يبدو أن الخسائر الكبيرة التي تكبدها -ولا يزال- اللواء المتقاعد خليفة حفتر في الأسابيع الماضية، بدأت تزيد من قلقه خشية ظهور حركات تمرّد ضده من قبائل المنطقة الشرقية.
وكانت قوات الجيش الليبي التابعة لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً قد شنت عمليات عسكرية واسعة في مناطق الغرب الليبي تمكنت خلالها من السيطرة على كامل الشريط الساحلي غرب طرابلس، لتنتقل الآن إلى الهجوم على منطقة ترهونة جنوب شرق طرابلس.
خوف في المنطقة الشرقية
خلال الأيام القليلة الماضية، ومع الهزائم المتلاحقة لقوات حفتر في غرب ليبيا، شهدت المنطقة الشرقية حصاراً عسكرياً مصحوباً بقبضة أمنية مشددة.
وقامت قوات الأمن التابعة لحفتر باعتقال شخصيات كانت تطالب بعدم الزج بأبناء قبائل برقة (شرق ليبيا) في الحرب على طرابلس التي بدأها حفتر في أبريل/نيسان 2019.
ويبدو أن هذه القبضة الأمنية تعكس تخوف حفتر من حركات تمرد قد تقوم بها قبائل المنطقة الشرقية، وعلى رأسها قبيلة العواقير، حيث تشهد مدينة بنغازي والرجمة والمرج تكثيفاً أمنياً مشدداً لعناصر مسلحة من أبناء مدن غرب ليبيا الموالين لحفتر.
وأوضح مصدر عسكري رفيع المستوى تابع لقوات حفتر لـ”عربي بوست”، أن جهاز السيطرة استدعى كل الشخصيات والعناصر التي كانت على تواصل مع حكومة الوفاق، على رأسهم رئيس جهاز الظواهر السلبية والهدامة، فرج قعيم العقوري، ومرافقيه رواد العبدلي العقوري ومحمود بحيري العقوري، والعقيد صلاح هويدي العقوري رئيس جهاز البحث الجنائي، ومدير مديرية الأمن بنغازي العميد عادل عبد العزيز العرفي، لمقر القيادة العامة بالرجمة والتحقيق معهم على خلفية استمرار تواصلهم مع حكومة الوفاق الوطني من عدمه.
وأضاف المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن جهاز الأمن الداخلي قام بعدة حملات اعتقال طالت ناشطين ومدونين على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي كانوا قد انتقدوا نتائج الحرب على طرابلس، وطالبوا بسحب كل مقاتلي أبناء المنطقة الشرقية من محاور القتال في غرب ليبيا معتبرين أن الحرب على طرابلس “حرب خاسرة”.
بداية التصدع في صفوف القبائل الشرقية
شكل أبناء قبائل المنطقة الشرقية بالنسبة لقوات خليفة حفتر كتلة متماسكة جغرافياً عبر تمركزهم في مناطق شرق ليبيا وعاصمتها الثانية مدينة بنغازي إضافة الى موقعها بالهلال النفطي.
لم يسبق أن نشبت أي صراعات داخل صفوفها طيلة فترة الحرب التي شنها خليفة حفتر على قوات الثوار في مدينة بنغازي عام 2014.
لكن وصول ضباط من أبناء قبيلة الفرجان – أبناء عمومة خليفة حفتر – وضباط من أنصار نظام القذافي إلى مناصب عليا وحساسة في المؤسسة العسكرية التي يحاول حفتر إنشائها، فتح المجال لظهور بوادر الانشقاق والتصدع بين صفوف مقاتليه، خاصة بعد السيطرة على بنغازي وتأسيس كتائب تابعة له مباشرة بقيادة نجليه خالد وصدام، وصهره أيوب الفرجاني.
استغل حفتر هذا التصدع للتخلص من منافسيه الأقوى ضمن أبناء قبائل المنطقة الشرقية من أبناء قبيلتي العواقير والعبيدات، شركاء حفتر وداعميه الأوائل بعملية الكرامة، وهو ما تسبب في ازدياد حدة تمركز الصراع وارتفاعه بين حليفي الأمس وأعداء اليوم.
خلافات حادة بين قيادات حفتر
وأوضح ضابط رفيع المستوى بقوات حفتر -فضل عدم ذكر اسمه- لـ”عربي بوست”، أن خلافات حادة كانت تدور خلف الكواليس بين القيادات العسكرية التابعة لحفتر أجبرته على إجراء تحجيم في الصلاحيات وتغيير في المناصب وصل حد الإقصاء لبعض القيادات.
آخر هذه التغييرات كان تعيين اللواء بدر التميمي (من مدينة قصر بن غشير غرب طرابلس) بدلاً من اللواء عون الفرجاني، ابن عم خليفة حفتر، والذي نقله إلى هيئة السيطرة المسؤولة عن كل الأجهزة العسكرية والأمنية بالمنطقة الشرقية.
وأضاف المصدر أن حفتر أصدر أمر باعتقال المستشار صلاح بالتمر، مدير الإدارة القانونية لهيئة التنظيم والإدارة، لرفضه بعض “الأعمال غير القانونية بهيئة التنظيم والإدارة تخص بعض الترقيات العسكرية غير القانونية”، وعين مكانه العقيد سليمان الرملي المحسوب على النظام السابق والذي كان يقيم في مصر.
التغييرات طالت كل الضباط التابعين لحفتر ممن يحملون رتب عسكرية كبيرة (لواء وعقيد)، بالإضافة إلى قادة ميدانيين من أبناء قبائل المنطقة الشرقية، أبرزهم اللواء صالح بوعبودة رئيس الهيئة العامة للقضاء العسكري، واللواء هاشم بورقعة العقوري آمر الكلية العسكرية، واللواء سالم الرفادي العبيدي آمر الغرفة الأمنية في درنة الذي تم اعتقاله وسجنه في ديسمبر/كانون الأول 2019، والعميد أحمد هيبة البرعصي وهو أحد قيادات الكرامة الذي تم تهميشه وإقصائه، واللواء محمد المدني الفاخري رئيس هيئة الاستثمار العسكري.
وأضاف المصدر أن التغيير صحبه تكليف لضباط من المنطقة الغربية أو أصولهم من المنطقة الغربية أو من أنصار النظام السابق لضمان الولاء لحفتر، فكلف كل من اللواء خيري الصابري من مدينة طرابلس بمنصب الهيئة العامة للقضاء العسكري، واللواء عبدالغني كشبور المحسوب على النظام السابق والقادم من مصر آمر العمليات العسكرية بالقيادة العامة، والعميد فرج إدريس من مدينة الأصابعة والذي كان يشغل في السابق مدير مكتب سيف الإسلام نجل معمر القذافي بمنصب نائب رئيس هيئة الاستثمار العسكري، بينما كلف رمضان بوعيشة الورفلي ابن مدينة بني وليد -غرب ليبيا- كرئيس لهيئة الاستثمار العسكري.
الخلافات منذ الحرب على طرابلس
وأوضح المصدر أن الخلافات بين القيادات العسكرية وقيادات القوات المساندة من أبناء قبائل المنطقة الشرقية من جهة وبين خليفة حفتر من جهة أخرى، بدأت منذ أن أعلن الأخير حربه على طرابلس منذ عام، حيث رفضت هذه القيادات الانضمام للمشاركة في الحرب على طرابلس.
وكان من بين القيادات المدنية من أبناء قبيلة العواقير التي لم تشارك في الحرب على طرابلس، صلاح بولغيب، آمر الاستخبارات العسكرية بقوات حفتر، وإدريس بوغليظة آمر الكتيبة 146 مشاة، وجبريل الفارسي آمر الكتيبة الثانية صاعقة، وعزالدين الوكواك منسق العمليات بين القيادة العامة وقبيلة العواقير، وعياد الفسي آمر كتيبة أولياء الدم.
وأكد المصدر أن العميد صالح بوخرو العقوري كان رافضاً للحرب على طرابلس، بل وتواصل مع ضباط في الجيش الليبي تابعين لحكومة الوفاق الوطني، الامر الذي جعل حفتر يصدر أوامره باقتحام منزله واعتقاله.
وقتل خلال عملية الاقتحام هذه ابن أخته أنور المشيطي واختطف نجله فرج، مشيراً إلى أن نجله الثاني عماد قد اغتيل في فبراير/شباط 2016 عند عودته من مصراته على يد كتيبة السلفية التابعة لحفتر لأسباب مجهولة.
الهروب من معركة طرابلس
وذكر المصدر أن استياء كبيراً وحاداً بين قيادات اجتماعية وعسكرية وأمنية لقبائل العواقير (القبيلة التي تشكل حزام مدينة بنغازي) والمغاربة (القبيلة القاطنة بالهلال النفطي) لازدياد عدد القتلى من أبنائها في مناطق جنوب طرابلس وقاعدتي الوطية والجفرة جنوب وجنوب غرب ليبيا.
يأتي هذا بينما أبناء المنطقة الغربية من مدن ترهونة وطرابلس الموالون لحفتر قد تم تكليفهم من قبل القيادة العامة في مناطق شرق ليبيا ومدينة بنغازي بمهام الحماية والتأمين لبعض المؤسسات الحساسة الأمنية والعسكرية.
وكشف المصدر أن اللواء ونيس بوخمادة آمر القوات الخاصة بقوات حفتر رفض قيادة قواته إلى طرابلس بحجة المرض، إذ غادر مدينة بنغازي خلال بداية العملية.
فيما علل عبدالرزاق الناظوري، رئيس أركان الحكومة المؤقتة -غير معترف بها دولياً- عدم المشاركة في الهجوم على طرابلس برئاسة لجنة مكافحة كورونا بعد تكليفه برئاسة لجنة مكافحة الوباء الأمر الذي أجبر حفتر إلى اللجوء لترقية بعض الرتب الصغيرة من الضباط ترقيات استثنائية في محاولة منه لسد الفراغ الذي خلفه الضباط الرافضون للحرب على طرابلس.
أزمة كبيرة تواجه حفتر
وقال المصدر إن خليفة حفتر يواجه أزمة حقيقة في ازدياد عدد المصابين بين مقاتليه، خصوصاً من الضباط الليبيين والمهندسين والطيارين بقاعدتي الجفرة جنوب ليبيا وقاعدة الوطية جنوب غرب ليبيا بعد أن كثفت قوات الجيش الليبي التابعة لحكومة الوفاق الوطني ضرباتها الجوية على مناطق تمركز قوات حفتر.
وتظهر المشكلة من عدم تلقي المصابين من قوات حفتر الرعاية الصحية المناسبة بسبب أزمة الطيران المدني التي يشهدها العالم اليوم بسبب تفشي فيروس كورونا لنقل الجرحى والمصابين خارج ليبيا.
واعتمد خليفة حفتر، منذ إطلاق “عملية الكرامة” منتصف عام 2014، على الدعم القبلي بعسكرة المجالس الاجتماعية التي تقودها القبائل المتعددة بشرق ليبيا، حيث شكّل أبناء هذه القبائل، خزاناً بشرياً لحروبه المتتالية في بنغازي وأجدابيا والهلال النفطي ودرنة، فضلاً عن تحالفه، مؤخراً، مع قوى قبلية في جنوب البلاد؛ كقبائل التبو وأولاد سليمان.
خارطة القبائل المتذمرة من سياسات حفتر في شرق ليبيا
1- قبيلة المغاربة
تتخذ من مدينة أجدابيا (150 كم غرب مدينة بنغازي) عاصمة لها، وتمتد حدودها من شرق مدينة أجدابيا وصولاً إلى منطقة النوفلية (129 كم شرق سرت) وتمر أراضيهم بموانئ النفط في منطقة الهلال النفطي.
برزت القبيلة إبان تولّي ابنها إبراهيم الجضران، رئاسة حرس المنشآت النفطية، والصراع مع الحكومة المؤقتة الذي انتهى بغلق الموانئ أمام حركة التصدير، في سبتمبر/أيلول 2013، ومن أبرز ضباط قبيلة المغاربة؛ ونيس بوخمادة، قائد القوات الخاصة في بنغازي.
2- قبيلة العواقير
تشكل طوق أو ما كان يسمى “الحزام الأخضر” لمدينة بنغازي ابتداء من منطقة قمينس غرب مدينة بنغازي وصولاً إلى توكره شرق مدينة بنغازي ومن الجنوب منطقة سلوق.
شكّلت قبيلة العواقير النواة الأولى لقوات حفتر إبان إطلاقها عام 2014، لكن نفوذها وسيطرتها على مواقع حساسة في بنغازي، حدا بحفتر إلى الحد من نفوذها، وعزل أبنائها من مناصب بارزة في قواته.
تصاعد الخلاف بين حفتر وبين القبيلة لينتهي بانشقاق أبرز قادتها؛ العميد المهدي البرغثي، قائد كتيبة الدبابات، الذي تولّى منصب وزير الدفاع في حكومة “الوفاق الوطني”، وفرج قعيم، قائد قوات العمليات الخاصة، الذي تولّى منصب وكيل وزارة الداخلية في حكومة الوفاق الوطني، والذي اعتقله حفتر لمدة 9 أشهر بعد محاولاته تنفيذ انقلاب عسكري في بنغازي، ودعوة ضباط الجيش، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى اختيار قائد للجيش بديلاً عن حفتر.
3- قبيلة العبيدات
تعتبر من أكبر قبائل شرق ليبيا، عدداً وعدة، إذ تسيطر على أغلب أجزاء الشرق ما بين مدينة شحات وصولاً إلى مدينة طبرق.
مواقفها متباينة من حفتر لكثرة فروعها، فبعضها مؤيد له، وبعضها معارض بشكل غير مباشر، غير أنّ الخلافات غير المعلنة بين عقيلة صالح رئيس مجلس النواب وحفتر، صعّد من الأصوات الرافضة داخلها، ويُعتبر اللواء سليمان محمود، أحد الضباط المجاهرين بعدائهم لحفتر، من أبرز أبناء القبيلة وقادتها.
ويرى مراقبون أن محاولة خليفة حفتر فرض هيمنته على المنطقة يتحقق بإخضاع مناصريه من خلال سياسة العصا والجزرة، ومن أذرع قليلة شديدة الولاء له وهو ما سيجعله في مواجهة من الممكن ألا تكون مؤجلة لوقت بعيد مع السند الاجتماعي الذي حظي به منذ إطلاق عملية الكرامة في 2014.
تعليقات الزوار ( 0 )