أثبت المغرب مجددًا أنه ليس مجرد بلد عبور نحو أوروبا أو وجهة شمسية للسياح، بل فاعل زراعي صاعد في الحوض المتوسطي، يُعيد رسم خريطة تجارة المنتجات الفلاحية، وفي مقدمتها فاكهة الأفوكادو.
وفاقت حملة 2024/2025 جميع التوقعات، مسجلةً قفزة نوعية في الإنتاج والصادرات، ومؤكدةً أن المملكة تسير وفق استراتيجية زراعية محكمة وطويلة الأمد، لا تعرف الارتجال.
وبحسب بيانات القطاع، بلغت إنتاجية المغرب من الأفوكادو هذا الموسم حوالي 120 ألف طن، مقارنة بـ 66 ألف طن فقط خلال موسم 2023/2024، أي ما يقارب الضعف.
ومن المرتقب تصدير نحو 105 آلاف طن إلى الأسواق العالمية، خصوصًا نحو إسبانيا، فرنسا، هولندا، ألمانيا والمملكة المتحدة، مما يعزز موقع المغرب كواحد من كبار مصدري هذه الفاكهة على الصعيد الدولي.
وهذا النجاح لم يكن محض صدفة. فقد اجتمعت عدة عوامل ساهمت في هذه القفزة، أبرزها تحسن الظروف المناخية، وتوسيع المساحات المزروعة، وتحسين أدوات وتقنيات الإنتاج.
وارتفعت المساحة المزروعة بالأفوكادو في المغرب من 4.449 هكتارًا سنة 2018 إلى 11.451 هكتارًا سنة 2023، أي بزيادة تتجاوز 150%.
وأثار هذا التوسع اللافت موجة قلق عارمة لدى المنتجين الأوروبيين، خصوصًا في إسبانيا، وتحديدًا في منطقة فالنسيا. ففي يناير 2024، ارتفعت واردات إسبانيا من الأفوكادو المغربي بنسبة 89% مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق، لتبلغ 14.187 طن.
وخلال سنة واحدة، استوردت إسبانيا ما مجموعه 262.071 طنًا من هذه الفاكهة، مما تسبب في انخفاض الأسعار إلى مستويات مقلقة، وصلت إلى 1.73 يورو للكيلوغرام الواحد في مارس، مقارنة بـ 2.44 يورو قبل عام، أي تراجع بنسبة 29%.
ودفع هذا الوضع بالمهنيين الإسبان إلى دق ناقوس الخطر والمطالبة بتشديد الضوابط على دخول المنتجات الفلاحية من دول خارج الاتحاد الأوروبي، بدعوى أن المزارعين الأوروبيين يُلزمون بمعايير بيئية واجتماعية صارمة، في حين أن نظراءهم المغاربة لا يخضعون لنفس الشروط، مما يخلق خللًا تنافسيًا هيكليًا.
ورغم التحديات، يواصل المغرب رهانَه على هذا القطاع كمحرّك تنموي واجتماعي، خصوصًا في المناطق الريفية مثل تافيلالت، مولاي بوسلهام، والعرائش، التي تشهد دينامية فلاحية غير مسبوقة. ويأمل الفاعلون المغاربة في توسيع رقعة الإنتاج وتنويع الأسواق الخارجية، لضمان تموقع أكثر استدامة في الساحة العالمية.
ومع ذلك، فإن القطاع لا يخلو من الصعوبات، أبرزها ندرة الموارد المائية، وتداعيات التغير المناخي، والضغوط البيئية المتزايدة. ولتأمين استمرارية النجاح، سيكون على المغرب أن يجد توازنًا دقيقًا بين الربحية الاقتصادية والحفاظ على الاستدامة البيئية.
تعليقات الزوار ( 0 )