في تطوّر صادم كشفته الصحافة الإسبانية، أفادت مصادر استخباراتية رفيعة بأن عدداً من الشبان الصحراويين، ممن نشأوا في مخيمات تندوف الخاضعة لسيطرة جبهة البوليساريو، وصلوا إلى مراكز قيادية داخل تنظيم “داعش-فرع غرب إفريقيا” المعروف بـISWAP، وهو أحد أخطر التنظيمات الإرهابية النشطة في منطقة الساحل الإفريقي.
وتثير هذه المعلومات تساؤلات ملحة حول مدى تورّط الجبهة الانفصالية في تغذية الفكر المتطرف، وفتح الباب أمام تحول سياسي عسكري خطير في محيط المغرب العربي.
المصادر نفسها، بحسب صحيفة La Vanguardia، أكدت أن هؤلاء العناصر — يقدّر عددهم بالعشرات — قد مرّوا في طفولتهم ببرنامج “عطل في سلام”، الذي يتيح لأطفال صحراويين من مخيمات تندوف قضاء العطلة الصيفية لدى عائلات إسبانية مضيفة.
واستنادا إلى المصادر ذاتها، فإن هذه التجربة منحتهم إتقان اللغة الإسبانية ومعرفة عميقة بالثقافة الأوروبية، وهو ما تعتبره أجهزة الاستخبارات سلاحاً ذا حدين: فقد حوّلهم إلى عناصر مثالية للتغلغل داخل المجتمعات الأوروبية مستقبلاً، في حال قرر التنظيم توسيع نشاطه خارج إفريقيا.
من تندوف إلى الإرهاب العابر للحدود
وتشير التحقيقات الجارية إلى أن هؤلاء المتطرفين الصحراويين قد تم تجنيدهم في صفوف التنظيم داخل منطقة الساحل، خاصة في مالي وبوركينا فاسو، حيث تخوض التنظيمات الجهادية، وعلى رأسها ISWAP، معارك طاحنة ضد الجيوش النظامية المدعومة من قوى خارجية أبرزها “أفريكا كوربس” الروسية (التي حلت محل “فاغنر”).
ويبدو أن جبهة البوليساريو، التي لطالما صوّرت نفسها كـ”حركة تحرر وطني”، تواجه اليوم اتهامات ضمنية ومباشرة بكونها حاضنة للتطرف.
فمخيمات تندوف، المغلقة أمام الصحافة الدولية والمنظمات المستقلة، باتت بحسب متابعين “تربة خصبة للتجنيد المتطرف”، خاصة في ظل غياب آفاق سياسية واقتصادية، وسيطرة فكرية وعسكرية مطلقة من قيادة الجبهة.
الساحل الإفريقي: أفغانستان جديدة على أعتاب أوروبا؟
وتشير التقارير الاستخباراتية إلى أن الساحل الإفريقي أصبح خلال السنوات الأخيرة “منطقة خارجة عن السيطرة”، حيث تتقاطع مصالح الإرهاب العابر للحدود مع شبكات التهريب والهجرة غير النظامية.
ويُخشى أن تكون هذه الشبكات الوسيلة المُثلى لنقل العناصر المتطرفة إلى الأراضي الأوروبية، خصوصاً عبر مسار الهجرة الذي ينطلق من السواحل الموريتانية نحو جزر الكناري.
وما يزيد المخاوف هو أن التنظيمات المتطرفة، وعلى رأسها ISWAP، بدأت منذ عام 2024 مرحلة إعادة تنظيم داخلي، بعد تراجعها الإعلامي والعسكري إثر سقوط “الخلافة” في سوريا والعراق. واليوم، مع بروز قادة جدد من أصول صحراوية يتحدثون الإسبانية بطلاقة، يبدو أن التنظيم يعيد توجيه بوصلته نحو الشمال.
مخاوف إسبانية… وصمت دولي
ورغم التحذيرات المتكررة من الأجهزة الأمنية الإسبانية، فإن المجتمع الدولي، وعلى رأسه الاتحاد الأوروبي، لم يبدِ حتى الآن رد فعل واضح إزاء هذه المعطيات الخطيرة.
ويُعزى ذلك جزئياً إلى التركيز الأوروبي المفرط على الجبهة الشرقية بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، ما جعل “الخاصرة الجنوبية” لأوروبا مكشوفة أمام أي تهديد إرهابي قادم من إفريقيا.
وتجد إسبانيا، التي تربطها علاقات جغرافية وثقافية مع شمال إفريقيا، نفسها اليوم أمام تحدٍ أمني معقّد: كيف تواجه خطر التطرف القادم من مخيمات لطالما تغنّت بدعم “حق تقرير المصير”، في حين أن أبناء تلك المخيمات أنفسهم باتوا في قلب تنظيمات تتبنى العنف المسلح والدموي كوسيلة وحيدة للتعبير؟
نهاية وهم “التحرر” أم بداية تهديد وجودي؟
وما كان يُروّج له لعقود تحت لافتة “التحرر الصحراوي” يبدو اليوم، في نظر عدد من المحللين، أنه تحول إلى ملاذ للتطرف والانفصال عن الواقع الدولي. فبينما تنادي جبهة البوليساريو بـ”الاستقلال”، تحوّل بعض أبنائها إلى قيادات في تنظيمات تقاتل باسم “الخلافة”، لا باسم الدولة.
وأشار تقرير الصحيفة الإسبانية، إلى أن العالم أمام مفترق طرق خطير: فإما أن يُعاد تقييم طبيعة الكيانات غير المعترف بها والمناطق الخارجة عن رقابة الدول، أو سنجد أنفسنا مستقبلاً نواجه إرهاباً يحمل لغة أوروبية، وخبرة صحراوية، وطموحات تدميرية بلا حدود.
تعليقات الزوار ( 0 )