Share
  • Link copied

محمد ياسين المنصوري: هندسة الأمن المغربي بين استراتيجية الدولة والجغرافيا السياسية

على مدى أكثر من عقدين، ظل محمد ياسين المنصوري، المدير العام لإدارة الدراسات والمستندات (DGED)، شخصية مركزية في هندسة منظومة الأمن القومي المغربي. بعيداً عن عدسات الإعلام وأضواء السياسة، قاد الرجل جهاز الاستخبارات الخارجية بكفاءة عالية، جعلته أحد أعمدة الدولة العميقة، ومهندساً خفياً لاستقرار المغرب ومكانته الدولية.

من القصر إلى قلب القرار

ولد المنصوري في محيط النخبة المرتبطة بالقصر الملكي، حيث نشأ في دائرة ثقة خاصة منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني. لكن بزوغ نجم المنصوري تعزز بشكل أكبر مع تولي الملك محمد السادس العرش، إذ سرعان ما أصبح من أقرب رجالات الدولة إلى مركز القرار، يشرف على ملفات دقيقة وحساسة بحرفية عالية، ويشتغل في صمت يؤشر على عمق التأثير أكثر مما يُظهره الإعلام.

من جهاز كلاسيكي إلى مؤسسة استراتيجية

منذ توليه قيادة الـDGED، لم يقتصر دور المنصوري على تحديث الجهاز شكلياً، بل أعاد تشكيل بنيته ومهامه ليواكب التغيرات المتسارعة في المشهدين الإقليمي والدولي. طوّر آليات الرصد والتحليل، عزّز التنسيق مع باقي أجهزة الدولة، وربط الاستخبارات بالقرار الاستراتيجي، خصوصاً في ملفات مثل الإرهاب، الهجرة، والتجاذبات الجيوسياسية حول الصحراء المغربية.

إنجازات من وراء الستار

من أبرز المحطات التي كشفت بعضاً من فعالية جهاز DGED، كانت عملية تحرير المواطن الروماني يوليان غيرغوت سنة 2023 من قبضة جماعة إرهابية في بوركينا فاسو. تدخل أمني نوعي، نُفذ بتنسيق دولي، حظي بإشادة واسعة، وأعاد التأكيد على مكانة المغرب كفاعل موثوق في مكافحة الإرهاب العابر للحدود.

لكن العملية لم تكن سوى مثال واحد في سلسلة من الإنجازات التي تُدار في صمت. فالمخابرات المغربية، بقيادة المنصوري، استطاعت كشف وتفكيك شبكات متطرفة في إفريقيا وأوروبا، وساهمت في تعزيز أمن عدد من الدول الشريكة، في نموذج نادر من التعاون الأمني جنوب-شمال.

معارك خفية من أجل السيادة

في الوقت الذي تواجه فيه المملكة المغربية حملات ضغط وتشويش حول قضية الصحراء، لعب جهاز الاستخبارات دوراً محورياً في التصدي لمحاولات اختراق مواقف بعض الدول داخل الاتحاد الإفريقي ومنظمات دولية أخرى. المعركة لم تكن فقط استخباراتية، بل دبلوماسية ذكية، قادها رجال في الظل، كان على رأسهم المنصوري، الذي عمل على تفكيك شبكات التأثير الأجنبية، وكشف محاولات شراء الذمم.

الثقة الملكية.. رأس مال سياسي وأمني

الاستمرار في قيادة جهاز حساس لمدة تفوق العشرين عاماً ليس أمراً عادياً في عالم الاستخبارات، حيث التغيير عادة ما يكون ضرورة استراتيجية. لكن في حالة محمد ياسين المنصوري، الاستمرارية كانت دليلاً على الثقة الملكية المستمرة، وعلى نجاحه في تحصين أمن البلاد وموقعها في عالم متغير.

بين الحملات والإنجازات

لم يسلم المنصوري من حملات التشويه، خاصة من خصوم المغرب الذين يسعون للنيل من رموزه الأمنية والدبلوماسية. لكنه، على عكس الكثير من الأسماء اللامعة، لم يدخل يوماً في ردود أو تبريرات، مفضلاً أن تتحدث الأفعال والنتائج باسمه. وقد كان ذلك كافياً لضمان استمراره، رغم التغيّرات، في موقعه كأحد أعمدة القرار المغربي.

قائد في الظل

قد لا يعرف المواطن المغربي العادي الكثير عن المنصوري، لكن تأثيره حاضر في كل عملية أمنية ناجحة، وكل خطوة دبلوماسية محسوبة، وكل مرة يُذكر فيها المغرب كشريك موثوق في ملفات الأمن ومكافحة الإرهاب. هو رجل الظل بامتياز، القائد الذي لا يظهر إلا في النتائج، والذي يمثل نموذجاً نادراً في زمن الأزمات والتحولات.

محمد ياسين المنصوري ليس مجرد اسم في قائمة المسؤولين الأمنيين، بل هو تجسيد لصيغة مغربية فريدة في إدارة الأمن والدبلوماسية: الصمت بليغ، والكفاءة ثابتة، والنتائج تتحدث دون حاجة إلى أضواء. وبينما يواصل المغرب مواجهة تحديات كبرى، يبقى وجود مثل هذه القيادات ضمانة لاستمرارية الاستقرار، وحصناً منيعاً أمام كل تهديد.

Share
  • Link copied
المقال التالي