في 25 يونيو الجاري، عقدت السفيرة الأمريكية لدى الجزائر إليزابيث مور أوبين اجتماعاً مع الأمين العام لوزارة الخارجية الجزائرية، لوناس مقرمان، لبحث “تطورات الأوضاع في المنطقة”، حسب بيان السفارة. بعد هذا اللقاء بيومين، تبنى النائبان الأمريكيان، الجمهوري جو ويلسون والديمقراطي جيمي بانيتا، مقترحاً مشتركاً يدعو إلى إدراج “البوليساريو” ضمن لائحة التنظيمات الإرهابية. وبعد ساعات قليلة من الإعلان عن المبادرة، أعلنت الجبهة تنفيذ قصف على مقربة من مدينة السمارة، استهدف ـ حسب مصادر إعلامية متطابقة ـ مناطق مدنية.
هذا التتابع في الأحداث يطرح أكثر من سؤال: هل كان القصف تحركاً تلقائياً في توقيت غير مناسب من الجبهة؟ أم أنه جاء كرسالة تفاوضية غير مباشرة موجهة إلى الولايات المتحدة، في لحظة يبدو أن الملف بدأ يستعيد زخمه داخل “أروقة واشنطن”؟ وهل التصنيف الإرهابي مفيد للمغرب حقا كما يُروَّج؟
هل تصنيف “البوليساريو” في قائمة “الإرهاب” مفيد للمغرب؟
المغرب، طيلة العقود الماضية، لم يدفع علناً نحو تصنيف “البوليساريو” ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية رغم امتلاكه أدوات ضغط دبلوماسي في الولايات المتحدة الأمريكية. لأن المملكة كانت تُفضّل، على الأقل إلى الآن، خيار الحل السياسي الواقعي، وهو ما تجسده حاليا مبادرة الحكم الذاتي، التي لقيت دعماً واسعاً في المحافل الدولية.
ومع ذلك، فإن تبنّي واشنطن لهذا التصنيف ـ إن تم فعلاً ـ قد يمنح المغرب ورقة ضغط جديدة، تُضيّق الخناق المالي والسياسي على الجبهة، وتُحرج حلفاءها الدوليين، خاصة في أوروبا وأمريكا اللاتينية. غير أن التجارب الدولية تُظهر أن تصنيف حركة ما كـ”إرهابية” لا يؤدي بالضرورة إلى إنهاء النزاع معها، بل قد يفاقم الأوضاع أكثر.
منذ بداية النزاع في ثمانينيات القرن الماضي، قررت الحكومة التركية تصنيف حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية، بدل البحث عن حل تفاوضي يُرضي الجميع، فماذا حصل؟ هل انتهى النزاع؟ هل حسمت الدولة معركتها؟ هل توقف عدد ضحايا الهجمات التي نفذها الـ”PKK”؟ لا شيء من ذلك حصل. لهذاً كان المغرب دائماً يبحث عن حل تفاوضي وهو ما جعله يبعد، طيلة العقود الماضية، فكرة تصنيف “البوليساريو” في خانة الإرهاب عن خططه.
لنفترض أن الكونغرس الأمريكي تبنى المقترح الذي قدمه ويلسون وبانيتا، وصنفت الولايات المتحدة بالفعل “البوليساريو” كمنظمة إرهابية، هل سينهي الأمر النزاع في الصحراء؟ هل سيجبر الجبهة على وقف هجماتها العشوائية؟ لا مطلقاً. بالطبع، قد يؤدي القرار إلى تقليص أنشطة الجبهة في الولايات المتحدة، والحد من بعض قنوات تمويلها، لكنه لن يضع حداً نهائياً لعملياتها العسكرية، وهو ما سيجعل إيجابيات القرار بالنسبة للمغرب، محدودة.
بناء على ذلك، من المحتمل أن المقترح الذي تقدم به النائبان الجمهوري والديمقراطي، محاولة للضغط على “البوليساريو”، وخصوصا الجزائر، من أجل قبول التفاوض على حل النزاع في إطار مخطط الحكم الذاتي، أكثر منه توجه حقيقي نحو تصنيف الجبهة على قائمة الإرهاب، خصوصا في ظل رغبة الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب، في وضع حد للنزاع. وانطلاقاً من هذا الأمر، يمكن أن نفهم جيداً، سبب قرار الجبهة توجيه أقصاف عشوائية نحو مدينة السمارة.
لماذا استهدفت “البوليساريو” السمارة في هذا التوقيت؟
الجميع يعرف جيداً أن الرئيس الأمريكي، يسعى حسب تصريحات سابقة له، إلى ترسيخ صورته كصانع للسلام، دون اعتبار كبير لمواقف الأطراف الضعيفة في النزاعات الدولية. وهو ما اتضح خلال مشاداته الشهيرة مع الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي، حيث حاول ساكن البيت الأبيض إجباره على توقيع اتفاقية “مجحفة” تتعلق بالمعادن، لماذا؟ لأنه “لا يملك أي أوراق تفاوضية”، حسب تعبير ترامب.
انطلاقاً من هذا المُعطى، قد تكون الجزائر، في ضوء الاجتماع الذي جمع سفيرتها بالأمين العام لوزارة الخارجية الأمريكية، قد خلصت إلى أن تحريك “البوليساريو” ميدانياً لـ”إثبات قدراتها” يمنح الجبهة موقعاً تفاوضياً أفضل، ليس بهدف دفع الإدارة الأمريكية للتحرك لإنهاء الملف، لأن البيت الأبيض يسير في هذا الاتجاه فعلا، بل لمنح “الجبهة” قدرة تفاوضية.
الجزائر بمنحها الضوء الأخضر لـ”البوليساريو”، لاستهداف السمارة (ليس الاستهداف الأول من نوعه، إذ سبق للجبهة تنفيذ أقصاف عشوائية مشابهة في الـ 5 سنوات الماضية)، تحاول أن تقنع ترامب، بالنظر بشكل جدي في مقترحات “البوليساريو”، خصوصا فيما يتعلق بمطالبة المغرب بمنحها مزيداً من الضمانات في إطار مقترح الحكم الذاتي. وهذه المحاولة الجزائرية عبر الجبهة، تتم بالموازاةً مع لعب “قصر المرادية” في تفاوضه مع الإدارة الأمريكية على أوراق الغاز والبرتول والمعادن النادرة.
تعليقات الزوار ( 0 )