في زمنٍ باتت فيه التكنولوجيا شرطًا أساسيًا لتحديث الخدمات العمومية، يخطو المغرب خطوات واثقة نحو رقمنة شاملة لمنظومته الصحية، واضعًا بذلك نفسه في طليعة الدول الإفريقية التي تراهن على التحول الرقمي كأداة استراتيجية لتحسين جودة الرعاية الصحية وضمان استدامتها.
وفي مداخلة له خلال معرض GITEX Africa 2025، أكد وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، أن رقمنة مسار المريض لم تعد خيارًا، بل ضرورة ملحّة لتجاوز التحديات البنيوية التي تعاني منها النظم الصحية في القارة، من ضعف الولوج إلى الخصاص في الموارد البشرية والتمويل.
قال التهراوي: “تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أطلق المغرب إصلاحًا استراتيجيًا شاملًا للمنظومة الصحية، تلعب فيه الرقمنة دورًا مركزيًا لتحسين الولوج والكفاءة”.
وأشار إلى أن هذا التوجه لا يُترجم فقط في التصريحات، بل في مشاريع ميدانية كبرى تشمل: رقمنة مسار المريض من الاستشارة إلى العلاج؛ واعتماد السجلات الصحية الإلكترونية المشتركة؛ وتطوير منصات الاستشارة الطبية عن بُعد (التطبيب عن بعد)؛ ثم إنشاء أطر للتشغيل البيني بين الأنظمة الصحية المختلفة.
وأوضح الوزير أن هذه المبادرات ليست مجهودات معزولة، بل تمثل ركائز لخطة وطنية متكاملة تهدف إلى إعادة هيكلة النظام الصحي ليكون أكثر مرونة وتجاوبًا مع حاجيات المواطنين.
وأشار التهراوي إلى أن السياق الإفريقي يفرض ضرورة التحرك السريع: “نواجه تحديات هيكلية مزمنة، لكن في المقابل، تتيح لنا التكنولوجيا فرصة لإعادة تشكيل العلاقة بين المواطن والمؤسسة الصحية، وتوزيع أفضل للموارد، وتعزيز الشفافية والكفاءة”.
وأضاف: “الرقمنة ليست مجرد أدوات تقنية، بل تتطلب تغييرًا ثقافيًا عميقًا في آليات اتخاذ القرار، وفي علاقة الدولة بالجهات الفاعلة، وبين الطبيب والمريض”.
وفي مؤشر على الثقة الدولية المتزايدة في النموذج المغربي، أعلن الوزير عن توقيع مذكرة تفاهم مع منظمي GITEX لإطلاق أول معرض قاري مخصص للابتكار الصحي الرقمي، تحت عنوان “GITEX Future Health Africa/Morocco”، والذي سيحتضنه الدار البيضاء في أبريل 2026.
كما ذكّر الوزير بأن المغرب حصل العام الماضي على تمويل بقيمة 70 مليون دولار من البنك الدولي لدعم رقمنة خدمات الحماية الاجتماعية، خاصة من خلال تطوير نظام موحد لتحديد المستفيدين.
وفي ختام كلمته، أكد التهراوي أن نجاح هذا التحول الرقمي يتوقف على ثلاثية أساسية: تقوية القدرات المؤسساتية، إشراك القطاع الخاص، ووضع أطر قانونية مرنة ولكن صارمة تضمن حماية المعطيات الشخصية، ومكافحة الفجوة الرقمية، وتكريس العدالة الصحية.
وأشار: “استثمارنا في الصحة الرقمية ليس مجرد إنشاء منصات، بل بناء قدرة مؤسساتنا على التعاون مع التكنولوجيا، والبحث، والمجتمع المدني، والابتكار الأخلاقي. إنها ثورة ناعمة تعيد تعريف مفهوم الرعاية الصحية”.
تعليقات الزوار ( 0 )