مما يعاني منه العقل السياسي العربي انه عقل محكوم بأربع ميكانيزمات:
1- سقف التراث الذي حال في قضايا أساسية دون الابداع، وخاصة المجال السياسي
2- هوس الاستنساخ لنماذج الجوار، بحيث ظل يراوح النموذج الغربي شكرا بمضمون قبلي
3- غياب مشروع مجتمعي برؤية سياسية، تستمد شرعيتها مشروعيتها بما يتحقق في حياة الناس و عيشهم
4- تفكيك الإدراك اي الإجابات الجزئية مع غياب نسق للفهم والإدراك. بمعنى سياسات قطاعية دون أفق استراتيجي يقتضيه منطق الدولة الحديثة.
من هنا فالعقل السياسي العربي لا يشتغل من خلال منطق الحقائق، اي إدراك العالم كما هو ضمن مصالح ومعادلات وتوازنات، مما يجعله يتحدث في دائرة الحرب دون ادارك كلفتها ونزعاتها وتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي كان هذا العقل مدمر للعراق، وسورية ، واليمن وليبيا والقائمة لازالت مفتوحة، وهو عقل لم يستوعب دائرة الاعتقاد والايمان، فهو العقل الذي يستبطن ترتيب المواطنين، ليس على وطنيتهم، ولكن يعتمد في عقله الباطن على خليط من القرب بسبب العرق، أو النسب والدين والتاريخ، بمعنى أن المواد المكونة لم تنصهر في مفهوم وحدة وطنية ، تدبر التنوع والاختلاف، ولدى يحتوي العالم الإسلامي على أكثر من تسعة مئة عنوان ديني متناقض واذا اضفنا عملية التركيب الكيميائية بين هذه الأفكار فنحن أمام
!900 اي ملايير ملايير…. الأفكار و مئات العناوين العرقية، والطائفية، هذه القضايا التي اشتغلت في العمق أو ما زالت تشتغل في عمقه النفسي والجغرافي، فمزقت السودان واليمن وسورية والعراق، والآن تنقض على ليبيا، فكل العناوين التاريخية والجغرافية حاضرة في هذه الصراعات.
إن فشل العقل العربي يكمن جزء أساسي من تفسيره في عدم التركيب والتوافق حول قائمة الحقوق والواجبات، إلى حد أن قائمة المعارضة في العالم العربي هي قائمة الحقوق وقائمة الأغلبية هي قائمة الواجبات، ولم نخرج من شعارات يجب أن تعطيني حقوقي، فيكون الرد عليك واجبات، وعند افتحاص هذه العناويين، تجدها تدور حول السلطة ، ومن يملكها ويملك ادواتها، فلا النظام الرسمي امن بحقوق المواطنيين، ولا المواطنيين استحضروا واجباتهم، وهكذا نحن في حلقة مفرغة لا تدفع عجلات الاقتصاد والتنمية على السكة الصحيحة أو بالوتيرة المطلوبة.
هذا العقل ظهرت فيه إعطاب متفاوتة الأثر والخطورة ومنها سوء التوازن في حجم دوائر أساسية في العلاقات الداخلية والخارجية ونذكر باهمها:
دائرة الحقائق
دائرة الحقوق والواجبات
دائرة العيش المشترك
دائرة الصراع الدين و السلم والحرب
دائرة الاقتصاد بين المصالح والتبادل
دائرة الإيمان والاعتقاد بين الحرية و الكلمة السواء والاختلاف.
هناك دوائر لا يسع المجال التفصيل فيها، غير أن ذلك لا يمنع من القول اننا نعاني من سوء التدبير ، وحسن الفهم لهذه الدوائر، وضرورة تعاملها في عملية جامعة لتوظيفها، فاانقسمت المجتمعات انقسامات حدية، بين الإنكار والتضحية، مما عطل وقد يعطل فاعليتها، وبالتالي لكي يتضح المقال، نوضح دائرة الإيمان و العقائد على سبيل المثال، لقد أصبحت هذه الدائرة متضخمة إلى حد الورم عند تنظيمات ذات اساس ديني إما وظيفة أو ومهمة، وأصبحت منطقة إقصاء أو صراع عند بعض الحركات الماوية، بروح نازية عدوانية إذ جعلت من اعتقاد الناس وإيمانهم مادة سخرية وايتهزاء،
أما المثال الثاني فهي دائرة الحقائق ، فقد اصبحنا أمام فئتين، فئة تأليه العقل مع العلم ان العلماء والحكماء والفلاسفة معظمهم وصلوا إلى حقيقة حدود العقل في كثير من القضايا، وفئة تعاني من غياب العقل باسم الدين وهي فئة خارج منطق التاريخ و التجربة وما حققته الإنسانية من تطور بسبب هذا العقل المنبوذ عندهم. واستبدلوه بعقل الخرافة والشعوذة والاساطير،
أما الدائرة الثالثة، فهي دائرة السلم والحرب، حيث اصبح العالم العربي بين سلوكين حرب لا تنتهي، واستسلام مذل لا قاع له.
فلم تعد هناك استراتيجية أو مصالح أو قواعد اشتباك، أو قواعد فك نزاع وبناء سلم، فلا خيار الا بين الإبادة أو الذل، وكل ذلك علامة من علامات الأزمة في هذا العقل.
إن هذه الدوائر محل اختبار لثلاثة قدرات في المستقبل القريب والبعيد:
1- اختبار الابداع وبناء نماذج مستقبلية
2- اختبار التوازن والتركيب
3- اختبار الأولويات والحجم الطبيعي لهذه الدوائر.
وإلى أن نستطيع بناء شخصية في منطقتنا تستفيد من تاريخها و تعي حاضرها , وتجيب على مستقبلها، سنبقى نتعتر ونعيش على هامش الأمم والشعوب.
*أستاذ التعليم العالي للرياضيات بفاس
تعليقات الزوار ( 0 )