صنفت المنظمة العالمية للصحة يوم 11 مارس 2020 وباء كورونا (كوفيد 19) كجائحة بعدما لم يعد مقتصرا على منطقة جغرافية واحدة ووصل إلى معظم أرجاء المعمور. وقد عملت جميع الدول، بكل الوسائل المتاحة، على مواجهته باتخاذ مجموعة من التدابير التي اختلفت من بلد لآخر. في هذا الصدد لم يكن المغرب استثناء. فمنذ ظهور الحالات الأولى للإصابة على التراب الوطني اتخذت السلطات المغربية العديد من التدابير والإجراءات على جميع الأصعدة لمواجهة هذه الجائحة. فكان من الضروري، مع تفاقم الوضع تدريجيا، البحث عن مخرج قانوني يضفي الشرعية على هذه الإجراءات والتدابير، خصوصا وأن جزءا كبيرا من هذه الإجراءات يتعلق بتقييد بعض الحقوق والحريات. فشكلت مسألة التوفيق بين هذا التقييد وضمان حقوق أخرى مرتبطة بصحة المواطنين الهاجس الأكبر. وفي غياب أي مخرج دستوري مناسب لهذه الوضعية الوبائية تم الاستناد على حل قانوني صرف يعطي للحكومة شرعية التدخل لمواجهة هذه الأزمة، وذلك عن طريق المرسوم بقانون رقم 2.20.292المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها والمرسوم رقم: 2.20.293 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا-كوفيد19.
1- الإطار الدستوري والقانوني
منذ الأيام الأولى لتفشي هذه الجائحة، ونظرا للتهديد الذي تشكله على صحة المواطنين تعالت بعض الأصوات مطالبة بتطبيق أحكام الدستور سواء تلك المتعلقة بحالة الاستثناء أو تلك المرتبطة بحالة الحصار. في هذا المحور سنحاول أن نبين أن الأمر لا يتعلق بتاتا بهاتين الحالتين وذلك لعدم توافر الشروط الموضوعية لتطبيق إحداهما. بل إن الأمر يتعلق بحالة خاصة لم تتطرق لها أحكام الدستور سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهي حالة تتطلب تدخل السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية كل واحدة في مجال اختصاصاتها.
– حالة الاستثناء:
تنص الفقرة الأولى من الفصل 59 من الدستور المغربي لسنة 2011 على أنه“إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة، أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية، أمكن للملك أن يُعلن حالة الاستثناء بظهير، بعد استشارة كل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ورئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب إلى الأمة.“. وبالتالي فإن إعلان حالة الاستثناء بالبلاد ترتبط بتحقق مجموعة من الشروط الموضوعية ووفقا لمجموعة من الشروط الشكلية.
فبخصوص الشروط الموضوعية المتعلقة بإعلان حالة الاستثناء، ربط المشرع الدستوري إعلان حالة الاستثناء بتهديد حوزة الوطن، أو وقوع أحداث من شأنها عرقلة السير العادي للمؤسسات الدستورية. ومنه فحالة الاستثناء هي حالة تمنح للملك صلاحية اتخاذ الإجراءات التي يفرضها الدفاع عن الوحدة الترابية، ويقتضيها الرجوع، في أقرب الآجال، إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية (الفقرة الثانية من الفصل 59).
أما فيما يتعلق بالشروط الشكلية لإعلان حالة الاستثناء فقد حددها المشرع الدستوري في استشارة الملك لكل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ورئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب إلى الأمة. كما أن حالة الاستثناء ترفع (تنتهي) باتخاذ الإجراءات الشكلية نفسها المقررة لإعلانها(الفقرة الأخيرة من الفصل 59).
وفي هذا الصدد ينبغي الإشارة إلى أن المشرع الدستوري نص صراحة على أن الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها دستوريا تبقى مضمونة خلال مدة سريان حالة الاستثناء. إضافة إلى ذلك فإنه لا يتم حل البرلمان رغم أن جميع السلطات تتركز بين يدي المؤسسة الملكية طيلة هذه الفترة (الفقرة الأخيرة من الفصل 59).
– حالة الحصار:
أورد المشرع الدستوري لسنة 2011 حالة الحصار في موضعين اثنين، الأول يتعلق بالفصل 74 من الدستور الذي نص على أنه ” يمكن الإعلان لمدة ثلاثين يوما عن حالة الحصار، بمقتضى ظهير يوقعه بالعطف رئيس الحكومة، ولا يمكن تمديد هذا الأجل إلا بالقانون”. أما الموضع الثاني فيتصل بالقضايا والنصوص التي يتداول فيها المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك والتي حددها الفصل 49 من الدستور ومن بينها إعلان حالة الحصار.
ومن خلال قراءة هذين الفصلين يمكن أن نستنتج أن المشرع الدستوري وإن كان قد حدد الشروط الشكلية لإعلان حالة الحصار والمتمثلة أساسا في إعلانها بواسطة ظهير يتخذه الملك ويوقعه بالعطف رئيس الحكومة بعد تداول الأمر في مجلس وزاري، فإنه أغفل الإشارة إلى الشروط الموضوعية الواجب تحققها من أجل إعلان هاته الحالة. وعموما فإن حالة الحصار، حسب ما هو متعارف عليه، تعبر عن وضع استثنائي ومؤقت، يتم الإعلان عنها حين يكون أمن الدولة ومؤسساتها في خطر، نتيجة عصيان أو تخريب أو عنف داخلي أو خارجي أو حين تتعرض سيادة الدولة لخطر خارجي داهم. ويتم خلالها نقل السلطات من الحكومة المدنية، مؤقتا، إلى السلطات العسكرية، التي تسهر بدورها على تأمين النظام العام بكل الوسائل المتاحة بما في ذلك تقييد الحقوق والحريات. وتجدر الإشارة إلى أنه في المغرب سبق للملك الراحل الحسن الثاني أن أعلن عنها دون تطبيقها جراء الأحداث والتوترات التي صاحبت حرب الخليج في بداية تسعينيات القرن الماضي.
– حالة الطوارئ الصحية:
لما كان النص الدستوري لم يسعف السلطات المغربية للاعتماد عليه من أجل التصدي لهذه الجائحة كان من اللازم عليها أن لا تبقى مكتوفة الأيدي أمام التوقعات التي كانت تنبئ بتدهور الوضع الوبائي. وهكذا شرعت في اتخاذ مجموعة من الإجراءات الوقائية الكفيلة بالتقليل من وطأة انتشار الوباء، فعلقت الدراسة بمختلف الفصول وعلقت الرحلات الجوية والبحرية بالخارج تدريجيا، ثم عملت على إغلاق المساجد والمقاهي والمطاعم إلى غير ذلك من الإجراءات الأخرى، إلى أن أعلنت وزارة الداخلية في بلاغ لها يوم الجمعة 20 مارس 2020 عن حالة الطوارئ الصحية في كامل تراب المملكة تمتد إلى غاية 20 أبريل 2020، وذلك دون أن يشير البلاغ إلى أي أساس دستوري أو قانوني لهذا القرار مقتصرا على تأكيد أن الأمر يتعلق بحالة طوارئ صحية لا غير. قبل أن يتم تدارك الأمر بواسطة المرسوم بقانون رقم 2.20.292المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها والذي تم نشره بالجريدة الرسمية بتاريخ 24 مارس 2020، استتبعه المرسوم رقم: 2.20.293 يتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا-كوفيد19 المنشور بالجريدة الرسمية في نفس التاريخ.
ولئن كان الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية يعتبر إجراءا تنظيميا يدخل في صميم اختصاصات الحكومة من أجل الحفاظ على أمن وصحة المواطنين، فإنه يمكن أن نجد له سندا دستوريا ولو بصفة غير مباشرة من خلال الفصل 20 من الدستور الذي ينص على الحق في الحياة، والفصل31 الذي يضمن الحق في العلاج والعناية الصحية، والفصل40 الذي يؤكد على تحمل الجميع للأعباء الناتجة عن الآفات والكوارث الطبيعية، والفصل 72 حيث يختص المجال التنظيمي بكل ما لا يشمله اختصاص القانون مثل تدبير الكوارث الطبيعية والصحية.
2- مضامين المرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها.
تتوزع مضامين هذا المرسوم بقانون على سبع مواد، يمكن عرض أهمها كما سيأتي بيانه:
- يمكن الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية بموجب مرسوم يتخذ باقتراح مشترك للسلطتين الحكوميتين المكلفتين بالداخلية والصحة، يحدد النطاق الترابي لتطبيقها، ومدة سريان مفعولها، والإجراءات الواجب اتخاذها، وذلك كلما كانت حياة الأشخاص وسلامتهم مهددة من جراء انتشار أمراض معدية أو وبائية؛
- على الرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، تقوم الحكومة، خلال فترة إعلان حالة الطوارئ، باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها الحالة، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات؛
- يعاقب على مخالفة عدم التقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 و1300 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين ، وذلك دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد .ويعاقب بنفس العقوبة كل من عرقل تنفيذ قرارات السلطات العمومية المتخذة تطبيقا لهذا المرسوم بقانون؛
- يخول هذا المرسوم بقانون للحكومة، إذا اقتضت الضرورة القصوى ذلك، أن تتخذ، بصفة استثنائية، أي إجراء ذي طابع اقتصادي أو مالي أو اجتماعي أو بيئي يكتسي صبغة الاستعجال، والذي من شأنه الإسهام ، بكيفية مباشرة، في مواجهة الآثار السلبية المترتبة عن إعلان حالة الطوارئ الصحية المذكورة؛
- بموجب هذا المرسوم بقانون يوقف سريان مفعول جميع الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة حالة الطوارئ الصحية، ويستأنف احتسابها ابتداء من اليوم الموالي ليوم رفعها، باستثناء آجال الطعن بالاستئناف الخاصة بقضايا الأشخاص المتابعين في حالة اعتقال، وكذا مدد الوضع تحت الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي.
3- ملاحظات حول تطبيق حالة الطوارئ الصحية في المغرب
يعتبر المرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها والمرسوم رقم: 2.20.293 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا-كوفيد19 النصان القانونيان المؤطران لحالة الطوارئ الصحية بالمغرب. ونظرا لما ورد في المرسوم بقانون من إجراءات مرتبطة بالحد من حريات وحقوق الأفراد خلال هذه الفترة، ونظرا كذلك للارتباك الذي عرفه تدخل الحكومة في مرحلة ما قبل سن هذا المرسوم بقانون، يمكن أن نعرض لمجموعة من الملاحظات العامة التي تهم تطبيق حالة الطوارئ الصحية في المغرب، والتي نوردها كما يلي:
*تاريخ بداية سريان حالة الطوارئ الصحية: يتضح من خلال قراءة مرسوم إعلان حالة الطوارئ الصحية أنه لم يحدد تاريخا معينا لبدء سريان هذه الحالة واكتفى بالتنصيص في مادته الأولى على أنه ” يعلن عن حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني إلى غاية يوم 20 أبريل 2020 في الساعة السادسة مساء”. وهو ما يعني أن بدأ سريان هذه الحالة لن يتم إلا في اليوم الموالي لتاريخ النشر أي 25 مارس 2020. وفي هذا الصدد فقد تباينت مواقف مجموعة من الجهات بخصوص تحديد يوم سريان حالة الطوارئ. فدورية رئيس النيابة العامة رقم 13 بتاريخ 24 مارس 2020 اعتبرت أن فترة حالة الطوارئ تمتد من 20 مارس 2020 إلى 20 أبريل فيما يتعلق بتوقيف الآجال التشريعية والتنظيمية. أما فيما يخص التدابير الزجرية المنصوص عليها في المرسوم بقانون فإن رئيس النيابة العامة أمر بتطبيقها على جميع الأفعال المرتكبة من يوم 24 مارس 2020 وهو تاريخ نشر المرسوم بقانون، وإلى غاية الساعة السادسة من يوم 20 أبريل 2020.
من جهة ثانية اعتبر المحافظ العام على الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية في المذكرة رقم: 06/2020 بتاريخ 25 مارس 2020 أن توقيف الآجال التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها سيتم ابتداء من تاريخ 20 مارس 2020 معتمدا على المادة الأولى من مرسوم اعلان حالة الطوارئ الصحية والتي لا تتضمن اطلاقا تاريخ بداية هذه الفترة. من ناحية أخرى فقد استفطن للأمر نقيب هيئة المحامين بالدار البيضاء حينما وجه بتاريخ 25 مارس 2020 تنبيها هاما وعاجلا لزملائه في المهنة يشدد فيه على أن تاريخ بداية حالة الطوارئ الصحية هو الوم الموالي لتاريخ نشر المرسوم أي 25 مارس 2020.
ويبدو، في غياب أي استدراك للحكومة في هذا الباب، أن الاجتهاد القضائي المقبل هو الجدير بالإجابة على هذه الإشكالية وهذا الارتباك الحاصل في تحديد تاريخ بداية سريان حالة الطوارئ الصحية، خصوصا وأن هذه المرحلة السابقة للنشر عرفت مجموعة من التجاوزات من قبل بعض أعوان السلطة والتي تم توثيقها ونشرها على نطاق واسع.
*وسائل تدخل الحكومة: إذا كانت المراسيم والقرارات والمناشير والبلاغات من وسائل عمل السلطة التنفيذية من أجل تنزيل الإجراءات الخاصة بمواجهة هذا الوباء، فإن منح المناشير والبلاغات قوة قانونية وحجية توازي القوة القانونية والحجية التي تتمتع بها المراسيم والقرارات ليعد أمرا خطيرا. فالحكومة ليست ملزمة بنشر المناشير والبلاغات في الجريدة الرسمية. ومن المعروف أن الوسيلة القانونية الوحيدة للإخبار هي النشر بالجريدة الرسمية، بل إن النشر يعد مبدءا دستوريا ملزما بمنطوق الفقرة الثالثة من الفصل السادس من الدستور التي تنص على أنه:”…
*تعتبر دستورية القواعد القانونية، وتراتبيتها، ووجوب نشرها مبادئ ملزمة”. فليس من المنطقي بتاتا مواجهة المواطنين ببلاغات أو مناشير غير منشورة بالجريدة الرسمية. بل الأخطر من ذلك هو إمكانية اتخاذ إجراءات ماسة بالحقوق والحريات بواسطة مناشير وبلاغات قد لا تنشر على نطاق واسع وقد لا تصل إلى علم المواطنين.
*إمكانية تجاوز الحكومة للأحكام التشريعية والتنظيمية: وهي إمكانية خولها المرسوم بقانون خصوصا المادة الثالثة منه. وهنا لا بد من الإشارة إلى التخوف الحاصل من تغول الحكومة باتخاذ إجراءات تخالف الأحكام التشريعية والتنظيمية، قد تكون غير ضرورية أو غير مناسبة بذريعة التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية أو مواجهة الانعكاسات السلبية لانتشار فيروس كورونا. وهذا ما حدث بالفعل مع منشور رئيس الحكومة رقم: 03/2020 بتاريخ 25 مارس 2020 بخصوص تأجيل الترقيات وإلغاء مباريات التوظيف.
*الحد من حريات وحقوق المواطنين: إذا كان من المفهوم أن يتم الحد من حريات وحقوق المواطنين خلال فترة الطوارئ الصحية للحد من انتشار الوباء خصوصا تلك المتعلقة بحرية التنقل، فإنه من غير المستساغ أن يتم ذلك عن طريق مجرد بلاغ من وزارة الداخلية (مثلا). وهنا ينبغي التأكيد على أن أي تقييد لهذه الحريات يجب أن يكون بقدر الحاجة إليه لدرء أي تعسف من قبل السلطات.
*باحث في القانون الدستوري وعلم السياسة
تعليقات الزوار ( 0 )