أعادت التصريحات الأخيرة للرئيس الموريتاني حول موقف بلاده من النزاع في الصحراء المغربية ملف العلاقات المغربية الموريتانية إلى الواجهة، إذ عبّر ولد الغزواني الجمعة المنصرم أن موقف بلاده من النزاع في الصحراء ثابت ولم يتغير، وأن موقف “الحياد الإيجابي” الذي تتبناه موريتانيا يعد من ثوابت السياسة الخارجية للبلد.
إلى غاية هذا الحد يبدو هذا التصريح/الموقف عاديا ما دامت السياسة الخارجية الموريتانية تجاه ملف الصحراء لم تتغير على أرض الواقع منذ أن وقعت مع جبهة البوليساريو اتفاقية سلام سنة 1979، حيث دأب صناع القرار في نواكشوط على اعتماد سياسات ومواقف لا تستعدي ولا تستفز بشكل مباشر كل الأطراف سواء المغرب أو الجزائر. إلا ان الرئيس الموريتاني الذي سبق وأن استقبل في نونبر 2019 وزير خارجية “جبهة البوليساريو”، أبى هذه المرة إلا أن يدبّج كلامه حول ملف الصحراء بالتأكيد على أن موريتانيا تعترف ب”الجمهورية العربية الصحراوية”.
غير أن هذا التصريح ينقض بشكل كلي ما تسميه موريتانيا الموقف المتوازن تجاه الملف، وينقلها إلى خانة الانحياز المباشر للطرح الانفصالي، وحتى وإن لم يعبر ذلك عن تحول في السياسة الخارجية الإقليمية كما تحاول أن تصور موريتانيا ذلك، فإنه يجسد تموقعا جديدا في مشهد الاستقطاب الاستراتيجي الإقليمي بين المغرب والجزائر لصالح هذه الأخيرة، خاصة وأن إحدى نقاط القوة التي يمكن أن تحسب للسياسة الخارجية الموريتانية في هذا السياق، أنها ظلت باستمرار تبحث عن آليات للحفاظ عن استقلالها عن مصالح ونفوذ المغرب والجزائر وضمان عدم هيمنة دولة واحدة في المنطقة.
هذا الموقف بدا من خلاله ولد الغزواني مكبلا بالعوامل التاريخية، وأعاد من خلاله العلاقات المغربية الموريتانية إلى نقطة صفرية، أي إلى الفترة التي شهدت توترا مغربيا موريتانيا بفعل ما كان يسمى ب”القضية الموريتانية”، لما كان المغرب يعتبر الأراضي الموريتانية جزءا منه في ستينات القرن الماضي، حيث لم يعترف بها دولة مستقلة إلا سنة 1969 أي بعد تسع سنوات من إعلان المختار ولد داده استقلال وقيام الدولة الموريتانية.
وهو وضع تمكنت السياسة الخارجية المغربية تجاوزه بسرعة، حيث كان الملك الحسن الثاني سباقا إلى دعوة موريتانيا إلى الانضمام لجامعة الدول العربية، كما أن تطبيع العلاقات الدبلوماسية المغربية الموريتانية ابتداء من سنة 1970 كان محوريا في ربطها بالفضاء العربي/الإسلامي.
وإذا كان الموقف الموريتاني الأخير يعبر فعلا عن إحدى ثوابت السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية تجاه ملف الصحراء بغض النظر عن الحاكم أو عن التطورات الحاصلة في الملف كما صرح بذلك الرئيس الموريتاني، فإنه بالمقابل يتجاهل عددا من القواعد التي تتأسس عليها العلاقات المغربية الموريتانية، أبرزها تجنب البلدين مواقف وتصريحات الاستفزاز والاستعداء المباشر على الرغم من الأزمات الدبلوماسية المتكررة بينهما. فموريتانيا تعترف بما يسمى “الجمهورية الصحراوية” منذ 1984، إلا أنه لا تجعل من اعترافها هذا الإطار المهيمن لعلاقاتها مع المغرب، كما أن هذا الأخير لم يكن يخضع علاقاته بموريتانيا على وجه الخصوص لهذا المعيار لاقتناعه بكون موريتانيا تملك خيارات ومساحات للتأثير في الملف أكثر واقعية وبراغماتية. كما أن المغرب سعى باستمرار لكسر حالة الوضع الراهن Status Quo في إطار علاقاته بموريتانيا لاعتبارين رئيسيين: أولهما كون موريتانيا ظلت تتوجس من سياسة المغرب الخارجية ومن طموحاته الإقليمية التي تعتقد أنه يسعى من خلالها لعزلها جيوسياسيا من خلال تحالفه وعلاقاته الاستراتيجية مع دول الساحل والصحراء المحيطة بها وتوسيع دائرة نفوذه الإفريقي. ثانيهما أن استمرار الوضع الراهن بين البلدين من شأنه أن يساعد الجزائر على تقوية ارتباطها بموريتانيا بما يشكل تهديدا إضافيا للمغرب عبر تطويقه جنوبا وشرقا.
نعتقد أن المغرب تمكن في إطار علاقته مع موريتانيا تحقيق مكسبين استراتيجيين: أولهما تأسيس أرضية جديدة للعلاقات البينية خاصة خلال عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وذلك ضمن الشقين الاقتصادي والأمني، بالإضافة إلى فتح محور طرقي استراتيجي رابط بين الكويرة ونواذيبو وصولا إلى نواكشوط ودكار.
وثانيهما إشراك موريتانيا في المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة حول ملف الصحراء. ويبدو أن المغرب ومن خلال هذين المكسبين قد نجح في جذب موريتانيا نحو المساحات والمجالات التي يفضلها. لذلك سوف يتجه صناع القرار في الرباط نحو عدم الرد المباشر على هذه التصريحات وعدم التعامل معها باعتبارها غير مسبوقة أو تشكل اختراقات في الموقف الموريتاني، بل نعتقد أن المغرب قد يتجه نحو تصنيف هذه التصريحات في حد ذاتها ضمن ردود الأفعال، بعد أن قام بترسيم حدوده البحرية دون أي تنسيق مع موريتانيا مع حرصه على أن تتم هذه الخطوة بالحذر اللازم تجاه إسبانيا دون موريتانيا، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية المغربي أن علاقات التنسيق والجوار مع إسبانيا أفضل من تلك مع الجزائر وموريتانيا.
طالب دكتوراه بجامعة فاس
تعليقات الزوار ( 0 )