نشرت صحيفة La Voz de Tarija الإسبانية تقريرًا تحليليًا مثيرًا للانتباه تحت عنوان: “مليلية وسبتة: جزر المالوين القادمة؟ إسبانيا تواجه احتمال أزمة مع المغرب”، تناول فيه الصحفي خوسيه أنطونيو إسكوبار تصاعد مؤشرات ما أسماه بـ”الصراع القادم” بين المغرب وإسبانيا بشأن مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، على ضوء تحولات جيواستراتيجية وعسكرية إقليمية ودولية متسارعة.
ويحذر التقرير من أن المملكة المغربية، التي ظلت لعقود تتفادى التصعيد المباشر حول المدينتين، باتت اليوم تعتمد مقاربة أكثر جرأة ترتكز على بناء قوة ردع عسكرية، وتعزيز التحالفات مع قوى دولية كبرى، واستعمال أدوات “الحرب الهجينة” لتحقيق مكاسب استراتيجية دون الانجرار إلى مواجهة شاملة.
ويستعرض التقرير في بدايته بعضًا من الوقائع التاريخية التي تُبرز الحساسية الخاصة للملفين، مشيرًا إلى أن المدينتين الواقعتين شمال المغرب ظلتا خاضعتين للسيطرة الإسبانية منذ قرون، غير أن تصاعد النزعة السيادية المغربية، خاصة في عهد الملك محمد السادس، جعل مسألة استرجاع سبتة ومليلية تدخل مجددًا إلى صلب الخطاب الوطني المغربي، كامتداد طبيعي لملف استكمال الوحدة الترابية، بعد استعادة الأقاليم الجنوبية.
سباق التسلح يغير المعادلة
ومن أبرز ما يلفت إليه التقرير، أن المغرب ضاعف من حجم إنفاقه العسكري في السنوات الأخيرة، متجهًا نحو تنويع مصادر تسليحه، من خلال صفقات ضخمة مع الولايات المتحدة وإسرائيل والصين، شملت بالأساس أنظمة دفاع جوي، وطائرات مسيرة هجومية، وصواريخ دقيقة التوجيه. ويرى التقرير أن هذا التطور يهدف إلى بناء قدرة ردع فعالة تجعل أي تحرك مغربي نحو استرجاع المدينتين يبدو مبررًا ومحمياً بمنطق القوة.
في المقابل، أشار التقرير إلى أن إسبانيا تعاني من “إنهاك استراتيجي”، نتيجة انخراطها العميق في دعم الجبهة الأوكرانية ضد روسيا، ما أضعف من قدرتها على تخصيص موارد كافية لتعزيز دفاعاتها في المناطق الخاضعة لها في شمال إفريقيا، وعلى رأسها سبتة ومليلية.
تحذير من حرب هجينة
لا يُرجّح كاتب التقرير أن يلجأ المغرب إلى عمل عسكري صريح على المدى القريب، لكنه يحذر من إمكانية تبني الرباط لاستراتيجية “الحرب الهجينة”، التي تجمع بين الضغط الاقتصادي، وتوجيه موجات الهجرة غير النظامية، وتكثيف التحركات الدبلوماسية في المنتديات الدولية لتدويل قضية المدينتين، وربما نزع الشرعية السياسية عن الوجود الإسباني بهما.
وفي هذا السياق، ذكّر التقرير بأزمة الهجرة التي شهدتها مدينة سبتة في مايو 2021، عندما تدفق آلاف المهاجرين إلى المدينة في ظرف ساعات، في خطوة فسرتها الصحافة الإسبانية حينها بأنها رسالة سياسية من المغرب بعد استضافة إسبانيا لزعيم جبهة البوليساريو بهوية مزيفة.
تفوق دبلوماسي مغربي
كما يسلط التقرير الضوء على ما اعتبره تفوقًا دبلوماسيًا مغربيًا في السنوات الأخيرة، تمثل في كسب اعتراف أمريكي بمغربية الصحراء، وتعزيز التنسيق مع إسرائيل، بالإضافة إلى تقوية العلاقات مع دول إفريقية ولاتينية، ما منح الرباط موقعًا تفاوضيًا أقوى على الساحة الدولية، في مقابل تراجع الدور الإسباني وتنامي مظاهر التردد داخل السياسة الخارجية لحكومة مدريد.
نحو “مالوين جديدة”؟
ويختم التقرير بطرح سؤال محوري: هل تصبح سبتة ومليلية “جزر المالوين” القادمة؟ في إشارة إلى الحرب التي اندلعت عام 1982 بين بريطانيا والأرجنتين بسبب نزاع السيادة على جزر المالوين. ورغم الاختلافات السياقية والجغرافية، إلا أن كاتب التقرير يرى أن التشابه في المعطيات السيادية والمطالب التاريخية والتغيرات الجيوسياسية قد يدفع الملف المغربي الإسباني نحو مسار أكثر تصعيدًا مما كان عليه في السابق.
ويخلص التقرير إلى أن السنوات القليلة المقبلة ستكون حاسمة في رسم معالم العلاقة بين البلدين الجارين، خاصة في ظل التبدل السريع في موازين القوى بالمنطقة، وظهور فاعلين جدد، وتغير طبيعة النزاعات من المواجهات العسكرية التقليدية إلى الصراعات المعقدة التي تحسمها القوة الناعمة والدبلوماسية الذكية.
تعليقات الزوار ( 0 )