منذ أكثر من عقد، إنطلقت بمختلف الأقاليم الخمسة لجهة درعة-تافيلالت مشاريع استثمارية فلاحية ضخمة في إطار “مخطط المغرب الأخضر”، همت العديد من المزروعات وخاصة منها أشجار النخيل والتفاح ومزروعات أخرى كالبطيخ والبيسطاش وغيرها..
وقد استفادت هذه المشاريع من دعم الدولة، وخاصة مع صدور القوانين 62.17 و63.17 و64.17 المتعلقة بالوصاية الإدارية والتحديد الإداري للأراضي السلالية..
ومع توالي الجفاف، وندرة التساقطات المطرية، وتقلص الموارد المائية في الأنهار والسدود، وتراجع المياه الجوفية، بدأت العديد من الأصوات تخرج للعلن لتطرح مدى تأثير هذه الضيعات الفلاحية الضخمة المستحدثة بجهة درعة-تافيلالت على التوازنات الإيكولوجية بالجهة، ناهيك عن مدى نجاعتها وفعاليتها في النهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لساكنة المنطقة، وخاصة منهم ذوي الحقوق المالكين الفعليين للأراضي السلالية التي أنشأت على أراضيهم هذه الضيعات، وذلك طبقا للمقتضيات القانونية المذكورة وأساسا طبقا للتوجيهات السامية الواردة في خطاب جلالة الملك لسنة 2018.
بطبيعة الحال، لا أحد يجادل في أهمية تعبئة الأراضي السلالية للنهوض بالمشاريع الاستثمارية، الفلاحية منها أو الخدماتية (السياحية والصناعية والمعدنية) وغيرها، وذلك عبر مساطر الكراء أو التفويت أو الشراكة من خلال دفاتر التحملات التي تسهر على إعدادها سلطات الوصاية مركزيا وإقليميا بشراكة مع باقي المتدخلين.
لكن ما يتم معاينته حاليا بجهة درعة-تافيلالت يدفع لطرح مجموعة من التساؤلات المشروعة حول علاقة هذه المشاريع الفلاحية الضخمة بأهداف التنمية المستدامة بجهة درعة-تافيلالت، وخاصة إذا علمنا أن غالبية منتجات هذه الضيعات الفلاحية والتي تستهلك موارد مائية ضخمة في منطقة صحراوية جافة (شجرة واحدة من نخيل “لمجهول” تستهلك ما يعادل 60 متر مكعب من المياه سنويا) جلها موجه للتصدير، سواءا خارج الجهة أو خارج الوطن. كما أن غالبية المستفيدين من هذه الأراضي لا ينتمون للجماعات السلالية بجهة درعة-تافيلالت، وجل المستثمرين هم شركات وطنية أو أجنبية كبرى تستغل وحدات بمئات الهكتارات وتشتغل أساسا في مجالات الإنتاج الفلاحي الموجه للتصدير.
وفي غياب أي إحصائيات حول مدى إستفادة ذوي الحقوق من الجماعات السلالية أو باقي ساكنة الجهة من حقهم الانتفاعي من عائدات هذه المشاريع، وأساسا الشباب والنساء الذين مازال معظمهم يعانون من البطالة والتهميش، فإنه من الصعب الجزم بمدى وجود تأثير إيجابي لهذه الضيعات الفلاحية الضخمة على التنمية المستدامة بجهة درعة-تافيلالت، على الأقل للتعويض عن التأثيرات السلبية التي تتعرض لها الفرشة المائية للجهة بسبب الاستهلاك المفرط للمياه الجوفية ناهيك عن تقلص مساحة وبالتالي غلاء أثمنة العقار بشكل ينذر بحدوث توثرات اجتماعية على المدى القريب، وهو ما يستوجب من سلطات الوصاية وسائر المتدخلين، خاصة في هذه الظرفية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، الإنتباه إليه والعمل على إطلاق ديناميات تنموية حقيقية تشرك الرأسمال البشري (وخاصة شباب وكفاءات الجهة) في تحقيق تنمية مستدامة، وليس فقط الارتهان لمقاربة تقنوقراطية عقيمة لا تهمها مؤشرات التنمية المستدامة بقدرما تهمها أرقام النمو المرتفعة التي تعدها مكاتب دراسات تنقلها عن مكاتب التصدير والاستيراد..
فبين أرقام النمو croissance ومؤشرات التنمية développement، قد تضيع حقوق الأجيال القادمة في جهة تعد أفقر جهة بالمغرب..
أما حقوق “ذوي الحقوق” بهذه الجهة، فتلك قصة أخرى.
تعليقات الزوار ( 0 )