Share
  • Link copied

مـن قُـبَّـة الـبـرلـمـان إلـى الـشَّـارع: هـل تـصـنـع الأسـئـلـة الـبـرلـمـانـيَّـة الـفـرق؟ (مـلـفّ خـاصّ)

في عالم السياسة، حيث تتشابك القرارات وتتنوع المصالح، يظل البرلمان “الحارس” الأهم لمبادئ الديمقراطية والشفافية. ومن بين الأدوات التي تُمكنه من أداء هذه المهمة بكفاءة، تبرز الأسئلة البرلمانية كأداة حيوية لا غنى عنها.

وتشكل الأسئلة البرلمانية جسرًا حيويًا بين السلطة التنفيذية والمواطن، حيث يقوم النواب بدورهم الرقابي عبر استجواب المسؤولين الحكوميين ومطالبتهم بتوضيح سياساتهم وقراراتهم.

وفي وقت يتزايد فيه البحث عن الشفافية ومراقبة العمل الحكومي، تكتسب الأسئلة البرلمانية بعدًا جوهريًا يعكس التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. إذ تتيح هذه الآلية فرصة حقيقية للحد من أي انحرافات أو تجاوزات، وتعزز الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، علاوة على تعزيز المشاركة السياسية.

من قبة البرلمان إلى الشارع: هل تصنع الأسئلة البرلمانية الفرق؟ هذا هو السؤال الذي يسعى هذا التقرير للإجابة عليه، متتبعًا تأثير الأسئلة البرلمانية ليس فقط داخل جدران البرلمان، بل أيضًا في حياة المواطنين اليومية، ومدى قدرتها على إحداث التغيير الفعلي في السياسات الحكومية.

وبالرجوع إلى الفصل 100 من الدستور المغربي ، فإنه ينص بصراحة على أنه: “يخصص البرلمان جلسة أسبوعية لأسئلة أعضاءه وأجوبة الحكومة…”، وهو ما يكرس مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.

نص الفصل 100 من الدستور المغربي كما ورد في الباب المتعلق بالعلاقات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ويؤطر آلية الأسئلة البرلمانية ويوضح آجال تفاعل الحكومة مع مختلف أنواعها.

وتنقسم هذه الأسئلة إلى ثلاثة أنواع رئيسية: الأسئلة الكتابية التي تُوجَّه بشكل رسمي ومؤرشف إلى أحد الوزراء وتُجاب عليها لاحقًا كتابيًا، والأسئلة الشفوية التي تُطرح مباشرة في الجلسات العامة، والأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة التي يُجيب عنها رئيس الحكومة شخصيًا، في جلسات خاصة تتسم غالبًا بمتابعة إعلامية وشعبية واسعة.

ويؤكد خبراء ومحللون سياسيون، أن فعالية هذه الأسئلة لا تقاس بعددها، بل بمدى قدرتها على كشف الاختلالات، وتحريك النقاش العمومي، وإحداث الأثر السياسي أو الإداري المطلوب.

وفي هذا السياق، يرى الدكتور منار السليمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن: “الأسئلة البرلمانية تكتسب قوتها من ثلاثية الانضباط المؤسساتي، وجرأة الطرح، وسياق التلقي الإعلامي والمجتمعي؛ دون هذا التفاعل، تصبح مجرد حبر على ورق”.

وأوضح السليمي في حديث مع جريدة “بناصا”، أن البرلمان المغربي خاض منذ سنوات تجربة تراكمية غنية في هذا المجال، غير أن التحدي الأكبر لا يزال قائمًا: تحويل هذه الآلية من واجب بروتوكولي إلى سلطة رقابية فعالة، تُحدث فرقًا حقيقيًا في السياسات العمومية.

حين يتحوّل السؤال البرلماني إلى نقاش وطني: نموذج “فوضى الإفتاء”

وفي فبراير 2025، تحوّل سؤال برلماني إلى لحظة سياسية وإعلامية فارقة، عندما طرحت النائبة حنان أتركين، عن حزب الأصالة والمعاصرة، سؤالًا شفويًا حول فوضى الإفتاء في وسائل التواصل الاجتماعي. تساءلت أتركين عن “فتاوى غريبة تصدر عن بعض الأئمة والمشرفين على المدارس العتيقة، تتسم بالإقصاء والغلو، وتخالف روح الاجتهاد ومذهب أهل السنة”.

وجاء ردُّ وزير الأوقاف، أحمد التوفيق، غير معتاد في نبرته، محذرًا من الفوضى الرقمية بقوله: “الإفتاء ليس لعبًا فيسبوكيًا، بل مسؤولية شرعية محصورة في مؤسسات مؤهلة.” وأضاف لاحقًا: “ما يُروّج على المنصات يستغل الفضول والغرائز، ويشكّل دعاية فاسدة تؤدي إلى التطرف.”

هذا الجواب تردّد صداه خارج قبة البرلمان، ليفجّر نقاشًا وطنيًا واسعًا شمل الإعلام، المنابر الدينية، ووسائل التواصل الاجتماعي. وسرعان ما تحول السؤال إلى كرة ثلج سياسية واجتماعية دفعت بمطالب لتقنين الفتوى الرقمية، في مشهد يعكس كيف يمكن لسؤال برلماني دقيق أن يشعل نقاشًا يتجاوز الجلسة إلى عمق المجتمع.

وفي السياق نفسه، اتخذ سؤال برلماني حول دعم استيراد المواشي أبعادًا سياسية واقتصادية متشابكة، حيث تحوّلت الجلسات إلى ساحة سجال بين الحكومة والمعارضة.

ورغم نفي رئيس الحكومة عزيز أخنوش لما اعتُبر “إشاعات” بشأن هدر 13 مليار درهم، واعتباره أن الدعم الفعلي لم يتجاوز 437 مليون درهم، إلا أن تضارب الأرقام والتصريحات بين وزراء في الأغلبية نفسها أثار جدلًا واسعًا حول الشفافية والاحتكار، مما أعاد طرح الأسئلة حول جدوى الرقابة البرلمانية وآلياتها، بين المطالبة بلجنة تقصي حقائق والاكتفاء بمهمة استطلاعية.

وهذه النماذج تؤكد أن فعالية الأسئلة البرلمانية لا تُقاس بعددها، بل بقدرتها على كشف الاختلالات وتحريك الرأي العام، وهو ما شدد عليه الخبير السياسي منار السليمي، معتبرًا أن أثرها يتضاعف حين تكتمل ثلاثية الانضباط المؤسساتي وجرأة الطرح والتفاعل المجتمعي. فرهان المرحلة ليس فقط في طرح الأسئلة، بل في تحويلها إلى أداة تغيير فعلي للسياسات العمومية.

ويرى محمد شقير، الباحث في العلوم السياسية، أن هذه اللحظة البرلمانية جسّدت ما أسماه بـ”التحول النوعي في وظيفة السؤال حين يصادف انشغالًا جماعيًا مكبوتًا، فينقله من قاعة الجلسات إلى قلب النقاش العمومي”.

وفي خطوة لاحقة، بادرت فرق برلمانية إلى تقديم مقترحات قوانين تروم تأطير الفتوى الرقمية، في محاولة لترجمة تلك اللحظة إلى أداة تشريعية واضحة، ما يعكس قدرة السؤال البرلماني ـ حين يُصاغ بدقة ويُطرح في توقيته المناسب ـ على الانتقال من رقابة السلطة إلى التأثير في البنية القانونية والسياسات العمومية.

الأسئلة البرلمانية: أداة فعّالة في يد النواب أم مجرد طقوس بروتوكولية؟

وتبرز الأسئلة البرلمانية كأداة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها، إذ تمنح النواب القدرة على ممارسة رقابة فعّالة على السلطة التنفيذية. غير أن هذه الآلية تفتح أمامنا أبواب تساؤلات محورية: هل بإمكان هذه الأسئلة أن تثمر تغييرات حقيقية على الأرض؟ وهل تحولت من مجرد إجراء تقليدي إلى وسيلة ذات قدرة على التأثير الفعلي في صياغة السياسات الحكومية؟

ولإلقاء الضوء على هذا الموضوع، نستعرض تصريحات عدد من البرلمانيين الذين عايشوا هذه الآلية عن كثب، ويسلطون الضوء على دور الأسئلة البرلمانية في تعزيز الديمقراطية والمساهمة في تحريك النقاش العمومي وتطوير السياسات.

ابتسام عزاوي، النائبة البرلمانية السابقة عن حزب الأصالة والمعاصرة، والمستشارة الجماعية توضح، أن “مراقبة العمل الحكومي من أهم الأدوار الدستورية المنوطة بالبرلماني. واختيار أداة المساءلة، سواء كانت سؤالاً شفوياً أو كتابياً، يعتمد على طبيعة الموضوع وأهدافنا من طرحه”.

وأضافت في حديث مع “بناصا”، أن “السؤال الشفوي في الجلسات العامة يتيح لنا طرح القضايا المستعجلة التي تشغل الرأي العام، ويخلق تفاعلاً مباشرًا مع الوزير المعني، مما يزيد من التأثير الإعلامي والشعبي”.

وتابعت، أنه “ورغم أهمية هذه الأسئلة، يبقى عامل الوقت محددًا في إتاحة الفرصة للإجابة الشاملة. أما السؤال الكتابي، فيتيح لنا الحصول على معلومات دقيقة وأكثر تفصيلاً، خصوصًا في المواضيع التي تتطلب استقصاءً معمقًا أو تتعلق بالقضايا المحلية.”

بدوره، يضيف جمال ديواني، عضو الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، أن “الأسئلة البرلمانية هي آلية رقابية أساسية لمراقبة أداء الحكومة وتحقيق ما ينتظره المواطنون من تحسينات في مختلف المجالات. لكن فعالية هذه الأسئلة تعتمد على مدى التفاعل الجاد من الحكومة والآليات المتوفرة لتنفيذ ذلك”.

ولفت المصدر ذاته، أنه “وفي النهاية، يتابع كل برلماني نتائج أسئلته بشكل فردي، ويعتمد الأمر على جودة أدائه البرلماني ومدى تواصله مع الوزارات المعنية”.

في الوقت ذاته، نبّه ديواني في حواره مع “بناصا”، إلى أنه لا يمكن تجاهل دور الإعلام والمجتمع المدني في دعم هذه الآلية، مبرزا أن الإعلام يساهم في إبراز القضايا العامة وإثارة النقاش حولها، في حين يعمل المجتمع المدني على متابعة تنفيذ ما تم طرحه، ما يعزز الرقابة الفعّالة على العمل الحكومي.”

وتسلط هذه التصريحات الضوء على أهمية الأسئلة البرلمانية كأداة رقابية، وتبرز دور الإعلام والمجتمع المدني كشركاء رئيسيين في إتمام هذه العملية. ومع ذلك، يبقى السؤال قائمًا: هل تظل هذه الأسئلة مجرد إجراءات روتينية أم أنها حقًا تحدث فارقًا في السياسات الحكومية؟ وكيف يمكن تعزيز تأثير هذه الأسئلة على الأرض؟

تحديات الأسئلة البرلمانية: من الإجراء البروتوكولي إلى الأداة الفعّالة

وفي ظل التحديات المستمرة التي تواجه أسئلة النواب البرلمانيين، تكشف الأرقام الرسمية التي قدمها مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان، عن الواقع الرقابي الملموس، حيث تشير الإحصائيات إلى أن الحكومة استقبلت منذ بداية الولاية التشريعية الحالية، وحتى منتصف الأسبوع الماضي، نحو 27,981 سؤالًا كتابيًا، أجابت عن 19,812 منها، أي ما يعادل 70.81% من إجمالي الأسئلة. وبالرغم من أن هذه النسبة تعتبر جيدة، إلا أن الحكومة قد حققت نسبة أعلى في السنة الماضية بلغت 83.45%.

وتجدر الإشارة إلى أن الأسئلة البرلمانية الموجهة من قبل نواب الغرفة الأولى مثلت الجزء الأكبر من هذه الأسئلة، حيث تم طرح 21,183 سؤالًا، أجابت الحكومة عن 15,072 منها، وهو ما يعادل 71.16%. في المقابل، شهد مجلس المستشارين طرح 6,798 سؤالًا كتابيًا، مع إجابات على 4,740 سؤالًا، ما يعادل 70% فقط.

ورغم هذه الأرقام المشجعة، يبقى التحدي الأكبر هو التأخير في الرد على الأسئلة المعلقة منذ سنوات، كما أشار إليه إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، الذي أكد ضرورة إعطاء الأولوية للإجابة عن الأسئلة التي طال أمد انتظارها.

وتشير هذه المطالبات إلى وجود فجوة بين الأداء الحكومي والإجراءات البرلمانية، مما يطرح تساؤلات حول مدى جدية الحكومة في التعامل مع هذه الآلية الرقابية.

وفيما يخص فعالية هذه الأسئلة على الأرض، يعكس تصريح رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية، التفاوت الكبير في جودة الردود بين القطاعات المختلفة.

غير أن نسبة تجاوب الحكومة مع الأسئلة الكتابية ، يقول حموني، في اتصال هاتفي مع جريدة “بناصا” الإلكترونية، رغم كونها مشجعة (أزيد من 70 في المائة)، تبقى متفاوتة بين القطاعات الوزارية.

وأوضح أن بعض القطاعات تقدم إجابات دقيقة ومسؤولة، بينما تكتفي أخرى بردود عامة تنتهي غالبًا بجملة “سندرس الموضوع”.

وأضاف حموني أن هناك أسئلة مستعجلة تفرض تجاوبًا سريعًا، مشيرًا إلى مثال شخصي حين تلقى جوابًا من وزارة الخارجية في ظرف عشرة أيام بشأن مواطن مغربي عالق في غزة، ما يدل على أن التفاعل الممكن مرتبط بالإرادة.

ففي الوقت الذي يتم فيه الرد على بعض الأسئلة بسرعة ودقة، تقتصر إجابات بعض القطاعات الأخرى على تعبيرات عامة لا تقدم حلولًا حقيقية. وهذا يثير تساؤلًا مهمًا حول مدى تأثير الأسئلة البرلمانية على السياسات الحكومية الفعلية.

وعلى الرغم من هذه الصعوبات، فقد أقر مصطفى بايتاس بأن الحكومة تولي هذا الموضوع أهمية بالغة، وأن الجهود تتضاعف لتحسين جودة الردود على الأسئلة البرلمانية. كما أشار إلى أن الحكومة قد بدأت في تركيز الجهود على تحسين نوعية الإجابات، بعد أن تمكنت من تجاوز التحدي الكمي المتمثل في زيادة عدد الأسئلة المطروحة.

ورغم أن الأسئلة البرلمانية تُظهر استجابة ملموسة في العديد من الحالات، إلا أن هذه الاستجابة لا تُترجم دائمًا إلى تغييرات فعالة على أرض الواقع.

وفي النهاية، لا يقتصر دور الأسئلة البرلمانية على كونه وسيلة لتحقيق الرقابة والمساءلة، بل يجب أن تتحول إلى أداة حقيقية لفتح آفاق التغيير السياسي والإداري، يتطلب ذلك تحسين آليات التفاعل بين البرلمان والحكومة، وجعل هذه الأسئلة أداة عملية للتأثير في السياسات العمومية، وليس مجرد بروتوكول شكلي.

من البرلمان إلى الشارع: قراءة المواطن في جدوى الأسئلة البرلمانية

وفي محاولة لرصد مدى حضور الأسئلة البرلمانية في وعي المواطنين وتأثيرها على انتظاراتهم من العمل السياسي، خصص هذا التقرير محورًا خاصًا لنبض الشارع المغربي، الذي يُعدّ الشريك الأساسي في معادلة الرقابة والمساءلة.ففي جولة ميدانية شملت عددًا من المدن المغربية، عبّر عدد من المواطنين عن آراء متباينة إزاء فعالية الأسئلة البرلمانية.

سناء (24 سنة، طالبة جامعية من الرباط) تقول: “أسمع أحيانًا عن بعض الأسئلة في نشرات الأخبار، لكن لا أشعر بتأثيرها المباشر في حياتي اليومية. مثلاً، لما كانت أزمة النقل في الجامعة خصوصا للمقيمين بسلا ويدرسون بالرباط، ما حسّيناش بتدخل حقيقي من طرف النواب لحل المشكل”.

أما عبد الرحيم (52 سنة، موظف بإدارة محلية في فاس) فيرى أن: “الأسئلة البرلمانية مهمة، ولكنها تبقى في كثير من الأحيان بلا نتيجة. المواطن يريد جوابًا يترجم إلى إجراء، مشي غير كلام فالجلسات”.

في المقابل، يرى إلياس (34 سنة، مهندس من الدار البيضاء) أن بعض الأسئلة خلقت بالفعل تفاعلًا مجتمعيًا مهمًا: “السؤال ديال فوضى الإفتاء خلا الناس يهضرو فالفيسبوك وعلى الطابلات وحتى فالمساجد. هذا النوع من الأسئلة هو اللي خاصو يتكاثر”.

يوضح هذا الرسم البياني نتائج سبر آراء أجرته منصة Banassa.info على عينة من 100 شخص تتراوح أعمارهم بين 20 و55 سنة، حول تفاعل المواطنين مع الأسئلة البرلمانية في المغرب.

من جهة أخرى، أظهر استطلاع مصغّر أجرته “بناصا” على عينة مكونة من 100 مشارك بين سن 20 و55 عامًا، أن 61% لا يطّلعون على مضمون الأسئلة البرلمانية بشكل دوري، و27% فقط لديهم دراية بنوعية الأسئلة المطروحة ومواضيعها، في حين يرى 54% أن الإعلام الرسمي لا يواكب بشكل كافٍ هذه الآلية الرقابية، سواء من حيث التغطية أو التحليل.

هذا الرسم البياني يوضح نتائج الاستطلاع حول مدى تفاعل فئات عمرية مختلفة مع آلية الأسئلة البرلمانية، من حيث المعرفة، التأثير، الثقة، الرضا، والمطالبة بالشفافية

كما عبّر عدد من الفاعلين الجمعويين عن الحاجة إلى “تبسيط لغة الأسئلة والردود”، حتى تكون مفهومة للمواطن العادي، وربطها بمطالب واقعية تهم الحياة اليومية، كالتعليم، الصحة، النقل، والعدالة الاجتماعية.

عبد الله حرشي، فاعل مدني من خريبكة، يختصر الأمر بقوله:”الأسئلة البرلمانية لا تساوي شيئًا إن لم تتحول إلى تغيير ملموس يشعر به المواطن في المرفق العمومي والشارع”.

ومن خلال هذا المحور، يتضح أن المواطن المغربي، خاصة في الفئة العمرية بين 20 و40 سنة، يبدي اهتمامًا مشروطًا بفعالية الأسئلة البرلمانية، ولا يكتفي بالمتابعة الشكلية لها، بل يطالب بترجمتها إلى نتائج فعلية.

وما سلف ذكره، يدفع إلى التفكير بجدية في تقوية هذا الجسر بين المؤسسة التشريعية والمجتمع، وتعزيز البُعد التواصلي للنواب مع قواعدهم الانتخابية، حتى تخرج الأسئلة البرلمانية من قبة البرلمان لتلامس هموم الناس وتحدث فرقًا في واقعهم.

الأسئلة البرلمانية بين الرقابة والتأثير على الأرض

ويرى عدد من الخبراء، أن الأسئلة البرلمانية، بما تحمله من وعد بالإصلاح والمحاسبة، لا تزال تلعب دورًا محوريًا في التأكيد على مبدأ الشفافية والرقابة.

ورغم التحديات التي تواجهها، تظل هذه الأسئلة جسرًا بين النواب والمواطنين، وبين السلطة التنفيذية والجمهور. ورغم أنها قد تبدو في بعض الأحيان محصورة في مداولات البرلمان، إلا أن تأثيرها يمتد في كثير من الحالات إلى ما وراء جدران القبة التشريعية ليشمل الشارع والمجتمع.

وإذا كانت الأسئلة البرلمانية اليوم تمثل أحد الأبعاد الهامة في المساءلة، فإن تحويل هذه الآلية إلى أداة فعالة يقتضي تضافر جهود النواب، الحكومة، الإعلام، والمجتمع المدني، بحيث تتخطى حدود التوجيه إلى التنفيذ، وتصبح أداة حقيقية لتحقيق التغيير السياسي والاجتماعي.

وفي هذا السياق، يوضح هشام معتضد، المحلل السياسي والأكاديمي الكندي من أصل مغربي، أن الأسئلة البرلمانية في الأنظمة الديمقراطية التمثيلية لا ينبغي النظر إليها كأداة روتينية، بل باعتبارها شكلاً من أشكال “المساءلة السياسية الناعمة”.

وبَيَّنَ معتضد ضمن تصريح للجريدة، أنه “في أنظمة الحكم التي تتبنى الديمقراطية التمثيلية، تشكل الأسئلة البرلمانية أحد تجليات “المساءلة السياسية الناعمة” التي لا تمس مباشرة بصلاحيات الحكومة، ولكنها تسلط ضوءًا استراتيجياً على القرارات العمومية”.

وتكتيكياً، يرى المصدر ذاته، أنه “يُمكن للنائب البرلماني تحويل سؤاله إلى “أداة ضغط ناعمة” عبر اختيار توقيت ملائم وموضوع يمسّ اهتماماً جماعياً، بحيث يُحرج الوزارة المعنية ويخلق دينامية نقاش في الرأي العام…”.

ويؤكد أن “فعالية هذه الأداة الرقابية لا تكتمل دون “هندسة إعلامية” مرافقة، تسهم في إخراج السؤال من نطاقه الإجرائي إلى الفضاء العمومي، مما يعزز من فعاليته في التأثير على السياسات العمومية”.

وخلص معتضد، إلى أن “تحويل الأسئلة البرلمانية إلى أدوات فاعلة في هندسة القرار السياسي” يمر عبر “مثلث الضغط الاستراتيجي” المكون من البرلماني، الإعلام، والمجتمع المدني، داعياً إلى تطوير ثقافة برلمانية جديدة، وبنيات مؤسساتية داعمة تجعل من السؤال البرلماني أداة لإعادة تشكيل السياسات العمومية بشكل منهجي ومدروس”.

من قبة البرلمان إلى الشارع: الأسئلة البرلمانية بين إمكان التغيير ومحدودية التأثير

ومن قبة البرلمان إلى الشارع، فإن الأسئلة البرلمانية لا تقتصر على كونها مجرد تمارين شكلية ضمن أجندات سياسية روتينية، بل هي أدوات رقابية تمتلك في جوهرها إمكانيات التغيير الفعلي. وحين تُطرح بذكاء وتُلتقط بجدية من الحكومة، وتُواكب إعلاميًا وشعبيًا، فإنها تتحول من “حبر على ورق” إلى قوة دافعة تحرك الرأي العام وتعيد ترتيب الأولويات السياسية.

لكن في المقابل، عندما تفقد هذه الآلية عمقها الرقابي وتغرق في الاعتبارات الحزبية أو تتورط في الروتين المؤسساتي، تصبح مجرد أصداء وضجيج بلا طحين، كما يقول المثل العربي.

هل تصنع الأسئلة البرلمانية الفرق؟ نعم، ولكنها لن تصنعه وحدها، كما أكد ذلك العديد من المتدخلين في هذا التقرير. فالفرق لا يُصنع بالسؤال فقط، بل بطريقة استثماره سياسيًا، وبما يرافقه من مواكبة إعلامية ورقابة فعّالة واستجابة حكومية مسؤولة. عندما يلتقي كل ذلك، تصبح الأسئلة البرلمانية أكثر من مجرد استفسارات، وتصبح أداة حقيقية للتغيير.

Share
  • Link copied
المقال التالي