Share
  • Link copied

لن يفلح قوم يزرعون الفتنة بين المريدين، ألا في الفتنة سقطوا!!

بادئ ذي بدء، نسأل الله تعالى أن ينعم بالشفاء العاجل على القطب الرباني شيخ الطريقة البودشيشية المباركة الدكتور سيدي جمال القادري البودشيشي، الذي تم نقله مؤخراً للعلاج بمصحة بوجدة تحت رعاية ملكية حسب تقارير إخبارية بهذا الخصوص. كان الله في عون المريدين وأنجاله وأحفاده البررة، وكل أهله الكرام.

وقد خاب من دساها

ومن المؤسف أن يقوم بعض دعاة الفتنة، نخص منهم المسمى عبد الرزاق بودشيش، المقيم بوجدة، بمعاكسة تيار إجماع الطريقة على من ذكرته الوصية المباركة بالاسم ليتسلم الإذن الرباني لقيادة الزاوية، وهو خير خلف لخير سلف، بل إن الأمر محفوظ ومبشر به منذ عهد المرحوم الشيخ سيدي الحاج العباس، نفعنا الله بذكره. ويتعلق الأمر بالدكتور مولاي منير القادري البودشيشي، رئيس الملتقى العالمي حول التصوف، والذي شهد إشعاعاً دولياً منقطع النظير منذ تأسيسه.

وتقول جريدة المساء الصادرة يوم 21 يناير 2025 في هذا الصدد، إن (الوصية التي أعلنها الشيخ بتاريخ 18 يناير 2025، في ليلة وصفها أتباع الطريقة بـ”الليلة الكبرى”، أكدت أن “السر الرباني ذو السند الصحيح والمتين” سيبقى في عائلة القادري البودشيشي، وسيؤول إلى مولاي منير، الابن الذي وصفه الشيخ بأنه الأمين على أمانة الدعوة والتربية الروحية).

هذه الخطوة أربكت الأجواء داخل الزاوية، حيث يرى البعض أنها جزء من تنظيم انتقال المشعل الروحي، بينما اعتبرها آخرون علامة على اقتراب نهاية مرحلة فريدة في تاريخ الطريقة. حالة من الرعب تسود بين المريدين، الذين بدأوا يتساءلون عن مصير الزاوية في غياب الشيخ، الذي شكل رمزاً روحياً وقيادة لا غنى عنها لسنوات طويلة.

وتزامن الإعلان مع بشارة روحية أعلنها الشيخ عن انتقال النور المحمدي والمدد الروحاني إلى خليفته، مولاي منير، الذي يراه المريدون مؤهلاً لحمل هذا العبء الكبير…

قال لي: “سيدي منير فوق الكرسي”، وأعادها ثلاثاً، والله على ما أقول شهيد.

وفي هذا الصدد، نشر قبل أيام السيد عبد الجبار شكيب، وهو ابن الدار وصهر لسيدي حميدة البودشيشي رحمه الله، شقيق المرحوم الشيخ سيدي حمزة البودشيشي، نفعنا الله ببركته، شهادة لله يقول فيها:

“منذ أن وطئت قدما السيد رضي الله عنه المصحة، وأنا أزوره يومياً ومباشرة عن قرب. كنا نتناول وجبة الفطور تقريباً يومياً جميعاً، والسيد كعادته يبسط ويبعث رسائل لا مجال لذكرها الآن. المهم، حوله أطر طبية وشبه طبية لا تفارقه 24 ساعة على 24 ساعة، تحرسه داخل الغرفة. هذه من ناحية. أما من ناحية أخرى، فكانت الاتصالات مع مسؤول طبي كبير موكل من طرف سيدنا، الله يحفظه ويطيل في عمره، جارية بانتظام. ترسل التقارير الطبية في الحين، والمسؤول الطبي يباشر ويعطي التعليمات للأطر المشرفة على سيدي جمال، واتصالات جارية بين المسؤول الطبي وسيدي محمد نجل سيدي جمال، موثقة وعاينتها عن كثب يومياً وفي كل وقت إلى حدود الساعة. المهم، لقد أنعم سيدنا على السيد عناية كبيرة تنم على المحبة والرحمة. واتصل بي سيدي محمد يوم الخميس الماضي، استدعاني لرؤية السيد بطلب من السيد. ذهبت عنده، وإثر محادثتنا معه التفت سيدي جمال إلي وجعل يحدق في عيني وقال لي: “سيدي منير فوق الكرسي”، وأعادها ثلاثاً، والله على ما أقول شهيد”.

رابط الشهادة

آخر ما صرّح به المرحوم سي بلامين، السائق الخاص للمشمول برحمة الله القطب الرباني سيدي حمزة القادري

وفي حوار معه أجراه رئيس التحرير رشيد موليد عن المنبر الإلكتروني أصداء المغرب العربي، وهو منشور يوم 17 نوفمبر 2020، تحت عنوان: د.مولاي منير القادري بودشيش: (الزاوية أخذت التسمية من تقديم الطعام ولسنا سنداً للسلطة)، تحدث قائلاً عن الزاوية:

من المعلوم أن الطريقة البودشيشية طريقة قادرية، وبالتالي، فباعتبارها فرعاً يتفرع عن السند الصوفي النبوي، فإن تسميتها الأولى التي تميزت بها ترجع إلى الشيخ مولاي عبد القادر الجيلاني، أي أن هذه التسمية الأولى يرجع تاريخها إلى القرن الخامس الهجري. أما التسمية الثانية، وهي البودشيشية، فظهرت بعد أن انتقلت فروع القادرية إلى المغرب، وقد ظهرت التسمية بالضبط مع الشيخ سيدي علي بن محمد، دفين منطقة تاغجيرت بجبال بني يزناسن نواحي مدينة أحفير المغربية، وهو أحد أجداد الشيخ سيدي جمال الدين، حفظه الله، الشيخ الحالي للطريقة. وقد لُقّب هذا الجد بهذا اللقب “بودشيشة” نسبة إلى طعام الدشيشة أو التشيشة، وهو ما يُعرف في مناطق أخرى بالبلبولة. وذلك أنه زار أحد الصالحين برفقة جماعة من بني يزناسن، ويدعى سيدي بوعلي من أولاد بن عزة، فلما دخلوا عند ذلك الولي، وكان يخدمهم بنفسه يوم العيد، قدم إليهم في أول الأمر الدشيشة، وهو دقيق الشعير المطبوخ بكيفية خاصة، فاستنكفوا عن أكلها، وبقي الشريف القادري يأكل، والآخرون يحاولون منعه بالإشارة والتلميح دون أن يعبأ بهم، إلى أن شبع. فلما حضر طعام العيد وتناولته الجماعة وأرادوا الانصراف، خرج لتوديعهم فطلبوا منه الدعاء لهم، فأجابهم على الفور: “البركة أخذها بودشيشة”، مشيراً إليه.

وهناك تعليل آخر مفاده أن مجاعة اجتاحت المنطقة في منتصف القرن التاسع عشر وأهلكت الضرع والزرع، وكانت الزاوية تطعم خلالها كل من آوى إليها بطعام الدشيشة.

بكم يُقدَّر عدد مريدي الطريقة البودشيشية سواء في المغرب أو خارجه، وما مدى إشعاع الزاوية بأفريقيا؟

عرفت الطريقة القادرية البودشيشية اكتساحاً في شتى أقطار المعمور. ففي أوروبا، تنتشر في فرنسا وبلجيكا وهولندا وإيطاليا وإنجلترا وإسبانيا، وبدأت تعرف انتشاراً كذلك في البلدان الإسكندنافية. أما آسيا، فتعرف تواجد مريدين خصوصاً في أندونيسيا وماليزيا وحتى في اليابان. كما يوجد مريدون للطريقة في القارة الأمريكية، خصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، بالإضافة إلى المكسيك. وهناك أتباع كذلك في إفريقيا، خصوصاً دول الساحل من النيجر ومالي والكوت ديفوار والسنغال ونيجيريا وحتى في جنوب إفريقيا. ويجتمع المريدون أينما كانوا حول ثوابت إمارة المؤمنين، والفقه المالكي، والعقيدة الأشعرية، والتصوف السني السلوكي الأخلاقي المبني على المحبة والاعتدال والوسطية.

كم عدد الأوروبيين ضمن مريدي الزاوية، وكيف يفهمون ويتجاوبون مع حلقات الذكر والأجواء الروحانية رغم عائق اللغة؟

المريدون الأوروبيون يعدون بالآلاف، واللغة لا تُعد عائقاً بالنسبة لهم، لأن اللغة التي تهم هي لغة القلوب. يقول صلى الله عليه وسلم: “أينما وجدت قلبك فخيم”. فقد أحس هؤلاء الأوروبيون بالدفء والمحبة والتراحم والرحمة وعدم الإقصاء والاحترام، بعد أن كانوا يعيشون فراغاً روحياً في بلدانهم. فصاروا يحسون بأمن داخلي وسعادة، فلا تبقى اللغة حاجزاً، لأنهم يشعرون بالدفء الروحي. لذلك، سنة بعد سنة، يتوافدون بأعداد مهمة ليلمسوا عن كثب ما تحمله الطريقة القادرية البودشيشية من المعاني السامية التي يعكسها التصوف، الذي يعد مقام الإحسان، والذي يجسد الإسلام الحقيقي: إسلام الرحمة، والأخلاق، والمحبة، والأمن، والأمان، والسلم، والسلام.

هذا الإسلام يتنافى مع ما يراه الإنسان العربي في الإعلام وسلوكيات بعض المسلمين في أوروبا، من صورة مشوهة تعكس العنف والإقصاء والتطرف، والإسلام منها براء. إن البعد الروحي للإسلام المغربي يفند كل الادعاءات، ويبيّن أن الإسلام الحقيقي هو إسلام الرحمة والخير، وإسلام الصفاء، والتصوف، والمعاملة، والوسطية، والاعتدال. وهذا ما تعكسه الطريقة القادرية البودشيشية، وما تلقنه من تعاليم إسلامية بعيدة عن الفلكلور والبدع، لأن أصلها الكتاب والسنة، وكل ما يخالفهما فهي منه براء وبعيدة عنه. فصحبة الشيخ هدفها هذه التزكية النفسية وطهارة القلب، باعتباره الشيخ المربي الدال على الله.

في الطريقة البودشيشية، هل هناك طرق يتبعها أي مريد يطمح لقيادة الزاوية وليصبح شيخاً؟ وهل تولي المشيخة يكون وفق شروط المكابدة والمجاهدة، أم أن مرتبة الشيخ تكون بالوراثة؟

بالنسبة لهذا السؤال، يجب أولاً تصويب الشق الأول منه وتصحيحه، لأنه ليس في الطريقة طرق يتبعها أي مريد يطمع لقيادة الزاوية وليصبح شيخاً.

المريد يسلك طريق التصوف ليطهر قلبه من القاذورات والأمراض، ويزكي نفسه حتى يكون لها ترقٍّ روحي من النفس الأمارة بالسوء إلى النفس اللوامة، ثم إلى النفس المطمئنة الراضية المرضية. فمن عرف نفسه عرف ربه، وعرف شوائبها وجاهدها، لأن مجاهدتها هو الجهاد الأكبر، وكما يقول ابن عطاء السكندري: “إذا حلت الهداية قلباً نشطت للعبادة الأعضاء”. وهذا ما يهدف إليه التصوف في الطريقة، من خلال تلقين مكارم الأخلاق التي بُعث من أجلها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والتي أكدها في حديثه الشريف: “إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق” (رواه أحمد). وتسعى التربية الصوفية إلى تغذية البعد الإيماني الإحساني لدى المسلم، ليتحقق بمقام المراقبة وطمأنينة القلب من خلال الذكر: “ألا بذكر الله تطمئن القلوب” (سورة الرعد، الآية 28)، وقراءة القرآن الذي فيه شفاء لجميع الأسقام، خصوصاً الباطنية من حسد وكراهية وعدوانية. ويصير بذلك يعيش السلام الباطني ليقتسمه مع محيطه، فينتقل من السلام الباطني إلى السلام الظاهري مع جميع المخلوقات، وبذلك يعيش الرحمة ويتقاسمها مع جميع المخلوقات، ويكون المسلم بذلك سفيراً للقيم الأخلاقية والإنسانية، ويعيش السلم والسلام مع نفسه ومع محيطه وعائلته، ويعكس هذا الخلق الذي أتى من أجله النبي صلى الله عليه وسلم.

كيف يتم تدبير إيواء وإطعام آلاف الزوار خلال ليلة القدر، أو في ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم؟

الطريقة ليس لها موارد خارجية، بل تعتمد على مساهمات مريديها الذين يعتبرون أبناءها. وهذا جارٍ به العمل في أي مؤسسة، سواء كانت سياسية أو جمعوية. فتمويل مصاريف المناسبات الكبرى، كعيد المولد النبوي وليلة القدر، يعتمد على الموارد الذاتية للزاوية وتبرعات المريدين، وذلك داخل في إطار البعد السلوكي التربوي للمريد، من خلال حثه على الصدقة والإطعام والبذل والعطاء في سبيل الله.

أقوال وحكم عن الفتن:

الناس أعداء ما جهلوا، ونشر الحكمة في غير أهلها يورث العداوة ويطرح الشحناء ويقدح زند الفتنة. – أبو حيان التوحيدي

كن في الفتنة كابن اللبون، لا ظهر فيركب، ولا ضرع فيُحلب. – علي بن أبي طالب

إذا لم تكن عالماً فكن مستمعاً واعياً. – علي بن أبي طالب

ثلاث قواعد للعمل: بعيداً عن الفوضى تجد البساطة؛ من الفتنة تجد الانسجام؛ وفي منتصف الصعوبة تكمن الفرصة. – ألبرت أينشتاين

في ساعة الفتنة، الكل سيدفع نصيبه من ثمنها: مُشعلها، والراضي بعمله، والساكت عنه، والرافض لها، والاختلاف هو في أي صف يقفون: الحق أم الباطل. – علي إبراهيم الموسوي.

Share
  • Link copied
المقال التالي