في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم نحو صراعات كبرى في الشرق الأوسط وأوكرانيا، تغلي منطقة الساحل وشمال إفريقيا على وقع تطورات مقلقة، تقودها جماعة انفصالية كانت حتى وقت قريب تُقدَّم على أنها “حركة تحرر وطني”، قبل أن تتضح ارتباطاتها المتزايدة بمحور إيران–حزب الله، وتحوُّلها إلى تهديد أمني عابر للحدود.
البوليساريو بين الشعارات الثورية والواقع الجهادي
ولطالما رُوّج لجبهة البوليساريو كحركة قومية تسعى إلى استقلال “الصحراء الغربية” عن المغرب. غير أن الحقائق الميدانية والاستخباراتية الحديثة تُظهر تحولًا جذريًا في بنيتها الأيديولوجية وتحالفاتها الإقليمية، نحو مزيد من التماهي مع التنظيمات الإرهابية والمصالح الجيوسياسية المعادية للغرب، وعلى رأسها إيران.
تقرير مجلة ناشونال إنترست (The National Interest) الأميركية يكشف عن أدلة استخباراتية تؤكد وجود اتصالات مباشرة بين ممثل البوليساريو في سوريا مصطفى محمد لمين الكتاب، وأحد عناصر حزب الله اللبناني، حيث عبّر الطرف الصحراوي عن تضامنه مع ما يُعرف بـ”محور المقاومة”، مهنئًا بهجمات 7 أكتوبر التي شنّتها حركة حماس، ومقترحًا تنسيق جبهة موحدة تمتد من غزة إلى الصحراء المغربية، مرورًا بجنوب لبنان والجولان السوري.
تحول خطير: من القومية إلى الطائفية المسلحة
ويمثل هذا التحول في تموضع البوليساريو من “حركة يسارية مدعومة من كوبا وليبيا القذافي” إلى فصيل متماهِ مع المحور الإيراني، قطيعة فكرية وأمنية في آنٍ واحد.
فبعد أن كانت مرجعيتها ماركسية علمانية، باتت اليوم حليفًا لجماعات دينية راديكالية تتبنى العنف منهجًا، ما يضع المنطقة أمام سيناريو شبيه بلبنان أو اليمن، حيث تستخدم إيران أذرعها المسلحة لإدارة نزاعات بالوكالة.
وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة كان واضحًا في اتهاماته لإيران بأنها تزود البوليساريو بطائرات مسيرة هجومية، وتدعم تدريب عناصرها عبر حزب الله، بغية استهداف الأمن القومي المغربي، وحتى المصالح الغربية المتواجدة في البلاد.
معسكر تندوف: من مخيم لاجئين إلى بؤرة إرهاب
وتحولت مخيمات تندوف، التي تقع في جنوب غرب الجزائر وتحتضن عشرات الآلاف من اللاجئين الصحراويين، تدريجيًا إلى بؤرة خصبة لتجنيد الإرهابيين، بحسب تقارير استخباراتية أوروبية.
وشخصيات بارزة في تنظيم “داعش الصحراء الكبرى” (ISGS)، مثل عدنان أبو الوليد الصحراوي، تخرجوا من رحم هذه المخيمات. كما ظهرت منها خلايا إرهابية مثل “فتح الأندلس” و”الخلافة”، التي بايعت تنظيم الدولة الإسلامية.
وفي السياق ذاته، تُتهم البوليساريو بتجنيد الأطفال قسرًا ومنعهم من الالتحاق بالتعليم، لإعدادهم عسكريًا، وهي ممارسات وثّقتها منظمات دولية في مجلس حقوق الإنسان بجنيف.
إيران والجزائر: تحالف استراتيجي ضد المغرب
واستنادا إلى المصادر ذاتها، فإن الدعم الإيراني للبوليساريو لا يتم بمعزل عن الجزائر، التي تُعد الحاضن السياسي واللوجستي الرئيسي للجبهة.
ويهدف هذا المحور الثلاثي (الجزائر–البوليساريو–إيران) إلى إضعاف المغرب، ليس فقط في ملف الصحراء، بل أيضًا في دوره المتزايد في مكافحة الإرهاب وتعزيز الاستقرار الإقليمي، وهو ما دفع العديد من الدول الغربية إلى الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، مثل الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، فرنسا، وحتى إسرائيل.
من جانبها، تراجعت سوريا مؤخرًا عن دعم البوليساريو، وأعلنت طرد ممثلي الجبهة من أراضيها، ما يكشف عن تصدع في بعض دوائر الدعم التقليدية، وتنامٍ لوعي متزايد بخطورة تمكين حركة ذات ارتباطات جهادية من إنشاء دولة في منطقة استراتيجية تطل على المحيط الأطلسي.
من مسؤولية العالم وقف العبث
وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أن أي مشروع “دولة” تحت سيطرة جبهة البوليساريو اليوم لن يكون سوى منصة إقليمية جديدة لنشر الفوضى والإرهاب، تمامًا كما حدث في الصومال وأفغانستان ولبنان.
وأضافت، أنه ومهما كانت المبررات التاريخية أو الحقوقية التي استند إليها مؤيدو “تقرير المصير”، فإن الواقع الأمني الحالي يفرض نفسه: تمكين البوليساريو يعني تسليم شمال غرب إفريقيا لقوى تخريبية عابرة للحدود، في وقت أصبحت فيه المغرب حجر زاوية في مكافحة الإرهاب وضبط توازنات الساحل.
وخلص المصدر ذاته، إلى أن التاريخ تغيّر، والمعطيات تغيّرت، وأي ارتداد عن دعم المغرب في معركته ضد الإرهاب والانفصال سيكون خطأ استراتيجيًا قاتلًا، ليس للمنطقة فقط، بل للأمن الأوروبي والعالمي برمّته.
تعليقات الزوار ( 0 )