أصبح الشغل الشاغل لدول العالم يتمثل في سبل مكافحة فيروس كورونا و فرض القيود
و الإجراءات الاحترازية كإغلاق الحدود و فرض حالة الطوارئ الصحية ، بالإضافة إلى
البحث المستمر عن إيجاد لقاح للحد من
انتشار فيروس كورونا . إلا أن ليبيا لا تزال غارقة في الإنقسامات بسبب الصراع
المسلح و لا تزال فوهات البنادق و الرشاشات منشغلة بقتل الفرقاء السياسيين لبعضهم البعض
دون التفكير في النمط الجديد للحياة الذي يفرضه فيروس كورونا .
فالنزاع المسلح و كورونا قد تكون معادلة
مستحيلة ، كأن تقاتل عدوين في وقت واحد، فالأول متشابك بين قوات تحمل نفس الدماء و
أشقاء رغم اختلاف الألقاب و الثاني سريع الانتشار و يسعى إلى الهلاك.
فقد أعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني تطبيق حظر التجوال التام ابتداءا
من يوم الجمعة 17 أبريل و لذلك لمدة 10 أيام ، حيث يستثنى من حظر التجوال اعمال
النقل للمواد الغذائية و المحلات التجارية الضرورية.
كما صرحت الحكومة الليبية المؤقتة شرق البلاد أنها اتخذت حزمة من الاجراءات الوقائية، إلا ان في الواقع تبقى كل
هذه الاجراءات سواء في الشرق و الغرب الليبي أقل من المستوى المطلوب قياسا على
تعليمات منظمة الصحة العالمية و التدابير
المتخذة على المستوى العالمي ، بالإضافة إلى وتيرة الصراع المتزايد في ليبيا.
فوصلت الإصابات المؤكدة بليبيا إلى 61 حالة مؤكدة ( يوم 25 أبريل ) موزعة على كُبريات
المدن ، طرابلس 37 حالة ، مصراتة 10 حالات، ثم بنغازي 4 حالات بالإضافة 10 حالات
موزعة على ضواحي طرابلس العاصمة.
و سبق أن أشار مدير منظمة الصحة العالمية لإقليم الشرق الاوسط، إلى أن سبب قلة رصد
حالات الاصابة يعود إلى ضعف قدرة نظام الرصد و التحليل المخبري . حيث ان المركز
الوطني لمكافحة الأمراض في طرابلس يمتلك مختبرا واحدا للتحاليل المخبرية، للكشف عن
المشتبه في إصابتهم بالفيروس على الصعيد الليبي كله.
كما أن جل المستشفيات والمراكز الصحية تضررت في عدد من المناطق بسبب الصراع و
الفوضى التي شهدتها البلاد منذ انطلاق الثورة. فليبيا اليوم أصبحت تعرف نقصا حاد
في الأطر و المعدات الطبية.
و في زمن يفتك الفيروس في العالم اشتد الصراع و القتال بين الفرقاء في ليبيا بعد إطلاق قوات حكومة الوفاق الوطني الليبي عملية عسكرية “عاصفة السلام ” وهي عملية أطلقتها حكومة الوفاق للسيطرة على المدن و على المناطق الخاضعة لقوات حفتر، كرد على هجمات قوات حفتر على طرابلس و فك الحصار الذي فرضته على العاصمة منذ أبريل 2019.
إن ليبيا اليوم تواجه تفشي الفيروس على نطاق واسع في البلاد بسبب النزاع المسلح، وهو ما يلوح في الافق ببوادر الاضطراب الاقتصادي و الاجتماعي . كما ان هذه الاوضاع من الممكن ان تسفر عن عواقب إنسانية وخيمة . نتيجة تردي الأوضاع الأمنية و الاقتصادية و كذا الانسانية، وهو ما سنحاول إبرازه بإيجاز من خلال مقالنا هذا.
الوضع الأمني
تصاعدت أعمال العنف إثر الهجوم العسكري الذي قادته قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر على طرابلس العاصمة في 4 من أبريل 2019 . شملت هذه الاعمال العدائية اشتباكات بين القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني و الجيش الوطني الليبي التابع للواء خليفة حفتر . خلفت مجموعة من الانقسامات في الاراضي الليبية و جعلت مجموعة من المناطق تسيطرعليها قوات خليفة حفتر.
فبعد فرض الحصار على طرابلس طيلة عام كامل من قبل قوات حفتر ، أطلقت حكومة الوفاق عملية ” عاصفة السلام “في 26 مارس 2020 لفك الحصار على طرابلس و للهجوم على معاقل قوات خليفة حفتر و تأمين الشريط الساحلي الغربي وصولا إلى مدينة ترهونة جنوبا ، التي تعتبر أهم نقطة استراتيجية لقوات حفتر بإتخاذها مركزا لعملياتها العسكرية على طرابلس.
كما ان شرق البلاد اصبح يعرف تدهورا في النظام العام بما في ذلك عمليات التهريب و الاتجار غير المشروع في السلاح و المخدرات. ولا يزال تنظيم الدولة يشكل تهديدا للأمن و الاستقرار في ليبيا ، حيث ان الأوضاع المتدهورة تسمح للجماعات المتطرفة التوسع في أنشطتها داخل الأراضي الليبية.
بالإضافة إلى الجنوب الليبي الذي يشهد تشنج لا يقل عن الشمال، حيث الاشتباكات بين قبائل تبو في مدينة سبها الليبية و الجيش الليبي المتمثل في اللواء السادس ، بالإضافة إلى مجموعة من الهجمات التي تقودها جماعات مسلحة تشادية على مدينة سبها الليبية.
كما أن ليبيا ما يِؤزم وضعها السياسي و الامني هو التدخلات الخارجية لدول المنطقة التي حددت بوصلتها الاستراتيجية مصالح لها في ليبيا ، و هو ما رفضته الجامعة العربية باعتبار ان التدخلات الخارجية تسهم انتقال المقاتلين المتطرفين و الإرهابيين الأجانب إلى ليبيا.
وتتضح على نحو متزايد المخاطر و العواقب المباشرة للتدخلات الأجنبية. بزيادة عدد
المقاتلين و الدعم العسكري الذي تقدمه
مجموعة من الدول كتركيا للمجلس الوطني الليبي و الامارات و الولايات المتحدة لقوات
خليفة حفتر.
الوضع الاقتصادي
تعرف السيولة النقدية في ليبيا تحديا بسبب عجز المصرف المركزي الرسمي في غرب ليبيا و فرع المركزي الموازي في شرق ليبيا عن تقديم أموال نقدية.
كما انخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي بمقدار الثلثين بسبب النزاع و سجل الدين زيادة كبيرة. حيث البنك الموازي شرق ليبيا زاد 43 بليون دينار ليبي، ونتج عن ذلك أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بلغت 150 في المائة.
الوضع الانساني
إن الأعمال العدائية التي وقعت في العاصمة و في الاحياء المكتظة بالسكان ، ساهمت من زيادة التشريد الأسر القريبة من منطقة النزاع ، و لايزال أكثر من 000 231 مدني في مناطق متاخمة لخطوط المواجهة و 000 380 شخص يعيشون في مناطق متضررة من النزاع بشكل مباشر.
حسب تقارير المنظمات الانسانية بليبيا يوجد ما يفوق 48 ألف من سكان مدينة توارغاء الساحلية ، هُجروا قسرا بعد سقوط نظام القذافي . انتقاما لدعهم نظام القذافي خلال أحداث الثورة الليبية بعدما اتخذت كتائب القذافي من مدينتهم منطقة عسكرية للهجوم على مصراتة. إلا انه بعد سقوط مدينة توارغاء في يد ثوار مصراتة قاموا بطرد سكانها و تدمير المدينة و حرق المنازل ، فوجدوا أنفسهم مجبرين على هجرة غير اختيارية لهم داخل وطنهم ، و عقب ذلك نزحوا جنوبا في الصحراء و إلى ضواحي طرابلس العاصمة و أقاموا في مخيمات لا تتوفر على أبسط ظروف العيش.
وحسب المنظمات الانسانية ، يعاني النظام الصحي في ليبيا من ضغط متزايد و نقص في الموارد ، و يضع مؤشر الأمن الصحي العالمي ليبيا بين 27 دولة من أصل 195 الاكثر عرضة لتفشي الأمراض الناشئة . حيث عرفت تزايدا في الاحتياجات نتيجة النزاع الذي تعرفه البلاد ، فأكثر من 24 في المائة من المرافق الصحية مغلقة بسبب النزاع أو انقطاع التيار الكهربائي او بسبب الأضرار التي لحقت المرافق الصحية.
فمنذ اندلاع النزاع في 4 ابريل من السنة الماضية، سجل ما لا يقل عن 50 هجوما على مرافق الرعاية الصحية والعاملين في مجال الصحة.
كما أن الوضع الحقوقي في ليبيا لا يزال يعرف انتهاكات و تجاوزات جسيمة لحقوق الانسان و للقانون الدولي الانساني ، حيث ترتكب في جميع أنحاء ليبيا مع الإفلات التام من العقاب ، بما في ذلك عمليات الإعدام و حالات الاختفاء القسري و التعذيب.
فيوجد حوالي 8500 محتجز في 28 سجنا من السجون الرسمية – إلا ان هذه الارقام تبقى نسبية و في ارتفاع نتيجة الاحتجاز التعسفي و القسري في اماكن الاحتجاز غير الرسمية . بالمقابل طالبت مجموعة من الهيئات الافراج عن المعتقلين بما فيهم عناصر تنظيم الدولة الإسلامية و الحركات الجهادية و هو ما قد يؤزم الوضع الأمني مستقبلا و يفتح الباب أمام إعادة تكتل هذه الجماعات المسلحة.
ان ليبيا اليوم تشهد تأزما و دمارا مستمر، بسبب التدفق الكبير للأسلحة و المقاتلين بالإضافة إلى التنافس الإقليمي و هو ما أدى إلى تمزق البلاد بين الشرق و الغرب . كأن ما تمر به ليبيا هو استنساخ للأزمة السورية ، فلا أمن أصبح في أرض ليبيا.
تعليقات الزوار ( 0 )