شارك المقال
  • تم النسخ

مشروع الضم الإسرائيلي… تهديد لفلسطين والمنطقة واختبار حرج للعالم

تواصل قيادة الاحتلال الإسرائيلي، في زمن أعلنت فيه دول العالم الطوارئ الصحية لمواجهة جائحة كورونا، انهماكها في مشروعات السيطرة والتوسع والقضم والضمّ، وصار واضحاً ممّا يصدر عنها أنها تعتزم قريباً ضمّ أراضٍ واسعة في الضفة الغربية المحتلة مع غطاء أمريكي لهذه الخطوة.

وقد تأكّدت نوايا الضمّ في الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة بين بنيامين نتنياهو وبيني غانتس بعد أمد طويل من التعثّر الذي تخللته جولات انتخابية متعاقبة.

وجرى خلال السنوات الأخيرة التمهيد لخطوة ضمّ مساحات شاسعة في الضفة المحتلة بسلسلة من التصريحات والمواقف الصادرة عن المستوى القيادي الإسرائيلي، بما في ذلك بنيامين نتنياهو ذاته، رئيس الوزراء الذي يستعد لتشكيل حكومة وحدة بعد طول انتظار.

ولن تكون هذه الخطوة حلقة جديدة كسابقاتها من مشروعات القضم من “أراضي الدولة الفلسطينية” الموعودة بموجب مشروع الدولتين؛ فهي ستمثِّل الإجهاز العملي والأخير على أي رؤى أو خطط معروضة دولياً تمنح وعود بإمكان قيام دولة فلسطينية، وهو ما سيدشِّن عهداً جديداً له ما بعده.

استغلال الفرصة السانحة

تتحرّك قيادة الاحتلال الآن تحت غطاء أمريكي غير مسبوق في انجرافه مع الأطماع الإسرائيلية، ويبدو الإلحاح على ضمّ أراض ومناطق في الضفة الغربية مرتبطاً بقرب نهاية الولاية الأولى لدونالد ترمب في البيت الأبيض تحسّباً لتغيّرات نسبية في الوجهة الأمريكية بعدها.

كما تبدو خطوة الضمّ هذه بمثابة ترجمة عملية لبعض محاور مشروع ترمب-نتنياهو المعروف بـ “صفقة القرن”، الذي يتميّز بطابع الفرض القسري واستعمال سطوة الأمر الواقع الاحتلالي على الأرض.

جاء الانشغال العالمي بمواجهة كورونا فرصة سانحة أخرى تُغري بالإقدام على إزاحات استراتيجية من هذا النوع، تهدف إلى تكريس الاحتلال واستدامته بالشرعنة الزائفة للسيطرة العسكرية القائمة على الأرض، وهو ما تنبّهت إليه عدد من المواقف الدولية الرافضة لنوايا الضمّ الوشيكة في الضفة.

وصدرت هذه المواقف رغم الصعوبات العملية في انعقاد الاجتماعات المباشر على المستويات الدولية والإقليمية والوطنية، عبر اللجوء إلى تقنيات التواصل المرئي أو تحرير المذكرات والرسائل والعرائض الجماعية.

من شدّة وطأة هذه الخطوة المرتقبة أنّ الضمّ وما يتلازم معه من مبرِّرات السيطرة الأخرى عبر الجدار والاستيطان على مناطق واسعة من الضفة؛ سيأتي على مساحات تقدّر بنحو 40% من أراضيها، وستجعل التجمّعات السكانية الفلسطينية محاصرة ليشتدّ الخناق عليها مع التوسّع الاستيطاني الزاحف على أطرافها وعبر ثناياها.

لم يملك مشروع الدولتين كما نادت به الرباعية الدولية فرصة حياة أساساً مع واقع الاحتلال التوسّعي القائم، ولم يعد من فرصة له بعد أن أجهز عليه التوسّع الاستيطاني والقرار الأمريكي (ديسمبر/ كانون الأول 2017) الذي أراد حسم مصير القدس لصالح الاحتلال خارج المفاوضات.

ومن شأن خطوة ضمّ أراض في الضفة أن تقطع الطريق على أي وعود تسوية يمكن تخيّلها ومفاوضات يمكن افتراضها على أساس دولة مستقلة.

تحذيرات أممية

يعلم المجتمع الدولي ما تعنيه هذه الخطوة إذن، ومع نضوج التوجّهات الإسرائيلية الرامية إلى ضمّ مساحات واسعة من الضفة الغربية تتعاظم المواقف والتحذيرات الرافضة لهذه الخطوة على المستوى الدولي.

كان من بواكير هذه الخطوات أنّ نيكولاي ملادينوف، الممثل الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، أطلق تحذيراً في 23 أبريل/ نيسان من أي خطوات أحادية الجانب ترمي إلى ضمّ أجزاء من الضفة الغربية المحتلة.

وأكد ميلادينوف أنّ ذلك يشكل تهديداً متزايداً، وفي حال تم تنفيذه، فإنه يعد انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي.

وقال المسؤول الدولي في حديث إلى مجلس الأمن (المنعقد عبر الفيديو) إنّ “ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة سيوجّه ضربة مدمرة إلى حل الدولتين، وسيوصد الأبواب أمام العودة إلى المفاوضات وسيهدد جهود التوصل إلى سلام في الإقليم”.

وشددت لجنة الجمعية العامة للأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف على أنّ هذا “الضمّ تهديد لحل الدولتين”.

ونبّهت اللجنة في بيان أصدرته في السادس من مايو/ أيار إلى السياق الظرفي للخطوة الإسرائيلية المرتقبة، قائلة إنه فيما تحول انتباه العالم إلى مكافحة جائحة كوفيد-19، يواجه الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت نير الاحتلال الإسرائيلي، أزمة إضافية، ألا وهي تهديد الضم.

وقالت اللجنة الأممية إنه “حتى خلال حالة الطوارئ الصحية غير المسبوقة، واصلت إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، ترسيخ الاحتلال غير القانوني وأعلنت بصورة جلية نيتها ضم مناطق واسعة من الأرض الفلسطينية المحتلة، بينما تواصل حصار قطاع غزة”.

وأكدت اللجنة الأممية أنّ هدف مشروع الدولتين لم يتغيّر، لكنه أيضا لم يتحقق بل ويواجه خطراً كبيراً.

وشددت على مسؤولية المجتمع الدولي لحشد الدعم والتضامن من أجل منع الضم الذي يشكل انتهاكا خطيرا للقانون الدولي وانتهاكا صارخا لقرارات الأمم المتحدة، بما في ذلك القرار 2334 (2016)، الذي يدعو إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ عام 1967 وإعمال حقوق الشعب الفلسطيني، بما في ذلك تقرير المصير والاستقلال.

وقالت “إن حظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة مطلق في ميثاق الأمم المتحدة”.

وفي مطلع مايو/ أيار حذّر المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، مايكل لينك، من أنّ خطط الحكومة الإسرائيلية الجديدة المتمثلة في ضمّ أجزاء مهمة من الضفة الغربية المحتلة، من بينها غور الأردن، ستخلق “سلسلة من العواقب الوخيمة لحقوق الإنسان”.

مؤكداً أنّ الخطة ستبلور نظام فصل عنصري في القرن الـ 21، وتترك في أعقابها زوال حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.

وقال لينك في بيان أصدره بهذا الشأن إنّ هذا القرار الإسرائيلي بالتحرّك بشكل أحادي الجانب نحو الضمّ المخطط له في الأول من تموز/يوليو، يقوّض حقوق الإنسان في المنطقة، وسيكون ضربة قاسية للنظام الدولي القائم على القواعد، ويقوّض أي احتمال متبق لتسوية عادلة متفاوض عليها.

وأضاف المقرر الدولي: “إذا تم المضي قدما بخطط الضمّ الإسرائيلية، فما سيتبقّى من الضفة الغربية سيكون بنتوستان فلسطيني (معازل سكانية)، أرخبيل من جزر منفصلة مقسّمة، تحيطها إسرائيل بشكل كامل، وغير متصلة مع العالم الخارجي”.

الغطاء الأمريكي للضمّ

وأكد وزراء الخارجية العرب في اجتماع عقدوه لهذا الشأن عبر الاتصال المرئي يوم 30 إبريل/ نيسان أنّ الجانب الإسرائيلي سيرتكب “جريمة حرب جديدة” بحق الشعب الفلسطيني، إذا أقدم على ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة.

وأشار الوزراء في بيان أصدروه في هذا الصدد إلى الغطاء الأمريكي الممنوح لهذه الخطوة الإسرائيلية.

وطالبوا “الإدارة الأميركية بالالتزام بميثاق الأمم المتحدة وقراراتها ذات الصلة بالصراع في منطقة الشرق الأوسط، وبمبادئ وأحكام القانون الدولي، وبالتراجع عن دعم مخططات وخرائط حكومة الاحتلال الإسرائيلي التي تحاك تحت غطاء ما يسمى بصفقة القرن الأمريكية الإسرائيلية، وتهدف إلى ضم أراضٍ فلسطينية محتلة، والاستيلاء عليها بالقوة، وتهدد بتدمير أسس وفرص السلام المنشود في المنطقة”.

لكنّ هذه المواقف لا تلقى آذاناً صاغية في واشنطن. فبعد سلسلة المواقف والتصريحات الصادرة عن مسؤولين أمريكيين التي تحمل في فحواها دعماً لخطوة الضم، من المتوقع أن تذهب الولايات المتحدة إلى محاولة شرعنة الخطوة الإسرائيلية بمجرد الإعلان عنها، وهذا بأن تعترف واشنطن بما يسمى “السيادة الإسرائيلية” على تلك الأراضي المزمع ضمها.

اتّضح ذلك في مقابلة أجراها السفير الأمريكي لدى الاحتلال الإسرائيلي ديفيد فريدمان مع صحيفة “يسرائيل هايوم” منشورة كاملاً يوم 8 مايو/ أيار، أفصح فيها عن أنّ الولايات المتحدة مستعدة للاعتراف في غضون أسابيع بسيادة الاحتلال على الأغوار والمستوطنات في الضفة بعد صدور قرار الضم.

تحذيرات عبر العالم

وعلاوة على المواقف الفلسطينية والعربية المضادة لهذه الخطوة؛ أعربت دول وهيئات عبر العالم عن مواقف محذرة، مثل منظمة التعاون الإسلامي التي حذّرت في 24 إبريل/ نيسان من خطورة قيام حكومة الاحتلال الإسرائيلي الجديدة بتنفيذ إجراءاتها الأحادية بما في ذلك محاولة فرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات الواقعة في أراضي دولة فلسطين.

ووصفت أنقرة مشروع الضمّ الإسرائيلي بالخطوة “الخطيرة التي من شأنها تقويض القانون الدولي”.

وذكرت الخارجية التركية في بيان لها يوم 24 إبريل/ نيسان أنّ مشروع ضم أراض من الضفة الغربية الوارد في اتفاق لتشكيل حكومة الوحدة الإسرائيلية مؤشر على “العقلية الخطيرة الهادفة للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية”.

داعية المجتمع الدولي إلى “الوقوف في وجه المبادرات الإسرائيلية غير الشرعية من جانب واحد”.

وأبلغ سفراء أوروبيون الخارجية الإسرائيلية احتجاجاً رسمياً على عزم حكومة الوحدة بين بنيامين نتنياهو وبيني غانتس على ضمّ مناطق في الضفة المحتلة.

وأعرب سفراء إسبانيا وألمانيا وأيرلندا وإيطاليا وبريطانيا وبلجيكا والسويد وفرنسا بالإضافة إلى سفير الاتحاد الأوروبي عن قلقهم “الشديد من بند في الاتفاق الحكومي يمهّد لضم أجزاء من الضفة الغربية”.

وأضافوا أنّ “ضمّ كل جزء من الضفة الغربية يشكّل خرقًا واضحًا للقانون الدولي” وأنّ “خطوات أحادية الجانب كهذه ستضرّ بجهود تجديد مسار السلام، وسيكون لها تأثير بالغ الخطورة على الاستقرار في المنطقة وعلى مكانة إسرائيل في الساحة الدوليّة”.

ووقّع 130 نائباً بريطانياً من أحزاب عدّة، بينهم وزراء سابقون وكذلك رئيس سابق لحزب المحافظين، على رسالة موجهة إلى رئيس الوزراء بوريس جونسون، يدعونه فيها إلى فرض عقوبات اقتصادية على الجانب الإسرائيلي في حال قيامه بضمّ مناطق في الضفة الغربية.

وحذّرت الرسالة بنبرة غاضبة من أنّ ضمّ أجزاء من الضفّة الغربيّة “غير قانوني في القانون الدولي”، وأنّ “أي تحرّك إسرائيلي في الضفة الغربية يجب أن يلقى ردّاً مماثلاً”.

وأشارت الرسالة البرلمانية التي كُشف النقاب عنها في الأول من مايو/ أيار إلى محاولة الاحتلال الإسرائيلي استغلال موسم الجائحة للإقدام على خطوات استراتيجية، فقد جاء فيها أنّه “من الواضح أن إسرائيل تتستّر بانتشار وباء كورونا، من أجل السعي لتطبيق هذه الخطّة الفظيعة، ومن الضروري أن تفعل المملكة المتّحدة كل ما في وسعها لمنع ذلك”.

وتضمّنت الرسالة دعوة للقيام بخطوات عقابية ردّاً على خطوة الضم المرتقبة، وحثّت الحكومة البريطانية على “التوضيح علنًا لإسرائيل أنّ أيّ ضم سيواجَه بعواقب وخيمة، منها فرض عقوبات”.

وأكّد النواب أنّ التصريحات لا تكفي، فرئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو تجاهل تصريحاتنا. علينا أن نمنع حكومته من تطبيق خطته التي تعتبر سابقة خطيرة في العلاقات الدولية”.

وصدرت مواقف برلمانية عدّة تحذر من إقدام قيادة الاحتلال الإسرائيلي على ضم أراض في الضفة الغربية، ومنها في تشيلي حيث وجّه 66 نائباً برلمانياً رسالة إلى وزارة الخارجية التشيلية أُعلن عنها يوم 6 مايو/ أيار ضد مخططات الضم الإسرائيلية في الضفة ويطالبون فيها بمواقف حازمة في مواجهة ذلك.

ومع وفرة المواقف الدولية المنددة ودعوات فرض عقوبات على الاحتلال، فإنّ مشروع الضمّ الإسرائيلي في الضفة لا يمثل تهديداً عظيماً بالنسبة للقضية الفلسطينية؛ فإنه يمثل تهديداً إقليمياً أيضاً من زوايا عدّة، منها ما يتعلّق بالأردن بأواصره المتشابكة مع الضفة الغربية بما فيها منطقة الأغوار المحاذية لحدوده التي تقع في بؤرة مشروع الضمّ المرتقب.

وسيكون هذا الموقف بطبيعة الحال تحدِّياً جديداً للعالم، واختباراً لقدرة المجتمع الدولي وهيئاته المعنية على ترجمة الاعتراضات والمواقف اللفظية إلى ردود صارمة قبل فوات الأوان.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي