم، ينقصها عفو البلد الأمّ، وتحركه لإعادة مواطنيه الذين يعانون الأمرين في سوريا والعراق وتركيا.
وإلى جانب العديد من المغاربة الذين يطالبون بإعادة أشقائهم العالقين في بؤر النزاع، ترى شريحة أخرى، بأنه من الضروري على الدولة أن تتعامل بحذر شديد مع العائدين، لأنهم بمثابة “قنابل موقوتة”، حسبهم، ويمكن أن يشكلوا خطراً على أمن وسلامة البلد في أي لحظة، وهي التهمة، التي ينفيها بشكل كاملٍ المعنيون بالأمر، الذين يؤكون أنهم تغيروا، ولابد من الرأفة بهم.
ويسرد زكرياء العزوزي، رئيس التنسيقية المغربية للعالقين في تركيا، المعاناة التي تقبع فيها الأسر العالقة في تركيا، “بداية من القرار الخطأ الذي تورطوا فيه؛ الذهاب لسوريا، وما نتج عنه من مآسي ومعاناة كفقدان الزوج والأب والمعيل، بالإضافة لضياع وثائق الثبوتية، وعدم القدرة على تحصيلها واستخراجها سواء للآباء والأمهات أو الأبناء الذين أنجبوا خارج وطنهم”.
وأضاف العزوزي في تصريحه لجريدة “بناصا”، بأن عدداً “من المغربيات لهنّ أطفال من أزواج لهم جنسية أخرى، وكذلك بعض المغاربة تزوجوا من سيدات سوريات ولهم منهم أطفال، إلى جانب وجودهم غير القانوني على الأراضي التركية، وتعذر إمكانية عودة هؤلاء الأسر رفقة أطفالهم إلى وطنهم بسبب رفض الإدارة المغربية في تركيا، منحهم وثيقة العودة لبلادهم”.
وأوضح المتحدث ذاته، بأن “الأسر العالقة، لا تتمكن، في ظل ظروف الجائحة الحالية، من الاستفادة من خدمات المشافي وعلاج أطفالهم في حالة المرض بسبب عدم توفرهم على وثائقهم الشخصية؛ هويات، جوازات، ولا يستطيعون ولوج المدارس ومراكز التعليم للسبب ذاته، وأيضا هم عرضة للضياع والخطر الحسي والمعنوي، إذ ليس هناك ما يكفل حقوقهم الإنسانية في حالة تعرض أحدهم لمكروه لا قدر الله”.
وناشد العزوزي، عبر “بناصا”، الجهات المعنية بـ”ضرورة النظر في مشكلات هذه الأسر وتعجيل العمل على حلها، وتيسير إجراءات سفرهم وعودتهم إلى أهاليهم وبلادهم، وهذا يؤكده الجانبان الأخلاقي والإنساني، اللذان ما أهملتهما مملكتنا الشريفة طوال تاريخها، إذ كانت مأوى وملاذ الضحايا فكيف بهم إذا كانوا من مواطنيها وأبنائها”.
وثمّن المتحدث نفسه، الخطوة التي قام بها البرلمان، بعدما قرر إيفاد مهمة استطلاعية للنظر في وضعية المغاربة العالقين في بؤر النزاع، لما لها من أهمية في طريق حلّ معاناة هذه الأسر العالقة، متوجهاً بالشكر لكلّ “من ساهم ودعم تشكيل هذه اللجنة الاستطلاعية، وفي مقدمتهم السيد عبد اللطيف وهبي، الذي كان أول من تكلم عن تلك المعاناة تحت قبة البرلمان”.
وتوجه الشخص نفسه، بالشكر أيضا، إلى التنسيقية الوطنية لعائلات العالقين والمعتقلين المغاربة في سوريا والعراق، التي يرأسها عبد العزيز البقالي، على كلّ المجهودات التي تبذلها لخدمة هذا الملفّ ومطالبة الدولة، بالتحرك المستعجل، من أجل استعادة مواطنيها الذين يعانون في بؤر النزاع.
وبخصوص عدد المغاربة العالقين في بؤر النزاع، يقول العزوزي، إنه لا يملك تصوراً دقيقا للوضع، نظرا لاختلاف المناطق؛ سوريا، العراق، تركيا، مشيراً إلى أن كلّ منطقة لها إحصائية خاصة بها، قبل أن يردف بأنه “على مستوى تركيا، عدد الأسر العالقة يتجاوز الـ 25، سجلت بياناتهم في القنصلية المغربية بإسطنبول، وحين تتحرك المهمة الاستطلاعية، ستحدد العدد بناء على المعطيات المتوفرة لها”.
يشار إلى أن مجلس النواب، كان قد قرّر إيفاد لجنة لإجراء “مهمة استطلاعية”، للوقوف على أوضاع النساء والأطفال المغاربة العالقين في سوريا والعراق، حيث أُسندت مهمة رئاستها إلى عبد اللطيف وهبي، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، والتي كانت قد عقدت أولى اجتماعاتها سابقا، في انتظار أن تتحرك على أرض الواقع.
تعليقات الزوار ( 0 )