من كمال العدل الالهي ان ينال الظالمون من مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وشرار الخلق من القتلة و الفاسدين والجلادين والكفار بإصرار وقصد وظلم ما يستحقون فهؤلاء لا يمكن ان تشملهم، الرحمة الإلهية حتى لا تضيع حقوق الضحايا ولا يتساوى من آمن وعانى مع من كفر. عن هوى وغواية وإصرار ، وليس عن بحث صادق وتحقيق واجتهاد ، فلايظلم ربك احدا ، وقد وعد الله بعقابهم ووعده الحق ولذلك فالرحمة لمن يستحقها وليس لكافة الناس دون تمحيص وحساب ، غير ان هذه الرحمة ليست لإحد من الخلق ان يحكم بها لفلان او علان من الأشياع والاتباع ، وإنما هي لله وحده يحكم بها لمن شاء وفقا لما قرره من وعد ووعيد .وهذا العدل مرتبط بحرية الإرادة الإنسانية وحق الاختيار في أتيان الأفعال وليس بالجبر والقضاء المبرم وحتمية الأقدار. لأنه لا حساب دون مسؤولية ولا عدل دون اختيار.
ولذلك فأنا عندما اطلب الرحمة للموتى فإنما أطلبها لعامة الناس ممن لم يعلم حالهم ويظهر شرهم وطغيانهم من المخالفين ومن المعتدلين والمتشديدين على خلاف مشاربهم الفكرية والايديولوجية، ما لم يتورطوا في قتل أو ظلم ، فكل هؤلاء امرهم الى الله وهو المطلع على نواياهم ، وهؤلاء من يجب حسب اعتقادي ان نمسك عن الإساءة اليهم بعد الموت بسبب خصومة فكرية في الرأي أو العقيدة وذلك من باب التسامح ، وعدم التعصب الاعمى والتطرف في أي اتجاه كان ، يمينيا أو يساريا ، لأنه أمام الموت يتساوى الجميع ، وكذلك من باب عدم الاقصاء والاستئصال في الدنيا والآخرة ، ولا نحكم على احد بالكفر أو الفسق أو الزندقة أو النار ، ما لم يعلن ويصرح هو نفسه خلاف ذلك إعلانا صريحا لا لبس فيه ولا يحتمل التأويل , وهو في حالة الوعي وفي وضع الحرية التامة وفي ظرف لا يتسم بالإجبار و الإكراه فذلك اختياره وهو مسؤول عليه أمام الله وليس من حق احد من الخلق ، ما دام ان ذلك يدخل في اختصاص الله ، وحرية الرأي والعقيدة ، ما لم ينتقل ذلك الى عالم الجريمة والاعتداء على الأموال والأرواح .
اعتقادي ان عامة الخلق داخلون في رحمة الله وهم من الناجين أن شاء الله ، من المسلمين وغيرهم ، ما دام انه ليس غير المسلم بالضرورة كافر ، لأن الكفر هو التغطية والكافر هو من عرض عليه الإيمان بدليل وبرهان وأعرض ورفض عن غي وعن هوى وجحود ، ذلك أن الدين عند الله واحد ، لأن مصدره واحد وهو الله الواحد ، الأحد ، وإنما إختلفت الرسالات باختلاف العصور. والعادات والأمم ، والتحريف والتزوير، قال الله تعالى :
قوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة 62))
وقوله أيضا: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (المائدة 69)صدق الله العظيم).
ولذلك قال حجة الإسلام ابو حامد الغزالي في كتابه فيصل التفرقة بين الاسلام والزندقة :(أنا أقول: إن الرحمة تشمل كثيراً من الأمم السالفة، وإن كان أكثرهم يعرضون على النار إما عرضة خفيفة، حتى في لحظة، أو في ساعة، وإما في مدة، حتى يطلق عليهم اسم بعث النار بل أقول: إن أكثر نصارى الروم والترك في هذا الزمان تشملهم الرحمة إن شاء الله تعالى: أعني الذين هم في أقاصي الروم والترك، ولم تبلغهم الدعوة،).قال الله تعالى :(قل تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا ).فالحقيقة الفاصلة هي الاعتراف بالألوهية والتوحيد وعدم الاشراك بالله والعمل الصالح .وهي سبل النجاة في الدنيا والآخرة .لكل أحد من العالمين ما لم تصله دعوة الإسلام على وجه صحيح مفهوم ومعروف وبسيط وبالحجة الدامغة والبرهان القاطع ، وكان الرفض والإعراض عن جحود وأنانية وكبرىاء وأنانية ، وهوى ، وحب الذات ، وليس عن تحقيق وبحث واجتهاد بنوايا صادقة ، فالله لا يكلف خلقه ما لا يطيقون .
ولذلك فكل من آمن وعمل صالحا من المسلمين أو غير المسلمين يمكن ان يكون الناجين الفائزين فالجنة ليست حكرا لأحد ا(للَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ”.) فالله هو المختص بالفصل والحكم بين الخلق والحساب مبنيّ على علمه المطلق المحيط بسرائر النفوس، وهي خاصية إلهية لم يشرك بها أحداً من خلقه، فالإنسان لا يعلم سرائر أقرب الناس إليه مثل زوجه وولده، والحساب يقتضي العلم المطلق، والأمور لا تكون حقائقها دائماً كما تبدو ظواهرها، لذلك من تواضع الإنسان ألا يتجرأ على القطع فيما ليس له به علم، وأن يدع مهمة الفصل بين الخلائق ونجاتهم أو هلاكهم للعليم بذات صدورهم..
وقد قال الداعية الحبيب الجفري في إحدى محاضراته ، ان غير المسلم يمكن ان يدخل الجنة
كما قالت الدكتورة آمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة الإسلامية، بجامعة الأزهر الشريف، إن كل شئ بميزان، وغير المسلم من الممكن أن يدخل الجنة بالتأكيد، طالما كان يوحد بالله، ويقوم بأعمال أخلاقية، ولا يؤذى الناس..
ولذلك فحديثى عن الرحمة الإلهية بالتحديد هي لعامة الناس المسالمين من اي تجاه كانوا ، ولو كانوا من المخالفين في الدين أو من المقلدين أو المجتهدين فلكل وجهة هو موليها. فالرحمة لهم جميعا .وقد أفضوا إلى ما قدموا.، روى الترمذي والحاكم والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عن النبي ص أنه قال : (اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساوئهم. صدق رسول الله.
تعليقات الزوار ( 0 )