قبل الخوض في معيقات التواصل العمومي لابد في البداية من التمييز بين التواصل العمومي والتواصل السياسي، لكون هذا الأمر يُعد مدخلا أساسيا لضمان تفاعل هادف حول آليات وسبل تطوير تواصل الإدارة العمومية؛
بين تواصل سياسي وتواصل عمومي
وتشكل عملية الخلط بين هذين المفهومين، سببا مباشرا في جعل النقاش حول تطوير تواصل الإدارة، نقاشا بعيدا عن مساهمة عدد من الفاعلين والمتدخلين الأساسيين في المساهمة فيه، ذلك لأنه نقاش في صلب عملية الإصلاح الإداري، وهذا الأخير هو ورش وطني بامتياز، يهدف إلى للارتقاء بأداء ونجاعة المرفق العمومي، وجعل مختلف العاملين في هذا المرفق ملتزمين بمبادئ ومساطر الحكامة الجيدة، سواء أثناء أداء مهامهم الإدارية أو في علاقتهم بالمرتفقين.
وهنا وجب التذكير، بأن الحديث عن التواصل السياسي، كان فيما مضى مُختلف عن عملية تواصل الفاعلين السياسيين مع كتلة الناخبين خلال العمليات الانتخابية، فضلا عن كونه مختلف عن مجمل الحوارات التي يحتويها المجال السياسي، والتي تترجمها مواقف وتصريحات الفاعلين السياسيين.
وتوسع هذا المفهوم، ليشمل دراسة دور وسائل الإعلام في التأثير على الرأي العام، ودور استطلاعات الرأي في التأثير على الحياة السياسية بصفة عامة، ما يعني أن الحديث عن تواصل سياسي، يعني بالضرورة حديثا عن مواقف وآراء كل من الفاعل السياسي، أو الفاعل الإعلامي، ومدى تأثيرهما على الرأي العام، وخصوصا خلال العمليات الانتخابية.
وتأسيسا على ما سبق يستشف أن مفهوم التواصل السياسي مُختلف عن مفهوم التواصل العمومي الذي تكون فيه الإدارة العمومية، طرفا أساسيا، فهذا الأخير يمثل مجمل عمليات التواصل التي تقوم بها كل إدارة عمومية، تختص بتقديم خدمات عمومية للمواطنين.
ما يعني أنه تواصل يهدف فقط إلى خدمة الصالح العام، وهذا ما يميزه عن التواصل السياسي، رغم وجود فاعلين سياسيين على رأس إدارات عمومية، إذ أن توليهم مهمة تسيير هذه الإدارات، لا يبرر الترويج للخدمات العمومية التي يتم تقديمها، وكأنها خدمات تقدم باسم المُسيرين، أو باسم إطاراتهم السياسية، لأنها خدمات عمومية تقدم باسم الإدارة.
خلق علاقة جيدة مع المرتفقين
فإذا كان الهدف من التواصل بصفة عامة، هو خلق علاقة جيدة مع الآخرين، من خلال مختلف أشكال وصور التعبير، ولا شك أنه لا يمكن أن يكون بديلا للسياسات الجيدة؛ فالهدف من تواصل الإدارات العمومية، هو خلق علاقة جيدة مع المرتفقين، من خلال كل الأدوات والوسائل والتقنيات والقنوات، التي يمكن أن تساعد في خلق هذه العلاقة وتطويرها.
أما التواصل السياسي فيعبر عن مواقف وآراء كل من الفاعل السياسي، أو الفاعل الإعلامي، وتأثيرهما على الرأي العام، خصوصا خلال العمليات الانتخابية، وهو مفهوم بعيد جدا عن مفهوم التواصل العمومي، الذي تكون فيه الإدارة العمومية، طرفا وفاعلا أساسيا، فالتواصل العمومي هو مجمل عمليات التواصل التي تقوم بها كل إدارة عمومية تختص بتقديم خدمات عمومية للمواطنين، أي أنه تواصل يهدف بالدرجة الأولى إلى خدمة الصالح العام.
التواصل العمومي مطلب ديمقراطي
واعتبارا لأن التواصل العمومي يشكل مطلبا ديمقراطيا وضرورة حتمية للتدبير الجيد، فهو يكرس الأهمية التي يوليها المغرب لتحسين وتنظيم والرفع من أداء الخدمات العمومية بالمملكة، وهو على ارتباط وثيق بالشفافية الإدارية وحق الولوج إلى المعلومة، ورافعة من أجل استيعاب المواطن لأعمال المصالح العمومية.
ويمثل التواصل العمومي كذلك وسيلة أساسية لتعزيز التماسك الاجتماعي والتثمين الترابي ونقل المعرفة وتعزيز ثقة المواطنين في مؤسساتهم، فدينامية التواصل العمومي تدخل بشكل وثيق في إطار اهتمامات الشأن المحلي، وعلى مدبري هذا الأخير أن يصاحبوا جميع الإنجازات والأعمال بتواصل عمومي جيد وناجع.
غياب مصلحة للتواصل
من جهة أخرى، لا بد من التطرق لإشكالية أخرى وهي عدم وجود قانون يلزم الإدارات العمومية المغربية بإحداث مصلحة للتواصل، في حين أن هذه الأخيرة هي عصب الأساس الذي ييسر عملية الحوار والتبادل، ويشكل صلة وصل هامة بين الموظفين والقطاع المعني، بهدف تعزيز التعبئة الجماعية حول السياسات العمومية من خلال تواصل ثنائي الاتجاه، وكذا المساهمة في تعزيز انخراط مختلف الأطراف المعنية من صنع القرار ومشاركتهم في مناقشة السياسات العمومية.
وتبعا لحصيلة التواصل الحكومي 2017/2021، فقد تم العمل على تأهيل التواصل المؤسساتي العمومي من خلال إنجاز المرحلة الثانية من مشروع تأهيل التواصل المؤسساتي بالقطاعات الوزارية، مما أسفر عن إعداد دليل خاص بالتواصل العمومي بكل من اللغة العربية والفرنسية.
فضلا عن إعداد وتوحيد الرسائل الموجهة للرأي العام ونشرها عبر وسائل الإعلام السمعي البصري والصحافة المكتوبة والإلكترونية، وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، علاوة على عرض العناصر الأساسية لدليل التواصل العمومي وتقاسم الممارسات الجيدة في تدبير جائحة كوفيد 19 بحضور شبكة مسؤولي التواصل من 23 قطاع وزاري.
وجدير بالذكر في هذا السياق أن شبكة مسؤولي التواصل العمومي تم إحداثها من طرف وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية في إطار سعيها لتحسين التواصل حول الجهود المبذولة من طرف مختلف القطاعات الوزارية ولأجل مأسسة وتطوير التواصل العمومي، رغم أن ذلك ليس كافيا من أجل بلوغ الأهداف التي يصبوا إليها التواصل العمومي.
فوجود مديرية للتواصل أو ما يماثلها، أمر ضروري لإعداد استراتيجية تضع التواصل العمومي في صلب انشغالاتها، وتضطلع بمهامه بما يضمن تحقيق الأهداف المسطرة وجعلها جلية لجميع الفاعلين سواء خارج أو داخل الجهة المعنية. ويقترح الهيكل التنظيمي التالي نسقا لحكامة التواصل العمومي شبيها بهيئات صنع القرار داخل المؤسسات العمومية، وهو منظم على ثلاث مستويات:
المستوى الأول: المديريات هي وحدات إدارية مرتبطة مباشرة بالكتابات العامة للوزارات، وهي تتمتع باستقلالية متقدمة في الجوانب الاستراتيجية المرتبطة بالملفات التي تعمل عليها، بما يتماشى مع التوجهات الاستراتيجية للكتابة العامة فيما يخص التنظيم الإداري، وتشرف على إعداد الاستراتيجيات وضمان استيعابها الأقسام التابعة لها ليتم تنفيذها على الوجه الأمثل.
المستوى الثاني: الأقسام هي وحدات إدارية تابعة للمديريات تشرف على وضع المشاريع والبرامج اللازمة لتنفيذ الاستراتيجيات التي أعدتها المديريات. وتسهر أيضا على ضمان استيعاب خطط العمل التي تم وضعها من طرف المصالح التابعة لها. كما تضطلع بمهام القيادة والتتبع وتقييم السير الجيد لخطط العمل هذه.
المستوى الثالث: المصالح هي وحدات إدارية تنفيذية، تابعة للأقسام، مكلفة بتفعيل وظيفة أو مهمة أو برنامج معين.
ندرة اختصاص وعدم دراية بالمهام
وفي هذا السياق يُضاف إلى جملة المعيقات السالفة، أنه أحيانا نجد المكلفين بالتواصل غير مختصين في المجال وعلى غير دراية بأسسه وأساليبه ولا أهدافه مما قد يعرقل من العملية التواصلية إجمالا، انطلاقا من عدم فهم المسؤول عن التواصل المهام المنوطة به، بحيث لا يدرك ما له من واجبات وما عليه من مسؤوليات.
وكذا القيم التي يقوم عليها التواصل العمومي، والقيم المعتمدة في المرافق العمومية، والتي يُمكن أن نضيف إليها مبادئ الحكومة المنفتحة، التي تكمن في الشفافية، والمسائلة والنزاهة، ومشاركة الأطراف المعنية.
ومن بين معيقات التواصل الأخرى التي تُعرقل سير العملية التواصلية برمتها، نجد عدم قدرة المكلفين بالتواصل في المؤسسات العمومية على التنويع من الأدوات التواصلية في إبراز الخطابات والمشاريع، وتقديم الحلول الناجعة في كافة المشاكل التي تربطهم بالمُرتفقين.
وكأنهم بذلك على غير دراية بالأهمية التي توليها العملية للرفع من أداء الخدمات العمومية بالمملكة، وضمان الشفافية الإدارية وتكريس حق الولوج إلى المعلومة، بغرض خدمة المواطن وضمان استيعابه لأعمال المصالح العمومية، فضلا عن مُساهمة التواصل المنشود في التماسك الاجتماعي، وتعزيز ثقة المواطنين في مؤسساتهم العمومية.
هذا دون إغفال أن مسألة ضرورة تأهيل تواصل مؤسساتي عمومي يمكن الإدارات العمومية من بنيات مختصة وكفاءات مهنية في دعم البرامج القطاعية في إصلاح الإدارة مع ترسيخ نظام تواصلي ناجع يسهم في انفتاح الإدارة على المواطن والمجتمع.
تعليقات الزوار ( 0 )