إن غياب التفكير الطليعي المناضل والتنظير التقدمي المنحاز للمطالب الشعبية في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية وحقوق الانسان، وسيادة وانتصار وانتشار ثقافة البلاهة والتفاهة والجهل والتدجين كرد فعل ونقد سوريالي ساخر وموضوعي للتقهقر والتخلف بسبب سيكولوجية الانسان المقهور، أدى إلى انحطاط هائل في الفن والفكر والذوق الجمالي العام، وطفت على السطح بدل ذلك طبقة من الأميين غير المتعلمين حققت ثراء فاحشا بالمحتوى الساقط الهابط والكلام النابي والفضائحية واليوميات الفارغة وقصص الجرائم والسفالة بدون كفاءة فكرية إبداعية أو تأهيل علمي،
وهكذا أصبح السفلة من الرعاع أصحاب دخل وأرصدة بنكية تفوق دخل الأساتذة الجامعيين والمبدعين الحقيقيين، حتى إن محاضرات طه عبد الرحمان والعروي غدت لا تتجاوز مشاهداتها على اليوتيوب الألف مشاهدة أو الألفين، في حين أن نكرات من القاع بعبارات خادشة للحياء حققوا ملايين المشاهدات في وضع عبثي كارثي أصبح يهدد المجتمع بالتفكك والانهيار، فطردت العملة الرديئة العملة الجيدة من المشهد، واختفت الأغنية المغربية الكلاسيكية والملتزمة كأغاني الحياني وعبد الهادي بلخياط وسعيد المغربي، كما اختفى المسرح المثقف الهادف مع الفنان الزروالي والطيب الصديقي والساخر مع بزيز وباز والمجموعات الغنائية مع ناس الغيوان وجيل جيلالة. والكلام المرصع والمشاهب والسينما الجميلة، كما اختفى، أيضا، الرسامون والشعراء والعلماء العاملون ،فغابت الروح التي عبأت المخيال الجمعي نحو الاستقلال والتقدم والوطنية الصادقة.
وهكذا يقول آلان دونو، وهو دكتور في الفلسفة “إذا لم نواجه هجوم التفاهة الخبيثة للعدوان في بيئتنا اليومية، وإذا فقدنا السيطرة تدريجيًا على التلوث السائد من اللامبالاة وعدم الاحترام، فنحن بحاجة إلى إعادة هيكلة تفكيرنا بشكل لا رجعة فيه وتعديل آلية عملنا أخذ كل شيء كأمر مسلم به وقبول أي شيء غير قابل للنقاش، قد يولد الانفصال، ويثير حسرة شديدة، وأخيراً يحول حياتنا إلى بلاء” حتى لو سقط العالم ، سوف ينقذني هاتفي المحمول”.
ويضيف: “التفاهة هي الشر أي في شكل الوعي والعقل الذي يتكيف مع العالم كما هو، الذي يطيع مبدأ القصور الذاتي ومبدأ القصور الذاتي هذا هو حقاً الشر الجذري”
وكل هذا الوضع المزري للثقافة والمثقفين أدى إلى انحطاط أخلاقي للذات نتج عن فراغ الساحة وأزمة وجود المثقف العضوي، وعن استقالة أنانية للانتليجينسيا من المشهد الاجتماعي والسياسي المغربي التي تسلقت طبقيا وانسحبت الى العيش الأرستقراطي البرجوازي. مما أدخل هذه النخبة المثقفة في موت سريري أفقدها دورها التاريخي في التأسيس للتنوير والتغيير والإصلاح، فلم تظهر خلال العقد الأخير أي أعمال روائية أو فكرية أو فلسفية رائدة من قامة فلاسفة الأنوار في أوروبا كجون جاك روسو وعمله الفذ العقد الاجتماعي ومونتيسكيو وكتابه روح القوانين وفولتير وجون لوك وداڤيد هيوم وآدم سميث توماس هوبز وكتابه الرائد اللفياثان: الأصول الطبيعية والسياسية لسلطة الدولة. ..
كانت هناك إرهاصات اولى لحركة تفكير تنويرية تبتغي النهوض قبل الاستقلال وبعد مع مفكرين مغاربة ملأوا المشهد الثقافي والسياسي المغربي، لكن هذه الحركة تلاشت واندثرت، فيا ترى أين هم المفكرون والمثقفون المغاربة الآن ؟!! أم إنهم في أبراجهم العاجية صامتون صمت القبور؟!
تعليقات الزوار ( 0 )