Share
  • Link copied

مبادرة مدنية دولية تسعى لإحياء حلم “الاتحاد المغاربي” وكسر جدار القطيعة بين المغرب والجزائر

أطلق عدد من الفاعلين المدنيين الدوليين، من بينهم جمال بن عمر، وكيل الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، مبادرة تهدف إلى خلق مناخ ملائم للمصالحة بين المغرب والجزائر، مع التشديد على أهمية إعادة جسور التواصل بين الشعبين الشقيقين، وتجاوز الأزمة السياسية المستمرة بين البلدين. وتسعى هذه المبادرة إلى بعث الروح في المشروع المغاربي المشترك، الذي ظل يراوح مكانه لعقود.

ورغم قتامة المشهد السياسي، تشير المبادرة إلى أن غالبية شعوب المنطقة لا تزال تؤمن بفكرة الوحدة المغاربية، معتبرة أن الخلافات لم تتجاوز سقف الأنظمة الرسمية، في وقت بقيت فيه المجتمعات المغاربية متمسكة بالأمل، رغم تصاعد خطاب الكراهية وغياب المبادرات الرسمية.

ويشرف “المركز الدولي لمبادرات الحوار” على هذه المبادرة، التي تقترح اعتماد ملف الاتحاد المغاربي كإطار جامع لطرح القضايا الخلافية، وبحث حلول للأزمات الراهنة، وخلق آلية وقائية لتجنب اندلاع نزاعات جديدة قد تهدد أمن واستقرار المنطقة. وتهدف المبادرة إلى كسر حاجز الصمت الذي يحول دون تعبير “الأغلبية الصامتة” المؤيدة لفكرة الاتحاد عن مواقفها، في ظل هيمنة أصوات تدعو إلى القطيعة والتصعيد.

في هذا السياق، يستعد المركز لإطلاق منصة تضم لجنة مستقلة من شخصيات فكرية مغاربية، تتولى مهمة تشخيص العقبات البنيوية التي تعترض طريق الوحدة، وصياغة حلول واقعية، فضلاً عن إعداد أوراق بحثية وسياسات عمومية لفهم أعمق لتحديات البناء المغاربي المشترك.

وتعتبر المبادرة أن قرار الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب في غشت 2021 شكّل نقطة تحول فارقة، انتقلت فيها العلاقات من حالة الجمود الطويل إلى وضع أكثر توتراً، زادت حدته مع تنامي سباق التسلح وتوسع رقعة الخطاب العدائي في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي. وترى أن هذا الوضع يعزز المخاوف من انزلاق خطير قد يتطور إلى صدام عسكري، ويهدد الاستقرار الهش في شمال إفريقيا.

وتستحضر الوثيقة التاريخ المعقد للعلاقات المغربية الجزائرية على مدى أكثر من ستة عقود، حيث غلبت القطيعة على فترات الوئام، وسط ما وصفته بحالة “اللاتقارب” و”اللاعداء”، والتي رغم تجنبها الحرب المباشرة، ظلت عاجزة عن تحقيق تقارب حقيقي بين البلدين. غير أن التصعيد الراهن، حسب المبادرة، يفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر سوداوية.

وتشير المبادرة إلى أن تحقيق حلم الاتحاد المغاربي سيظل رهيناً بإصلاح العلاقات الثنائية بين الرباط والجزائر، باعتبارهما قطبيْ المنطقة، وهو ما يقتضي معالجة الخلافات العميقة التي ظلت تعيق المشروع، وعلى رأسها ملف الصحراء، الذي شكل بؤرة توتر دائم بين البلدين. وتلفت أيضاً إلى أن إغلاق الحدود لأكثر من 25 سنة تسبب في أضرار اجتماعية واقتصادية عميقة، خصوصاً لدى سكان المناطق الحدودية، الذين دفعوا ثمن الخلافات السياسية.

ويبرز التصور أن التحديات لا تقف عند الجانب السياسي فحسب، بل تشمل أيضاً عوائق اقتصادية وأمنية عميقة، منها ضعف التبادل التجاري بين دول الاتحاد، والذي لا يتجاوز 5 في المئة، وغياب تنسيق فعال لمواجهة التهديدات الأمنية والإرهابية، ما يجعل المنطقة من أقل مناطق العالم اندماجاً.

ويُعيد التقرير التذكير بمراحل تأسيس اتحاد المغرب العربي سنة 1989 في مدينة مراكش، بمشاركة المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، قبل أن يتعثر لاحقاً بسبب الخلافات السياسية، خصوصاً بعد انسحاب الاستعمار الإسباني من الصحراء، وتزايد الدعم الجزائري لجبهة البوليساريو، وهو ما أدى إلى جمود فعلي لأنشطة الاتحاد، وأدى إلى تجميد أغلب آليات التنسيق المغاربي.

وفي سياق متصل، اعتبر الصحفي المغربي علي أنوزلا أن غياب الديمقراطية في دول المنطقة يمثل أحد أبرز العوائق البنيوية التي تحول دون بناء اتحاد مغاربي حقيقي. وأكد، في مقال نشره على موقع “المركز الدولي لمبادرات الحوار”، أن جميع دول الاتحاد تعاني من أنظمة سياسية غير ديمقراطية أو شبه سلطوية، وهو ما يعرقل قيام مشروع تكاملي على أسس مؤسساتية راسخة.

وشدّد أنوزلا على أن التجارب الناجحة في العالم، كالاتحاد الأوروبي، تأسست على قواعد الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، مشيراً إلى أن استعادة حلم الوحدة يتطلب انخراط المجتمع المدني، وتكثيف الحوارات غير الرسمية بين الفاعلين، ومنح الشباب دوراً أكبر في صياغة مستقبل المنطقة، إلى جانب بلورة خارطة طريق عملية تعزز الثقة وتراكم خطوات التقارب التدريجي.

وختم بالتأكيد على أن الحلم المغاربي لا يزال ممكناً، لكنه لن يتحقق من دون إرادة سياسية صادقة، ووعي جماعي يتجاوز منطق الصراع نحو منطق البناء والتعاون.

Share
  • Link copied
المقال التالي