القرآن كلام الله الأزلي السرمدي إلى العالمين فهو نهر متدفق لا ينضب وبحر ثجاج لا تنقضي أمواجه ، وهو خطاب متجدد المعاني لكل الانسانية ولكل العصور ، فكل عصر يفهم منه أهل فترته ما يتوافق ومداركهم ومعارفهم ، فأسراره تتكشف كلما ارتقى الانسان في اكتشاف المعرفة والعلوم ، قال الله تعالى (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق) والسير في الأرض مستمر لا ينقضي ولذلك فالقرآن حمال أوجه كما قال علي كرم الله وحهه.
ولذلك فإن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم الأساسية كانت هي البلاغ والبيان قال الله تعالى (وما على الرسول إلا البلاغ) صدق الله العظيم ، وقد بلغ الرسول الرسالة وأدى الأمانة وصبر على الأذى وجاهد في الله خير جهاده حتى أتاه اليقين فآمن به من آمن من الصحابة الأولين وكفر بما جاء به من كفر ، وارتد بعده من ارتد.
وبعد موته مرت سنوات خداعات من النفاق البواح علا فيها نجم المنافقين والرويبضة الأفاكين ، وجاءت سنوات أخرى من الإيمان الصادق والتضحية بالمال والنفس قال الله نعالى :(إن الله اشترى من المومنين أنفسهم بأن لهم الجنة) صدق الله العظيم، وأعقبتها سنوات أخرى من الفتن ،كالليل المدلهم واختلاط الحق بالباطل، ظهر فيها الشقاق والنفاق ، فلم يعد فيها من الممكن تمييز الصالح من الطالح قتل فيها أحفاد الرسول سيدا شباب أهل الجنة، وقتل فيها الأخ اخاه، مع أن الرسول الأكرم قال :القاتل والمقتول في النار.
وبعد ذلك ظهر الفسق والفجور وأمراء السوء والجور ممن أخذوا بيعة الصحابة والتابعين غصبا وإكراها في المساجد تحت المنابر بالسيوف، وقد ذكر شيخ المؤرخين الطبري أن معاَوية قال :(إنه قد أعذر من أنذر، إني كنت أخطب فيقوم إليَّ القائم منكم فيكذبني على رءوس الناس، فأحمل ذلك وأصفح عنه، ألا وإني قائم بمقالة، فأقسم بالله لئن رَدَّ عليَّ أحد كلمة في مقامي هذا ألا ترجع إليه كلمة غيرها حتى يسبقها السيف إلى رأسه، فلا يبقين رجل إلا على نفسه. ثم دعا قائد حرسه، وأمره أن يقيم على كل رجل منهم حارسين في المسجد الحرام، ليبادروا إلى من يعارضه بقطع رأسه، كما بَثَّ بقية حراسه في أرجاء المسجد، ثم دخل ودخلوا فقال: “أيها الناس، إن هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم، ولا يُقضى أمرٌ إلا عن مشورتهم، وإنهم قد رضوا وبايعوا ليزيد، فبايعوا على اسم الله، وهم جلوس لا يجرؤ أحدهم على الحديث مخافة القتل، وظَنَّ الناس الصدق في حديث معاوية، فبايعوا (على الأعناق والنحور) ،
ومن ذلك محاولة معاوية رشوة الصحابي الجليل عبد الله ابن عمر لقبول بيعة يزيد فقد ذكر ابن سعد في طبقاته ما يلي : أخبرنا عارم بن الفضل قال: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن معاوية بعث إلى ابن عمر بمائة ألف، فلما أراد أن يبايع ليزيد ابن معاوية قال: أرى ذاك أراد، إن ديني عندي إذا لرخيص. الطبقات الكبرى لأبن سعد, ترجمة عبد الله بن عمر ج4 ص182.
وهذه القصة ذكرها الذهبي في سير أعلام النبلاء: عن حماد بن زيد: عن أيوب، عن نافع, أن معاوية بعث إلى ابن عمر بمائة ألف، فلما أراد أن يبايع ليزيد، قال: أرى ذاك أراد، إن ديني عندي إذا لرخيص. سير أعلام النبلاء ج3 ص 225 وذكر في الهامش أن سنده صحيح, كذلك مذكورة في المعرفة والتاريخ للفسوي ج 1 ص492.
وأيضاً ذكرها الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري حيث قال: ووقع عند الإسماعيلي من طريق مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن زيد في أوله من الزيادة عن نافع أن معاوية أراد ابن عمر على أن يبايع ليزيد فأبى وقال لا أبايع لأميرين، فأرسل إليه معاوية بمائة ألف درهم فأخذها، فدس إليه رجلا فقال له ما يمنعك أن تبايع؟ فقال: إن ذاك لذاك – يعني عطاء ذلك المال لأجل وقوع المبايعة – إن ديني عندي إذا لرخيص. فتح الباري ج20 ص118.
ولما اعترض أهل المدينة بزعامة عدد من الصحابة قام يزيد بمهاجمة المدينة وارتكاب مجزرة الحرة سنة 63 هجرية، فقد ذكر المؤرخ خليفة بن خياط (ت 240هـ) في تاريخه أسماء المئات ممن قُتلوا في هذه الوقعة من الأنصار وأبنائهم وبطونهم، ومن المهاجرين والقرشيين وأبنائهم وبطونهم وحلفائهم، وتتبُّع هذه الأسماء يكشف عن حجم القسوة والقوة المفرطة التي استخدمها مسلم بن عقيل المرّي وجيوش الشاميين، حتى إنه قتل بعض أشخاص بايعوا يزيد بن معاوية لما وقعوا في الأسر لأن صياغة مبايعتهم لم تُعجبه، وعلى رأسهم عبد الله بن زمعة أحد أصدقاء يزيد نفسه.
ولم يكتف جيش خليفة المسلمين بذلك وانما أطلق العنان لحيشه في اغتصاب نساء الصحابة والتابعين وبناتهم وأخواتهم.
و ذكر الإمام جلال الدين للسيوطي في تاريخ الخلفاء أنه في سنة ثلاث وستين بلغه أن أهل المدينة خرجوا عليه وخلعوه فأرسل إليهم جيشاً كثيفاً وأمرهم بقتالهم ثم المسير إلى مكة لقتال ابن الزبير فجاءوا وكانت وقعة الحرة على باب طيبة وما أدراك ما وقعة الحرة ذكرها الحسن مرة فقال والله ما كاد ينجو منهم أحد قتل فيها خلق من الصحابة رضي الله عنهم ومن غيرهم ونهبت المدينة وافتض فيها ألف عذراء فإنا لله وإنا إليه راجعون قال صلى الله عليه وسلم “من أخاف أهل المدينة أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين” رواه مسلم..
أما الطبري فقد حكى في تاريخ الأمم والملوم أن قائد الجيش الشامي مسلم بن عقبة المزي أستباح المدينة ثلاثاً يقتلون الناس ويأخذون الأموال؛ ولما انتهى الجيش من المدينة إلى الموضع المعروف بالحرَّة وعليهم مُسرف خرج إلى حربه أهلُها عليهم عبد اللّه بن مطيع العدويَ وعبد اللهّ بن حنظلة الغسيل الأنصاري، وكانت وقعة عظيمة قتل فيها خلق كثير من الناس من بني هاشم وسائر قريش والأنصار وغيرهم من سائر الناس؟ فممن قتل من آل أبي طالب اثنان: عبد اللهّ بن جعفر بن أبي طالب، وجعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب، ومن بني هاشم من غير آل أبي طالب: الفَضْلُ بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وحمزة بن عبد اللّه بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، والعباس بن عُتْبة بن أبي لهب بن عبد المطلب، وبضع وتسعون رجلاً من سائر قريش، ومثلهم من الأنصار، وأربعة آلاف من سائر الناس ممن أدركه الإحصاء دون من لم يعرف. وبايع الناس على أنهم عبيدٌ ليزيد، ومَنْ أبى ذلك أمره مُسْرف على السيف، وكانت فضائع وكوارث. يندى لها الجبين ويتم السكوت عنها أو تبريرها، فيصبح الضحايا من الأطفال والشيوخ والنساء مستحقين للقتل. وتبعا لذلك ظهر محدثون على هوى السلطان يبررون المجازر والكوارث والمهالك، وفقهاء أجازوا المكروه والحرام وبرروا للأمراء فعل الفسوق والمنكرات، وحرموا الخروح على الأمير المتغلب بالسيف وإن زنى وشرب الخمر في الحرم ومن ذلك ما ذكره ابن كثير في تاريخه البداية والنهاية ” ولما خرج أهل المدينة عن طاعته وخلعوه، وولوا عليهم ابن مطيع وابن حنظلة، لم يذكروا عن يزيد – وهم أشد الناس عداوة له – إلا ما ذكروه عنه من شربه الخمر، وإتيانه بعض القاذورات، لم يتهموه بزندقة كما يقذفه بذلك بعض الروافض، بل قد كان فاسقا، والفاسق لا يجوز خلعه؛ لما يؤدي ذلك إليه من الفتنة ووقوع الهرج، كما وقع زمن الحرة ” انتهى من “البداية والنهاية” (11 / 652).
وقد قال الشيخ العثيمين في شرح العقيدة الواسطية أن الحج يكون مقبولا مبرورا، مع الحاكم الفاسق ولو زنى وشرب الخمر وجعل من خرج على مثله زنديقا يموت ميتة جاهلية،
ولهذا فإن على المسلم المثالي، المسالم، الطاعة وإن ضربه الأمير على خده وظهره، وأخد ماله وتسرى بنسائه وعياله ونسي هؤلاء الفقهاء أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وبدلا من ذلك حرموا خروج الشعب على الحاكم الظالم ولم يحرموا خروج الحاكم على إرادة الشعب لأن فهمهم كان ولا زال مقلوبا.
وتوالت سنوات الظلام وعششت في الرؤوس الخزعبلات والأوهام فجعلوا من الله شخصا جالسا على كرسي محيطا به المكان محصورا في جهة، موجودا في مكان وهو خالق الزمان والمكان، تعالى الله عما يصفون، ، وبدلا من تأويل الساق بالشدة والحزم، ذكروا أن له ساقا، ماعاذ الله وأنه يضع ساقه في النار يوم القيامة في تشبيه لله بخلقه في تعارض شديد مغ قول الله تعالى :(ليس كمثله شيء) صدق الله العظيم ،. فقد روي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ، حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ ، فَتَقُولُ قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ ، وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ).
، وذكروا ان الله يضحك من شخص يدخل الجنة حبوا في حوار بشري ينتقص من جلال الله وعظمته ، فقد روي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ((إني لأعلم آخر أهل النار خروجاً منها، وآخر أهل الجنة دخولاً الجنة: رجل يخرج من النار حبواً، فيقول الله له: اذهب فادخل الجنة فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب، وجدتها ملأى، فيقول الله عز وجل: اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا، وعشرة أمثالها أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا، فيقول: أتسخر بي – أو أتضحك بي – وأنت الملك؟ قال: فلقد رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ضحك حتى بدت نواجذه، فكان يقال: ذلك أدنى أهل الجنة . واذا كانت هذه الاحاديث صحيحة في سياق معرفي تاريخي يؤمن بالرموز الميثولوجية فإنه لم تعد كذلك في سياق معرفي علمي حديث،
، ومع ذلك فقد استمر المسلمون يبتعدون عن صفاء ونقاوة الوحي عقدا وراء عقد وجيلا بعد جيل وكان كل عصر يقرأ. الوحي بما يستطيع وما يفهم.
ولذلك فنحن لسنا ملزمين بقراءة الأقدمين لأنه قد اختلط فيها الحابل بالنابل نتيجة الصراعات السياسية وتحريفات التاريخ، فما علينا نحن بعد الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن نقرأ القرآن قراءتنا نحن بما يتلاءم والأفق المعرفي الابستيمي لعصرنا الحالي أى أن تكون قراءة حداثية تساؤلية استفهامية تحاورية تاريخية فيلولوجية وأركيلوجية مقارنة تستعمل المعارف اللغوية اللسنية الحديثة والمعارف الفزيائية والبيولوجية والفلكية حتى لا نغترب عن عصرنا ونعيش في عصور السلف الماضين وفق المعارف المحدودة لعصورهم السابقة فهم مثلا لم يفهموا قانون الجاذبية أو النسبية ولا تصوروا كروية الارض ولا أدركوا حياة النجوم والكواكب، ولا علموا شيئا اسمه الغلاف الجوي وكانوا يعتقدون أرضهم التي يمشون عليها مسطحة على قرني ثور لكن وحتى لا نظلم السلف فهم لم يخطئوا لآن مغارف العالم آنذاك كانت معارف بسيطة وبدائية ولهذا فإن قراءاتهم لنص الوحي وما فهموه منه كانت وفق حدهم الفكري والمعرفي وما انتهى اليه علمهم، فهم لم يكونوا ليتخيلوا ولا في الأحلام ما وصل اليه الانسان من تقدم علمي لا يخطر على بال أذكى أذكياء العصور الوسطى من اكتشاف للطائرات والسيارات ومن ذلك انهم لم يكن بإمكانهم تخيل مسألة المواطنة وحقوق الانسان وما يتعلق بذلك من أحكام أهل الذمة وفرض الجزية على اليهود والنصارى، فكيف العمل الآن وقد تغلب هؤلاء على اراضي العرب و المسلمين، بل أصبح اليوم من المسلمين يهود وظيفيون كما سماهم عبد الوهاب المسيري صاحب موسوعة اليهود واليهودية.
ولم يكن السلف يتخيلون العقوبات البديلة عن العقوبات الجسدية من قطع الايادي في حالة السرقة وقطع الأرجل من خلاف في حالة حد الحرابة، ولا في حالة رجم الزاني في حالة الإحصان وذلك بالظبط ما فعلته داعش في دولة خلافة الظلام والرعب وقد كانت دولة داعش حقيقة على شاكلة دول الإسلام السابقة فعلا مثل الدولة العباسية مع ابو منصور السفاح الذي أعطى الأمان للأمراء الأمويين واستظافهم على مائدته لكنه غدر بهم وقتلهم جميعا وجلس يكمل طعامه على جتثهم وكذلك كانت الدولة الاموية التي ضرب فيها الحجاج الكعبة بالمنجنيق وقتل التابعين بالحرم وكذلك الدولة الصفوية والسلجوقية والزنكية والمملوكية ففي مثل هذه الدول قطعت الرؤوس لأتفه الأسباب وعلقت على الحراب وعلى الأبواب في مداخل المدن وعواصم الحواضر الاسلامية وكل مشاهد الرعب كان يراها الأطفال والنساء.
وفي تعليق لمحمد أبو زهرة شيخ الأزهر في الخمسينيات والذي اعتبر مجتهداً مطلقاً على حادثة يقول فيها إنه لا يصدق حادثة “العرنيين” وهي حادثة روتها أحد كتب الحديث الصحيح جاء فيها أن النبي ص أمر بقتل مجموعة يسمون العرنيين لأنهم أسلموا وارتدوا وقتلوا الرسل الذين أرسلهم إليهم ليعلموهم الدين وقد كانت الطريقة التي تقول القصة إن النبي قد أمر باتباعها في قتلهم وهي منع الماء عنهم حتى يموتوا عطشاً و إنه قد بلغ بهم العطش مبلغاً جعل أحدهم يكدم الأرض بأنفه ثم ، تم قطع أرجلهم وأيديهم من خلاف وفقأت أعينهم وتركوا في الصحراء وقد أنكرها الشيخ أبو زهرة ولو روتها الصحاح الستة ومنهجيته في الرفض تقوم على أن الحديث الصحيح حديث ظني لأنه حديث آحاد أما رحمة النبي فهي قاعدة عامة معلومة بالضرورة وهي تتناقض مع إقرار عقوبة على هذه الدرجة من القسوة . ولما كان التعارض بين ظني وهو الحديث الصحيح وقطعي وهو رحمة النبي وجب تقديم القطعي على الظني.
كما أن السلف الصالح والسلف الطالح لم يكونو ا ليتخيلوا المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات وفق معايير الاعلان العالمي لحقوق الانسان ، ولا فيما يتعلق بذلك من عالم لا يوجد به عبيد أو جواري ولا في عالم لا توجد به غنائم حرب.
ولكن ورغم ذلك فكل القراءات السابقة هي قراءات صحيحة في وقتها لانها بنت زمانها ولا يمكن محاكمتها بميزان العصر الحديث، والحكم عليها أحكاما سلبية، لأن كل دول وشرائع العصور الوسطى كانت لها نفس المعايير في إباحة الغزو وتملك العبيد والاستمتاع بالجواري والغلمان ومعاملة الأخر الأسير أو المغلوب معاملة قاسية وذليلة ودنيئة وأحيانا دموية لأن مفهوم الانسانية لم يكن قد تشكل وتبلور بعد في التاريخ البشري إلا مع حلول عصر الانوار واوائل القرن 18 ميلادي طبعا الأسلام الأصلي المجرد من التاريخ الذي توالى عبر العصور هو إسلام أعلن وأقر مبادئ سامية في غاية الكمال والانسانية فقد حرم قتل الموءودة وشجع على تحرير العبيد وعتق الرقبة ككفارة عن الذنب وحث على مكارم الأخلاق والمساواة.
وبالتالي فأن كل الفقه الذي يتحدث عن العبيد والجواري و ملك اليمين لم يعد له مبرر للوجود أو أهمية وفعالية في سياق العالم الحديث لأن كل القوانين الدولية تعتبرها جرائم حرب يعافب مرتكبوها، ولا تسقط بالتقادم فهي جرائم ضد الانسانية، ولم يعد بالامكان أخلاقيا إجبار امرأة، قتل زوحها أو آبوها أو أهلها في الحرب على النوم في فراشك، كما فعل الدواعش مع اليزيديات في العراق،
ذلك كان ممكنا ومقبولا في الماضي فرضته الظروف والأحداث ولم يكن أحد من العالمين يستنكر ذلك وقد فعلته وقامت به كل الحظارات السابقة مثل الدولة الرومانية والفارسية والفينيقية والآشورية والأكادية والبابلية والفرعونية.
ومن جهة أخرى، فحد السرقة كذلك لم يعد معمولا به في أغلب الدول الاسلامية والعربية لأن مثل هذه العقوبة أصبحت غير مقبولة لبشاعتها وقسوتها فالتقاضي في قوانين العالم اصبح علي درجات وأنه أصبح بإمكان القاضي الابتدائي الحكم بالإدانة والقاضي الاستئنافي الحكم بالبراءة فما العمل إذا قطعت الأيدي وظهرت بعد الأحكام أدلة على البراءة هل يمكن إعادة الأيدي لمن قطعت يداه، وماذا تفعل الدولة بالمعاقين قسرا وذوي الاحتياجات الخاصة وهم لم يخلقوا كذلك مع التنويه اللازم إلى الاحترام والتقدير لهذه الفئة من الناس التي وجب على الدولة المدنية حمايتهم معنويا وماديا.
والأمثلة؛ على فقه الكوارث كثيرة لاتعد أو تحصى رغم أنه و َللإنصاف لم يكن كل التراث الفقهي على هذا الشكل ولذلك لا يمكن رفضه جملة وتفصيلا دون تمحيص وتمييز لأنه كانت هناك منارات اجتهادية سبقت عصرها مثل الإمام الشاطبي صاحب الموافقات والاعتصام ومؤسس الفقه المقاصدي وغيره من الإئمة يطول بنا تعدادهم وذكر أسمائهم لكن هذه الاجتهادات كانت ومضات استثنائية تظهر بين قرن وآخر.
ولكن ومع ذلك فإن إلحاحية فقه جديد تفرض نفسها بقوة ومن ذلك فقه نسوي حداثي يراعي الخصوصية ويعطي للأشخاص الحق والحرية في التصرف في أجسادهم بعقلانية َوحكمة وفق الفطرة الانسانية التي فطر الله الناس عليها ومن ذلك إمكانية التبرع بالأعضاء وقضية الاجهاض أوكد واسطر مائة مرة على أن هذا الاجتهاد لابد له من مراعاة الأسس والأصول والثوابت المعلومة من الدين بالضرورة ، وما كان مخالفا منها للعقل والحس السليم وجب تأويله والحفاظ على المقصد والهدف من ورائه لان الشريعة أنما قصدت تحقيق المصالح و كما قال ابن الجوزي حيثما مصلحة فتم شرع الله لأن الله لا يكلف عباده بما لا يطيقون أو لا يفهمون وقد خاطبهم بلغتهم التي يفهمونها ، كما قرر الفقهاء المجتهدون المستنيرون أن حفظ الأبدان أولى من خفظ الأديان ،لأنه لا يمكن بغير الأجساد تحقيق العبادات والطاعات وبدون الأبدان لا يمكن أتيان قيام ولا صلاة ولا حج أو زكاة فالله تبعا لذلك يعرف من خلال خلقه.
لذلك فإنه لزاما علينا إعادة قراءة القرآن قراءة تدبرية َ باستعمال كل أدوات الفهم قال الله تعالى : (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق) صدق الله العظيم،
فالله هنا يدعونا للسير في الأرض كما سار ابن بطوطة والشريف الادريسي وكما تأمل ماندل في الجينات الوراثية والنباتات وكما سار كل الباحثين والعلماء الذين أصاب بعضهم وأخطأ البعض الآخر وكما تأمل ابن فرناس في الطيور وهي تطير فطار مثلهم وسقط فمات شهيدا للعلم.
لذلك فهي دعوة الله للمعرفة من خلال الكون والمحاكاة والتأمل والبحث والنظر في المخلوقات ولكننا حرفنا كل ذلك واستبدلناه بقراءات استكانية نكررها ونرددها صباح مساء كالببغاوات دون أن نعمل أو نعلم عن أسرارها وجواهرها شيء فظل القرآن حبيسا في الصدور دون أن ينتقل إلى العقول فهو على قلوب أقفالها ، نعم للقرآن قراءات تعبدية وزهدية هي ضرورية لتمام العبادات لكنها لا يجب أن تلغي بالمرة القراءة التدبرية التحليلية.
لذلك فإن الدعوة هي أن نرجع للقرآن كأصل لا يتطرق له الشك، محمي بالإرادة الربانية من التحريف لا يتطرق إليه الشك من بين يديه ولا من خلفه لأنه كما نزل لا زال، قال الله تعالى :(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) صدق الله العظيم.
يحب أن نخرح القرآن من الرفوف ونزيل عنه الغبار و أن نخرجه من الصدور غير الواعية إلى العقول المستنيرة ونبعده عن الافهام المثقلة بخرافات وأساطير التاريخ والفتن حول الدابة والدجال الأعور والمهدي المتتظر. وبالمناسبة يجب تنقية وتصفية الحديث النبوي الشريف من الأحاديث التي لا تلزم والتي تسيء للدين وإلى النبي الأكرم من مثل حديث ذكره البخاري في صحيحه عن محاولة النبي الانتحار لما انقطع عنه الوحي وكيف ذلك وقد قال الله تعالى : والله يعصمك من الناس) وقال أيضا :(وإنك لعلى خلق عظيم).
لذلك فمحلولة انتحار النبي أمر لا يستقيم منطقا وعقلا وواقعا، وكذلك حديث تميم الداري الغريب العجيب فقد روي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت : سَمِعْتُ نِدَاءَ الْمُنَادِي ، مُنَادِى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، يُنَادِي ( الصَّلاَةَ جَامِعَةً ). فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَكُنْتُ فِى صَفِّ النِّسَاءِ الَّتِى تَلِى ظُهُورَ الْقَوْمِ ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَتَهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ ، فَقَالَ لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلاَّهُ . ثُمَّ قَالَ أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ؟.
قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ :« إِنِّى وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلاَ لِرَهْبَةٍ ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لأَنَّ تَمِيماً الدَّارِىَّ كَانَ رَجُلاً نَصْرَانِيًّا فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ ، وَحَدَّثَنِى حَدِيثاً وَافَقَ الَّذِى كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ ، حَدَّثَنِى أَنَّهُ رَكِبَ فِى سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مَعَ ثَلاَثِينَ رَجُلاً مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ ، فَلَعِبَ بِهِمُ الْمَوْجُ شَهْراً فِى الْبَحْرِ ، ثُمَّ أَرْفَئُوا ( أي : التجؤوا ) إِلَى جَزِيرَةٍ فِى الْبَحْرِ حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ ، فَجَلَسُوا فِى أَقْرُبِ السَّفِينَةِ ( وهي سفينة صغيرة تكون مع الكبيرة كالجنيبة يتصرف فيها ركاب السفينة لقضاء حوائجهم ، الجمع قوارب والواحد قارب ) فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ ( أي : غليظ الشعر ) كَثِيرُ الشَّعَرِ ، لاَ يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ ، فَقَالُوا : وَيْلَكِ مَا أَنْتِ ؟ فَقَالَتْ : أَنَا الْجَسَّاسَةُ ( قيل سميت بذلك لتجسسها الأخبار للدجال ) . قَالُوا : وَمَا الْجَسَّاسَةُ ؟ قَالَتْ : أَيُّهَا الْقَوْمُ ! انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِى الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالأَشْوَاقِ . قَالَ لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلاً فَرِقْنَا ( أي خفنا ) مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً ، قَالَ فَانْطَلَقْنَا سِرَاعاً حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ ، فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقاً، وَأَشَدُّهُ وِثَاقاً ، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ ، مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ ، قُلْنَا : وَيْلَكَ مَا أَنْتَ ؟ قَالَ : قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِي ، فَأَخْبِرُونِي مَا أَنْتُمْ ؟ قَالُوا : نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ ، رَكِبْنَا فِى سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ ، فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ ( أي هاج ) ، فَلَعِبَ بِنَا الْمَوْجُ شَهْراً ، ثُمَّ أَرْفَأْنَا إِلَى جَزِيرَتِكَ هَذِهِ ، فَجَلَسْنَا فِى أَقْرُبِهَا ، فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ ، فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ لاَ يُدْرَى مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ ، فَقُلْنَا : وَيْلَكِ مَا أَنْتِ ؟ فَقَالَتْ : أَنَا الْجَسَّاسَةُ . قُلْنَا : وَمَا الْجَسَّاسَةُ ؟ قَالَتِ : اعْمِدُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِى الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِاْلأَشْوَاقِ . فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعاً ، وَفَزِعْنَا مِنْهَا وَلَمْ نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً ، فَقَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ . قُلْنَا : عَنْ أَىِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ ؟ قَالَ : أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا هَلْ يُثْمِرُ ؟ قُلْنَا لَهُ : نَعَمْ . قَالَ : أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لاَ تُثْمِرَ . قَالَ : أَخْبِرُونِى عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ ؟ قُلْنَا : عَنْ أَىِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ ؟ قَالَ : هَلْ فِيهَا مَاءٌ ؟ قَالُوا : هِىَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ . قَالَ : أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ . قَالَ : أَخْبِرُونِى عَنْ عَيْنِ زُغَرَ ؟ ( وهي بلدة تقع في الجانب القبلي من الشام ) قَالُوا : عَنْ أَىِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ ؟ قَالَ : هَلْ فِى الْعَيْنِ مَاءٌ ؟ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ ؟ قُلْنَا لَهُ : نَعَمْ ، هِىَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا . قَالَ : أَخْبِرُونِى عَنْ نَبِىِّ الأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ ؟ قَالُوا : قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ . قَالَ : أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ . قَالَ : كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ وَأَطَاعُوهُ ، قَالَ لَهُمْ : قَدْ كَانَ ذَلِكَ ؟ قُلْنَا نَعَمْ . قَالَ : أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ ، وَإِنِّى مُخْبِرُكُمْ عَنِّي ، إِنِّى أَنَا الْمَسِيحُ ، وَإِنِّى أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِى فِى الْخُرُوجِ ، فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِى الأَرْضِ فَلاَ أَدَعَ قَرْيَةً إِلاَّ هَبَطْتُهَا فِى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا ، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً أَوْ وَاحِداً مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِى مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتاً يَصُدُّنِى عَنْهَا ، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلاَئِكَةً يَحْرُسُونَهَا . قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم – وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِى الْمِنْبَرِ – : هَذِهِ طَيْبَةُ هَذِهِ طَيْبَةُ هَذِهِ طَيْبَةُ . يَعْنِى الْمَدِينَةَ أَلاَ هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذَلِكَ ؟ . فَقَالَ النَّاسُ :نَعَمْ .
فَإِنَّهُ أَعْجَبنِى حَدِيثُ تَمِيمٍ أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِى كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ ، أَلاَ إِنَّهُ فِى بَحْرِ الشَّامِ أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ ، لاَ بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ ما هُوَ ، مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ ، مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ ( قال القاضي : لفظة ( ما هو ) زائدة ، صلة للكلام ، ليست بنافية ، والمراد إثبات أنه فى جهات المشرق ) وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ . قَالَتْ فَحَفِظْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ).
ولذلك فالواجب أن يحكم القرآن السنة لا أن تحكم السنة القرآن ، وهي في الدرجة الثانية بعد الوحي المعصوم وقد جعل الفقهاء الأحاديث الآحاد الظنية الثبوث تنسخ القرآن في جراءة غير معقولة على كلام الله، حتى إنهم نسخوا تقريبا جل القرآن المكي، بما فيه من قيم التسامح وحرية المعتقد وصفاء العقيدة التوحيدية النقية، بأحاديث رويت بعد قرنين من الزمان بعد وفاة الرسَول يستحيل علميا نقلها من جيل الى جيل حرفيا دون أن يتغير المعنى، رغم الحرص على الضبط ونقاوة الإسناد، ناهيك على أن كثيرا من الرواة شاركوا في الحرب والفتن واستفاد بعضهم من السلطة كالصحابي الجليل أبي هريرة الذي قال قلوبنا مع علي وسيوفنا مع معاوية.
وقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا أنه قال : ( حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين ، أما أحدهما فبثثته ، وأما الآخر فلو بثثته قُطِعَ هذا الحلقوم ) وهذا دليل على أنه لم يكن قادرا على قول كل ما يعلم عن الرسول لأنه كان خائفا على نفسه من القتل. فآثر السلامة رحمه الله ورضي عنه.
يجب علينا أن نقرأ القرآن وكأنه نزل علينا الآن للتو، غضا طريا ساخنا وكأننا نسمعه من فم الرسول الكريم مباشرة فنفهمه كما نزل ليس بيننا وبينه لا شافعي ولا مالك ولا الغزالي ولا ابن كثير ولا الطبري ولا غيرهم من العالمين، هؤلاء الفقهاء والعلماء الكبار يمكن الاستفادة منهم في أمور البحث العلمي ومقارنة أفاهامهم وتفسيراتهم مع أفهامنا وتفسيراتنا هم فطاحلة جهابدة ، لا نغبطهم حقهم التاربخى علينا لكن علينا حتما أن نخرج من تحت عباءتهم وجلبابهم فقد بلغنا الرشد وقد قال علي كرم الله وجهه لا تكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم.
أو كما قال جبران خليل حبران أبناؤكم ليسو لكم أبناؤكم أبناء الحياة ، لكل جيل الحق بأدواته أن يفهم كلام الله وفق أصول واسس الكلام والفهم، لأنه ليس من المعقول أن نطلب من البهائم أن تفهم أو تترجم كلام البشر ولأنه لابد من امتلاك أدوات العلم والفهم حتى لا تقع الفوضى ويفتي ويقول في الناس كل من هب ودب وفق ضوابط ومقاييس علمية. لكن في أمور الإيمان والتجارب الرَوحية يحب أن ننصت لله مباشرة فهو يحبنا ويخاطبنا نحن مباشرة وبدون وسائط أو فقهاء أو كهنة لأنه أقرب إلينا من حبل الوريد ولأنه حيثما كنتم فهو معكم ولأن السماوات والأرض مطويات بيمينه فهو محيط بنا ولسنا شيئا بدونه فما نحن إلا ظلال أسمائه نقَوم بقيوميته ونصمد بصمديته هو يرانا وقريب منا أقرب من أنفاسنا يخاطب كل واحد منا لوحده ، فحتى الجدة كانت تفهم عن الله ولم تكن تحتاح الى علم صرف أو نحو لأنها كانت تقول بكل ثقة دائما أن الله يوجد في قلوب المؤمنين وقد سأل النبي ﷺ جارية جاء بها سيدها ليعتقها، فقال لها الرسول ﷺ: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة رواه مسلم في الصحيح،
ويروى أن الفخر الرازي مر في الطريق وحوله أتباعه وتلامذته الكثيرون فرأته عجوز مؤمنة في جانب الطريق فسألت:من هذا؟ فقالوا: هذا الفخر الرازي الذي يعرف ألف دليل ودليل على وجود الله تعالى ,فقالت :لو لم يكن عنده ألف شك وشك.
لما احتاج إلى ألف دليل ودليل, فلما سمع الفخر الرازي بذلك.
قال: اللهم ايمانا كإيمان العجائز…
كما يروى عن سيدي عمر بن الخطاب أنه دعا الله أن يرزقه إيماناً كإيمان العجائز:
وفي هذا حجة على صحة إيمان العجوز البسيط لأنها لا تحتاج إلى دليل علي الوحدانية.
لنفتح أعيينا وقلوبنا بصدق وسنرى الله أمامنا متجليا في الكون والعالم تجليات ظاهرة للعيان.
وقد جاء في الحديث القدسي أنا الله عزَّ وجلَّ قال : أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي، واللَّهِ لَلَّهُ أفْرَحُ بتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِن أحَدِكُمْ يَجِدُ ضالَّتَهُ بالفَلاةِ، ومَن تَقَرَّبَ إلَيَّ شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، ومَن تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا، تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإذا أقْبَلَ إلَيَّ يَمْشِي، أقْبَلْتُ إلَيْهِ أُهَرْوِلُ).
وقال أيضا:(…. ومازال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها وقدمه التي يمشي بها…).
خلاصة القول هي أن كلام الله لم ينزل لفتزة دون أخرى وإنما نزل لكل البشر ولكل الأزمان وكل عصر يفهم منه ما وصل إليه من علم لأن كلام الله لا تنتهي أسرار ه ومكنوناته وجواهره، قال الله تعالى :(قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَٰتِ رَبِّى لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَٰتُ رَبِّى وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِۦ مَدَدًا) صدق الله العظيم.
تعليقات الزوار ( 0 )