في خطوة تُعَدّ اعترافاً غير مباشر بوزن المغرب الصناعي المتزايد، كشفت الصحافة الإسبانية، من خلال تقرير لمجلة autopista الاقتصادية نُشر يوم 12 ماي 2025، عن تنامي القلق الأوروبي من التمدد الصناعي المغربي في مجال السيارات، إلى درجة دفعت الاتحاد الأوروبي للإعلان عن إجراءات حمائية جديدة.
فبينما تئن المصانع الأوروبية تحت ضغط التحول إلى السيارات الكهربائية والقوانين البيئية المشددة، يشق المغرب طريقه بثبات ليصبح فاعلاً صناعياً من الطراز الأول على الضفة الجنوبية للمتوسط.
ومع معدل نمو سنوي بلغ 12% في إنتاج السيارات، وتحقيق سقف نصف مليون سيارة سنوياً، لم يعد المغرب مجرد قاعدة لتجميع السيارات، بل أصبح منافساً مباشراً لصناعات عريقة في إسبانيا وفرنسا وألمانيا.
وقد عززت المملكة من موقعها بعد أن أعلنت شركة “ستيلانتيس” نقل إنتاج الجيل الجديد من Citroën C4 من مدريد إلى مصنعها في القنيطرة، حيث تُصنَّع أيضاً موديلات عالمية مثل Peugeot 208 وRenault Express وFiat Topolino.
وفق تقرير صادر عن شركة Oliver Wyman للاستشارات، فإن المغرب يمتلك واحداً من أدنى تكاليف اليد العاملة في العالم في قطاع السيارات، حيث لا تتجاوز كلفة التصنيع 173 دولاراً للسيارة الواحدة، مقابل 585 دولاراً في الصين و769 دولاراً في كوريا الجنوبية.
لكن هذه الأفضلية ليست فقط مرتبطة بالكلفة، بل تتعلق أيضاً بمنظومة متكاملة من الاستقرار السياسي، البنية التحتية، الاتفاقيات التجارية، والإصلاحات المتتالية التي تبناها المغرب لجذب الاستثمارات الأجنبية.
وأمام هذا الصعود السريع، أعلنت المفوضية الأوروبية أنها ستُراجع معايير “صناعة في أوروبا”، حيث لم يعد مقبولاً أن تحمل بعض السيارات هذا التصنيف بينما تُصنَّع معظم مكوناتها في المغرب أو تركيا.
وتشمل الإجراءات الأوروبية المرتقبة فرض قيود على نسب المكونات المصنعة خارج الاتحاد، في مسعى لحماية صناعة تعاني أصلاً من تداعيات التحول الأخضر، وتراجع القدرة التنافسية أمام نماذج آسيوية وأفريقية أكثر مرونة وكلفة أقل.
وهذا التحول لا يعني فقط أزمة أوروبية، بل هو في الوقت نفسه اختبار حقيقي لقدرة المغرب على الحفاظ على جاذبيته. فبينما يرى المصنعون العالميون في المملكة ملاذاً آمناً في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج الأوروبي، فإن المغرب مطالب اليوم بتأهيل موارده البشرية أكثر، ورفع نسبة الاندماج المحلي، وتنويع شبكات التوريد، حتى لا يظل مجرد حلقة ضمن سلسلة إنتاج هجينة، بل يتحول إلى قطب إقليمي متكامل.
وفي خضم هذا التوتر الصناعي الصامت، يمكن قراءة الرسالة الأوروبية بوضوح: المغرب لم يعد ذلك البلد “الجار الرخيص”، بل صار رقماً صعباً في معادلة صناعة المستقبل، لا سيما في القطاعات الإستراتيجية مثل التنقل الكهربائي والتصنيع الذكي.
ومع قرب احتضان المملكة لتظاهرات عالمية ضخمة ككأس العالم 2030، فإن صورتها كمركز صناعي إقليمي مرشحة للترسخ أكثر.
في الختام، لا يتعلق الأمر فقط بخسارة مصانع إسبانية أو زيادة صادرات مغربية، بل بتغير جذري في موازين القوة الصناعية على ضفتي المتوسط. والمغرب، كما يبدو، يستعد للعب دوره بثقة، تحت قيادة استراتيجية ملكية جعلت من الصناعة قاطرة لنموه القاري والدولي.
تعليقات الزوار ( 0 )