كشفت مجلة “La Revue Afrique” الفرنسية عن معطى جديد يُعيد خلط الأوراق في شمال إفريقيا، إذ أعلنت عن تنظيم مناورات عسكرية مشتركة ستحتضنها الجزائر في الفترة ما بين 21 و27 ماي الجاري، بمشاركة كل من الجزائر، ليبيا، تونس، وجبهة البوليساريو الانفصالية.
واستنادا إلى المصادر ذاتها، فإن الحدث، رغم طابعه العسكري، لم يخلُ من رسائل سياسية مشحونة، كان أبرزها انسحاب مصر من التمرين فور علمها بمشاركة البوليساريو.
وبحسب المجلة، فإن القاهرة، التي عززت علاقاتها مؤخرًا مع المغرب على عدة أصعدة سياسية وأمنية واقتصادية، اعتبرت مشاركة البوليساريو في المناورات “تجاوزًا لخط أحمر” في ظل دعمها الصريح لوحدة المغرب الترابية.
موقف مصري واضح في لحظة توتر إقليمي
واعتبرت المجلة ذاتها، أن القرار المصري لم يأتِ من فراغ، بل يُترجم التوجه الإقليمي الجديد للقاهرة، التي باتت ترى في المغرب شريكًا استراتيجيًا في قضايا الأمن الإقليمي، والتكامل الإفريقي، ومواجهة التحديات المشتركة، وفي مقدمتها الإرهاب والهجرة غير النظامية.
وقالت مصادر دبلوماسية مطلعة لمجلة “لاغوفي أفريك”، إن انسحاب مصر جاء بعد مشاورات رفيعة المستوى بين القاهرة والرباط، في إشارة إلى وجود تنسيق مسبق وخطوط تواصل مفتوحة بين العاصمتين.
البوليساريو… من الجبهات العسكرية إلى مناورات رمزية
وتعد مشاركة البوليساريو في هذه المناورات العسكرية، إن تأكدت رسميًا، سابقة من نوعها من حيث الشكل والمضمون، خاصة في ظل اعتبار الجبهة من طرف المغرب تنظيمًا انفصاليًا مسلحًا لا يمتلك صفة “جيش نظامي”، ما يجعل إشراكه في تدريبات عسكرية نظامية بمثابة رسالة استفزازية موجهة للرباط.
والمغرب لم يصدر، حتى كتابة هذه السطور، موقفًا رسميًا تجاه الإعلان، غير أن رد الفعل المصري قد يُقرأ كـ”رد غير مباشر” يعكس رفضًا جماعيًا من بعض العواصم العربية للمحاولات الجزائرية لتدويل نزاع الصحراء المغربية من بوابة التعاون العسكري.
تونس وليبيا… بين الجغرافيا والاصطفاف
ومشاركة تونس وليبيا في هذه المناورات قد تُفسر على ضوء الحضور الجغرافي والسياسي المعقد في المنطقة، إذ تواجه كل من طرابلس وتونس ضغوطًا اقتصادية وأمنية تجعل تموضعهما في مثل هذه التمارين محل جدل داخلي وخارجي.
ويرى محللون أن الحياد الإيجابي كان بإمكانه أن يكون خيارًا أفضل لتونس تحديدًا، في ظل علاقاتها التاريخية مع المغرب وسعيها لإبقاء مسافة من الخلافات الجيوسياسية.
الجزائر ورسائل عسكرية موجهة للخارج
وتأتي هذه المناورات أيضًا في وقت تصعّد فيه الجزائر من خطابها السياسي تجاه المغرب، وتحرص على تقديم البوليساريو كـ”شريك إقليمي”، في محاولة لكسب شرعية عسكرية للجبهة أمام المجتمع الدولي.
لكن الانسحاب المصري قد يُفشل هذا المسعى ويظهر الجبهة كعامل انقسام بدلًا من كونها عنصر توحيد، ما قد يعزز عزلة الطرح الانفصالي على مستوى المنطقة العربية.
وتبدو شمال إفريقيا اليوم أمام تحركات عسكرية تحمل مضامين سياسية عميقة. وبين مناورات تُجرى على حدود التوتر، وقرارات انسحاب تُترجم تحالفات استراتيجية، يظل الملف الصحراوي محكًّا حقيقيًا لاختبار مواقف الدول العربية والإفريقية.
ويبقى السؤال المطروح:هل تعيد هذه المناورات ترسيم معسكرات النفوذ في المنطقة؟ أم تكون مجرد فقاعة عسكرية في محيط دبلوماسي متقلب؟
تعليقات الزوار ( 0 )