ضاعف من ثقل المسؤولیة القیادیة، للمجموعة التي استلمت المهام التنظيمية بعد سنة 1979، ذلك الزخم الفكري الھائل الذي أصبح یمور به شلال الحركة الإسلامیة على المستوى العالمي، والأسئلة الحارقة والمضطرمة، التي أضحت تثور في عقل دعاة الحركة الإسلامیة، من تداعیات ما أنتجته الأحداث الملتھبة الكبرى في العالم العربي والإسلامي، وبالخصوص، الحدث الھائل بانتصار الثورة الشعبیة الإسلامیة في إیران سنة 1979، بقیادة الخمیني وعلماء الدین، وإسقاط نظام الشاه أعتى العروش الملكیة في العالم الاسلامي، وكذا الحدث التاریخي بانطلاق الجھاد الأفغاني مدعوما بالحركة الإسلامیة العالمیة، ضد اجتیاح الجیش الأحمر للاتحاد السوفیاتي الشیوعي أرض أفغانستان المسلمة، وما ترتب عنه من ھزیمة ھذا الاتحاد وتفكك امبراطوریته إلى جمھوریات مستقلة، وكذا اندلاع الصدامات العنیفة والمسلحة بین الإسلامیین وبعض الأنظمة العربیة، في مصر وسوریا والسعودیة.
كان عبء المسؤولیة شاقا على تحملاتنا نحن أعضاء ھذه المجموعة القیادیة، فإلى جانب الأعباء التنظیمیة لحركة تتمدد أفقیا وعمودیا من حیث طبقاتھا التنظیمیة التراتبیة، یزداد ثقلھا بالنظر الى الحرص على سریة التنظیم، إلى جانب ھذه الأعباء، كان الاضطلاع بمسؤولیة ذات أھمیة قصوى، وتتجلى في ضبط الاتزان الفكري للقواعد، وصد المؤثرات الفكریة الخارجیة والتي كانت تشحن العقول والنفوس بنزعات ثوریة صدامیة لا تتلاءم والظروف السیاسیة والاجتماعیة للمغرب، والتي كانت تختلف عما كانت علیه الأنظمة العربیة الأخرى، لما كانت تصب جام قمعھا واضطھادھا على المنظمات الإسلامیة، إضافة إلى عبء تدبیر الانتظارات التي كانت تعرفھا محاكمة الشبیبة الإسلامیة في قضیة اغتیال عمر بن جلون، ومواكبة ھذه المحاكمة بالدعایة الإعلامیة للدفاع عن براءة الشبیبة الاسلامیة من الجریمة، وما كان یرافق ھذه الدعایة من تنظیم توزیع المناشیر السریة والملصقات على الجدران، في الجامعات والثانویات والمساجد والشوارع الكبرى.
وكنا نحن أعضاء ھذه المجموعة القیادیة نجتھد في ھذه المھام التنظیمیة والتربویة والفكریة لوحدنا دون سند من أحد، فقد كان عبدالكریم مطیع غائبا عن أي توجیھ أو إرشاد أو إسعاف، ماعدا الاھتمام الذي كان یشغله في تتبع أطوار المحاكمة.
كان الفراغ القیادي الإرشادي ھائلا، ولكنه في نفس الوقت كان محفزا على الاجتھاد وشحذ الھمم والقدرات الذاتیة من أجل ملء الفراغ، وكان سائدا بیننا بنوع من التندر والسخریة، تردید السؤال الراتب لكل من تأتى له الاتصال بعبد الكریم مطیع، ھل من توجیھات قیادیة، فیكون الجواب على الدوام: صفرا وصدى لصفیر الریح.
وكنا ورغم أعمارنا الفتیة، ولكن بعزائمنا القیادیة الھائلة، نبذل أقصى الجھود الفكریة، لتحصین قواعد التنظیم من الانجراف في موجة المؤثرات الخارجیة، فانتصار الثورة الإسلامیة في إیران كان حدثا جذابا نحو معانقة المذھب الشیعي، من جھة، ونحو إسقاط ما وقع في إیران على الأوضاع المغربیة من جھة أخرى، وكان ظھور الفكر التكفیري في مصر عن طریق جماعة التكفیر والھجرة وجماعة الجھاد وما عرف بالجماعات الإسلامیة في الجامعات المصریة، وبروز تیار تكفیر الدولة والمجتمع، وتسویغ العنف المسلح على أساس ھذا التكفیر، كان ھذا وذلك من المؤثرات المغریة للانزلاق نحو العنف المسلح.
وكانت أحداث الصدام المسلح بین الجماعات الجھادیة المنشقة عن الإخوان المسلمین في سوریا، وبین أجھزة الأمن وقوى الجیش للنظام السوري، تفعل في الأفكار والعواطف فعل النار في الھشیم، فیما یخشى من خطورته عواقب التأثر، أضف الى ذلك بركان العمل المسلح الذي أصبحت تعج به الساحة الفلسطینیة واللبنانیة بمنظمات الكفاح المسلح ضد الكیان الصھیوني.
وكان دورنا وجھدنا حثیثا في ضبط التوازن الفكري ولجم العواطف من الانسیاق وراء موجة العنف العقائدي، والحفاظ على الخط الفكري المتوازن، المستخلص من تراكم الجھد النظري والحركي والتربوي والسیاسي للرواد الأوائل لحركة الشبیبة الإسلامیة، المستقى من المنھج الفكري لحركة الاخوان المسلمین مطعما بمشرب الحركة الوطنیة، والمتسق مع واقع الأوضاع المغربیة اجتماعیا وسیاسیا.
يتبع….
رئيس المجلس الوطني لحزب النهضة والفضيلة
تعليقات الزوار ( 0 )