شارك المقال
  • تم النسخ

منطق كورونا يقوض منطق الانتقال الديمقراطي !

“لا تبقى في بيتك، انزل إلى الشارع”، قبل عشر سنوات كان هذا هو الشعار الذي جعل الناس تحتج على حكومات بلادها، مشهد بدا من تونس ومصر وسوريا وليبيا والبحرين واليمن والمغرب، وبلغ مداه فينزويلا وفرنسا، قبل ان يعود إلى الجزائر ولبنان. طيلة تلك السنوات بات معظم المهتمين والمتابعين مقتنعين أننا نعيش عصر الانتقال الديمقراطي بامتياز، حيث سطوة أصوات الناس تصدر في الشوارع حاملة آمالهم وطموحاتهم، وحيث التواصل الاجتماعي ومنصاته مفتوحة أمام كل الشعارات ذات الصلة.

اليوم، وبعد أقل من ثلاثة أشهر من السنة الجديدة، بات الشعار الساري الغالب هو “ابق في بيتك”، فأي تجمع بشري ولو كان احتجاجا على الحكومة قد يكون ثمنه جلب الموت الزؤام إلى طيف واسع من الناس، لأن فيروس كورونا المستجد من شانه أن يؤدي إلى وأد وإبادة الآلاف من المسنين وأصحاب الأمراض المزمنة. واقع تفاقم مع إصرار الإسبان على سبيل المثال على الانصياع لمنطق الديمقراطية بدل منطق التزام البيت الذي بات يفرضه كورونا، حيث النزول إلى مظاهرة نسائية جعل ضحايا الفيروس يزدادون بشكل لافت ومخيف.

إن منطق تخويف الناس من النزول إلى الشوارع والتكاثف في الساحات، كان شيئا مستهجنا إلى الأمس القريب حينما تلجأ إليه الحكومات في أي بلد يشهد احتجاجات من أجل الديمقراطية، واليوم بات الناس هم أنفسهم يستعملون وسائل التواصل الاجتماعي لكي يحضروا على التزام البيوت، بل إن المفارقة أن الكثيرين يطالبون الحكومات اليوم بأن تلجأ سريعا إلى مصادر حق التجول، والإعلان السريع عن حالة الطوارئ وحضر التجوال!. إنه الخوف على الحياة والحرص على البقاء، أمام مرض مصر على أن “البقاء أمامه لن يكن إلا للأقوى والأصلح”.

لا تقف مفارقة تقويض الكورونا لمنطق الانتقال الديمقراطي وهواجس الحرية عند هذا الحد، ففي الصين على سبيل المثال لم يكن البلد لينجو لولا خبرة “الاستبداد” التي لطالما استهجنها الفكر السياسي الغربي الحديث والمعاصر، وحتى توابعه من الفكر العربي المشبع بروح “المركزية الأوروأمريكية”. بدأت أصوات تتعالى هنا وهناك منادية بأن الانضباط السكاني في الصين ما كان ليسمح بالحجر الصحي على ستين مليون إنسان لولا هذا “الاستبداد” الذي أصبح أمام منطق كورونا “حميدا”.

في الصين ثمة استثمار لتكنولوجيا الاتصال والمعلومات على نحو غير مسبوق في بلاد في الأرض، فالحكومة الصينية تعرف أدق التفاصيل عن مواطنيها، عبر ملايين الكاميرات المركونة في كل شوارع مدنها وقراها، وهي البلاد التي تكاد حكومتها تتحول إلى ما يشبهه البعض بـ”الهة رقمية”!، فهي تعرف كل شيء عن مواطنيها، معلوماتهم الشخصية وتفاصيل تركاتهم وبياناتهم القضائية والمالية، وحتى مشاعرهم وانفعالاتهم، كل شيء مخزن في البيانات الرقيمة، ويمكن استعماله في أي وقت، وبسبب هذا العامل تمكنت الحكومة الصينية من الوقوف في وجه واحد من أفتك أمراض العصر.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي