شارك المقال
  • تم النسخ

هل تأثر التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب من جراء جائحة كورونا؟

يعد التعاون الدولي إحدى الوسائل الرامية إلى تعزيز التبادل بين مختلف الفاعلين الدوليين، لتعزيز السلم والأمن الدوليين، وتوفير الامكانيات اللازمة لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية، ويتخذ صورا وأشكال متعددة، وقد لعبت  العديد من العوامل والمتغيرات التي عرفها المجتمع الدولي، دورا كبيرا  في زيادة التقارب بين الدول بصورة آلية وواضحة لم يسبق لها مثيل جراء الثورة المعلوماتية، التي ساهمت في إحداث تغييرات جذرية في الحياة الدولية ومتطلباتها التي كانت دافع من أجل وضع تنظيم رصين للعلاقات الدولية، لمواجهة التهديدات الإرهابية، عن طريق التعاون الدولي الذي ينبغي أن يتجسد بين الدول في مجال علاقاتها الخارجية من أجل تبادل العون والمساعدة، باعتباره أصبح ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى بسبب تزايد العمليات الإرهابية واتساع نشاط التنظيمات الإرهابية في مناطق مختلفة من العالم.

  على ضوء هذا ونظرا للأهمية التي يحظى بها التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب في ظل الفوضى التي تشهدها العلاقات الدولية، وما يميز هذه الأخيرة من حالة الصراع والحروب والأزمات المتعددة والمختلفة، فقد  كان لانتشار وباء كورونا فرصة لإثارة النقاش حول ما إذا كان هذا التعاون الدولي قد شهد تراجعا في زمن جائحة كورونا؟ لا سيما وأن دول العالم شهدت منذ بداية الوباء حالة من الهذيان في التعامل مع الأزمة الوبائية الراهنة، فكيف أن تفكر في أزمات أخرى وأرواح البشر مهددة بهذا الفيروس المستجد؟

سنحاول من خلال هذه الورقة البحثية الإجابة على الإشكالات المذكورة من خلال محورين اثنين:

المحور الأول: التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب: محاولة لمقاربة الأدوار

أقرت الاتفاقيات الدولية والإقليمية ومختلف الممارسات الدولية الرامية إلى تطوير قواعد القانون الدولي، مجموعة من المبادئ التي أضحت تشكل إحدى الأسس والوسائل التي تقوم عليها العلاقات الدولية، خصوصا تلك المتعلقة بالتعاون الدولي الأمني التي تتمثل إحدى أسسه في تحقيق التكامل الأمني الدولي.

من خلال تبادل المعلومات، وإشباع الاحتياجات الأمنية، و مكافحة الجريمة والمواجهة الشرعية الدولية للإرهاب بكل أشكاله وصوره القديمة والمستحدثة في المجتمع الدولي، وحمايته من المحاولات العدوانية للجريمة والإرهاب والموجه من الداخل أو الخارج، ودعم دور المنظمات الدولية في المجالات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والتأكيد على مبادئ الشرعية الدولية في مختلف مجالات العلاقات الدولية المعاصرة.

فقد تضمنت الاتفاقيات الدولية والبرتوكولات ذات الصلة بمكافحة الإرهاب قاعدة قانونية كافية للتعاون المشترك، وذلك في جميع الأفعال الإجرامية المنصوص عليها في أحكامها، وحددت العديد من الأسس والوسائل الكفيلة بتعاون دولي فعال وناجع  من خلال  وضع مبادئ أساسية للتعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب، كتحديد الأسـس القانونية المـشتركة التي تستخدَم في تجـريم الأعمال الإرهابية، وبالتــالي بيــان الأعمال الإجرامية والنصوص القانونية ذات الصلة بالطلبات الموجهة لأجل التعاون الدولي وتقديم الأسس القانونية المشتركة بين جميع أشـكال التعـاون الـدولي لمكافحـة الإرهاب؛ وكذا تحديد الالتزامات في مجال التعاون الدولي على مكافحة الإرهاب؛ وبيان القواعد المفيدة من أجل تعاون جيد وفعال، وقد اتخذ التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب صور متعددة كالتعاون الأمني والقضائي والعسكري وغيره.

وبذلك فمواجهة العنف والإرهاب بكل أشكاله وصوره في العلاقات الدولية، تطلب من المجتمع الدولي بذل جهود كبيرة لمحاصرة المخاطر الناجمة عن أعمال الإرهاب، من خلال سن العديد من الإتفاقيات الدولية والإقليمية والمؤتمرات الدولية المعنية بمكافحة الارهاب،  التي أقرت مجموعة من المبادئ المتعلقة بالتسليم في جرائم الارهاب الدولي، نذكر على سبيل المثال لا الحصر اتفاقية لاهاي لسنة 1970 التي اعتبرت جريمة الاستيلاء غير المشروع على الطائرات من الجرائم القابلة للتسليم، بحيث نظمت المادة الثامنة منها الأحكام المتعلقة بتسليم مختطفي الطائرات، سواء في حالة وجود معاهدة تسليم أو عدم وجود مثل هذه المعاهدة، وتأخذ اتفاقية نيويورك لسنة 1973 الخاصة بمنع ومعاقبة الجرائم التي ترتكب ضد أشخاص يتمتعون بالحماية الدولية، في مسألة التسليم بنفس الأحكام  المقررة في اتفاقية لاهاي، أما على المستوى الاقليمي فقد أقرت الاتفاقية الأوروبية لقمع الارهاب لسنة 1977 في مادتها الأولى على إلغاء الصفة السياسية عن الجرائم المنصوص في هذه المادة، وذلك بهدف إخضاعها لإجراءات التسليم، كما تسمح المادة الثانية منها لكل دولة متعاقدة بإزالة الصفة السياسية عن الأفعال الخطيرة وأعمال العنف، هذا إلى جانب التأكيد بموجب أحكام الاتفاقية على أن التسليم  يمثل ركنا مهما في مكافحة الإرهاب، فالتعاون الدولي يروم تحصين المجتمع الدولي ضد الجريمة، بنشر القيم الروحية والأخلاقية والتربوية النابعة من أحكام القانون الدولي العام.

وعليه فالأسس القانونية الدولية والاقليمية من اتفاقيات وبرتوكولات وقرارات دولية، قد كرست أهمية التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب، ولم تستثني أي ظرف من الظروف للمساهمة في مكافحة فعالة للإرهاب، على اعتبار أن الظاهرة تشكل خطرا حقيقيا على أمن وسلامة المجتمعات، في مختلف الظروف.

المحور الثاني:  هل تأثر التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب في ظل جائحة كورونا؟

إذا كانت الاتفاقيات الدولية والإقليمية ومختلف البرتوكولات قد أقرت ونصت على أهمية التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب بمختلف صوره وأشكاله، فإن هذه الأهمية تم التشكيك بشأنها في ظل انتشار وباء كورونا في العالم، خصوصا إذا ما علمنا بأن التنظيمات الإرهابية والمتطرفة في استراتيجيتها وتوجهاتها تعتمد على استغلال الفرص في تنفيذ مخططاتها التدميرية، وقد سبق لمجموعة الأزمات الدولية  (International Crisis Group) أن حذرت في 31 مارس 2020 من أن جائحة كورونا تهدد التضامن العالمي لمكافحة الإرهاب، حيث جاء في تعليقها أن وباء كورونا سيعيق جهود الأمن الداخلي والتعاون الدولي لمكافحة التنظيمات الإرهابية ومن بينها تنيظم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش).

 وفي نفس السياق فقد تزايدت مخاوف العديد من الدول لا سيما الأوروبية منها من حدوث عمليات إرهابية، في ظل انشغالات العالم بالإجراءات الكفيلة لمنع انتشار وباء كورونا، فقد سبق  لجيل دي كيرشوف (Gille de kerchove)  م نسق مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي من أن تنظيم “داعش” قد يستغل انتشار وباء كورونا كفرصة لتكثيف هجماته الإرهابية، وهو ما يفسر  على أن أي غياب للتنسق الأمني بين دول الإتحاد الأوروبي أو في ما بينها وباقي الشركاء سيؤدي إلى ضعف التعاون الدولي وينعكس سلبيا على أمن القارة والعالم أجمع.

   وبذلك فقد كان لجائحة كورونا  كذلك آثار كبيرة على التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب لعدد من الدول، ولعل أبرزها وأكثرها إثارة للجدل العلاقات الأمريكية الصينية China- United states Relations)) وما أثرته من موجة تبادل الاتهامات بين البلدين لا سيما الاتهامات الأمريكية تجاه الصين باعتبار هذه الأخيرة لم توفر للمجتمع الدولي المعلومات الكافية حول الوباء، واتجهت الى أبعد من ذلك كون أن فيروس كورونا هو فيروس صيني، هذه الاتهامات الأمريكية خلقت حالة من التوتر بين الطرفين، وهو توتر قد ينعكس سلبا على كل المحاولات الرامية إلى تحقيق تعاون ثنائي بين الطرفين في قضايا الإرهاب،  بمعنى أدق أن جل  الخلافات السياسية  بين الدول  لها تأثير سلبي على تعزيز التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب.

وفي اتجاه اخر ودائما في إطار التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب، نشير إلى بعض الإجراءات التي قامت بها بعض الدول وأفضت إلى نتائح ايجابية في ظل جائجة كورونا كالتعاون المغربي الاسباني، حيث تمكنت مصالح الأمن الاسبانية بالتعاون مع أجهزة الأمن المغربية بتاريخ 20 ماي 2020 من تفكيك خلية ارهابية مكونة من أربعة أشخاص تنشط بمدينة “سوسيدا” الاسبانية كانت تنوي تنفيذ هجمات إرهابية في التراب الاسباني، مما يعكس الدور الفعال للتعاون الثنائي بين البلدين في التصدي لمختلف الهجمات الإرهابية، وهو دور ينطبق أيضا على مختلف جهود التعاون الدولي بين باقي الفاعلين الدوليين.

  من خلال ما سبق ذكره يتضح بان التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب، قد تميز بنوع التراجع تراة، والفاعلية تراة أخرى ، وهذا نابع من طبيعة الظرفية الراهنة التي يعيشها العالم من جراء فيروس كورونا ولكن لا يعني اغفال الدول لأهمية التنسيق الأمني وتبادل المعلومات فيما، لا سيما إذا تعلق الأمر بتهديد قائم لأمنها ومصالحها القومية.

* باحث في الدراسات السياسية والعلاقات الدولية المعاصرة

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي