شارك المقال
  • تم النسخ

لماذا تتشبث وزارة التربية الوطنية بإجراء الامتحانات الإشهادية؟

لا شك أن ما تشهده الحالة الوبائية بالعالم من تطورات سريعة مرتبطة أساسا بانتشار فيروس كورونا المستجد، كان له
بالغ الأثر على مجموعة من القطاعات الحيوية بمجموع أقطار العالم ، وطبعا لم تكن بلادنا بمنأى عن هذا الانتشار ، فقد
انخرط المغرب كغيره من دول العالم في محاربة هذا الوباء ومحاولة التصدي له، وذلك من خلال اتخاذ حزمة من
الإجراءات والتدابير الاحترازية ، كان أولها توقيف الدراسة الحضورية بجميع مؤسسات التربية والتكوين منذ 16 من
مارس 2020 وتعويضها بدروس يتم تقديمها عن بعد عبر مختلف المواقع والقنوات المتاحة لذلك.
لكن بعد استمرار انتشار الوباء ، وتمديد الدولة لحالة الطوارئ لشهر إضافي أخر، واقتراب المواعيد المقررة سلفا
لاجتياز الامتحانات الإشهادية ، تواترت العديد من التساؤلات المشروعة والمبررة من طرف التلاميذ وأسرهم ومدرسيهم
حول مال الموسم الدراسي الحالي وبالتالي مصير مئات الالاف من التلاميذ.
ورغم أن وزارة التربية الوطنية لم تفصح إلى حد الساعة عن أي إجابات أو تصورات في هذا الشأن، إلا أن الهيئة الوطنية
لأطر التخطيط التربوي بالمغرب ، قدمت تصورا يعتبر الأول من نوعه كقوة اقتراحية نادرة في ميدان التربية والتكوين
يتعلق بخطة استكمال الموسم الدراسي الحالي على ضوء أحد السيناريوهات المحتملة لتطور الحالة الوبائية بالمغرب،
والذي رهنت نتائجه بمدى الالتزام بعدة شروط أوردتها ضمن تصورها. لتتناسل بعد ذلك مجموعة من الاقتراحات
والتصورات من طرف العديد من الجهات والتي لم يخرج معظمها عن نطاق التصور الذي جاءت به الهيئة الوطنية لأطر
التخطيط التربوي، اللهم بعض التصورات التي اقترحت الاقتصار على إجراء الامتحانات بالنسبة لمترشحي التعليم الثانوي
فقط. دون الخوض في باقي العمليات الأساسية المتبقية لاستكمال الموسم الدراسي الحالي ، والتهييء للموسم الدراسي
المقبل.
ورغم أن العديد من الدول والحكومات أعلنت عن إجراءاتها لإنهاء الموسم الدراسي الحالي، من خلال تنقيل جميع التلاميذ
نحو المستويات الموالية، أو من خلال إلغاء جميع الامتحانات المتبقية بما فيها امتحانات البكالوريا كما هو الحال بالنسبة
لبعض الدول التي لها نفس نظامنا التعليمي، والاقتصار على المعدلات المتحصل عليها قبل توقيف الدراسة الحضورية، إلا
أن وزارة التربية الوطنية بالمغرب بقيت متشبثة بقرار اجتياز التلاميذ للامتحانات ، دون الإفصاح عن أية تفاصيل إضافية
حول كيفية وتواريخ إجرائها، وهو ما أدخل مجموعة من الأسر في دوامة من الانتظار والترقب حول مصير فلذات أكبادها،
وجعلها ضحية لسيل جارف من الأخبار الكاذبة والإشاعات المزيفة.
ويبقى السؤال البارز في هذه الحالة هو : لماذا ذهبت جميع هذه التصورات والاقتراحات بما فيها تصريحات بعض موظفي
الوزارة في اتجاه واحد ، وهو تمديد الموسم الدراسي الحالي من خلال تأجيل مواعيد الامتحانات ؟
الواضح أنه رغم انتقال حياتنا اليومية من حالة الروتين والمعتاد إلى حالة المباغتة والاستثناء، إلا أن طريقة تفكيرنا لم
تخرج عما هو معتاد ومألوف، فبقيت حبيسة الصندوق، وكأننا لم نستوعب أن الأمر يتعلق بمرحلة استثنائية تستلزم
طريقة تفكير استثنائية وربما مبدعة وغير مسبوقة.
فلماذا لا يتم التفكير في إلغاء جميع الامتحانات الاشهادية هذا الموسم ، بما فيها امتحانات الباكالوريا ؟ وذلك لعدة
اعتبارات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
 أن هذه الامتحانات تشكل ضغطا وإرهاقا نفسيا رهيبا على التلاميذ وأسرهم في الحالة العادية، فما بالك خلال الظروف
الاستثنائية التي نشهدها بسبب انتشار الوباء المستجد. وخاصة أن الدراسات المتخصصة في مجال “سيكولوجيا الأوبئة”

قد أثبتت أن تأثير هذه الأوبئة يجعل المجتمع يشهد موجات من الخوف والقلق وقد تدفع الأفراد نحو سلوكيات متناقضة ولا
عقلانية.

 أن الدول التي نحرص على أن نلمع صورة شهاداتنا المدرسية أمامها ، تعيش هي الأخرى نفس الحالة الوبائية أو أشد،
وإن كانت الوزارة ما فتئت تؤكد على أنه قد تم انجاز ثلاثة أرباع المقرر خلال الدراسة الحضورية، فهذا مبرر كاف
للاطمئنان على أن الكفايات التي اكتسبها التلاميذ تؤهلهم لمنافسة أقرانهم بالخارج حول مقاعد المؤسسات ذات
الاستقطاب المحدود ، كونهم يمتلكون نفس القدر من المعارف إن لم يكن تلامذتنا الأكثر حظا في جميع الأحوال.

 أنه لا يمكن لأحد أن يتنبأ بالسلوكيات التي قد تصدر عن تلاميذ في سن المراهقة أثناء الامتحانات رغم اتخاذ جميع التدابير
الاحترازية ، وهو ما شهدناه فعلا في الحالات العادية من عنف مدرسي وتمرد بل وتخريب أحيانا للمؤسسات وخاصة عند
محاولة التطبيق السليم لمذكرات زجر الغش ومنع تسريب مواضيع الامتحان .

 أن أي تراخ أو تهاون في تطبيق إجراءات السلامة والتي لا يمكن التنبؤ بها بسبب العامل البشري ، ستكون عواقبها
وخيمة على المجتمع والدولة ككل. فتتبع المسار الذي تسلكه ورقة امتحان واحدة ، يجعلنا نفهم خطورة إجراء أي امتحان
في ظل عدم التطويق النهائي والتام للوباء، فقبل أن تصل ورقة الامتحان الى المترشح فإنها تمر عبر سلسلة من الأيادي
البشرية ، ابتداء من مراكز النسخ مرورا بأيدي مراقبي الاجراء وصولا إلى المترشح، لتعود مرة أخرى من نفس المسار
مع دخول أيادي بشرية جديدة كخلية الكتابة داخل مراكز الامتحان والمراكز الاقليمية للامتحانات وصولا إلى أيدي الأساتذة
المصححين.

 عدم ضمان عودة جميع التلاميذ والأساتذة وأطر الإدارة التربوية إلى المؤسسات التعليمية خوفا من العدوى، وخاصة أن
من بينهم من قد يكون مصابا بأمراض مزمنة أو بأمراض تنفسية كالربو وضيق التنفس.

 أنه لا يمكن ضمان اتخاذ جميع احتياطات السلامة الصحية من طرف التلاميذ أثناء تنقلهم من وإلى مراكز الامتحان ،
وخاصة تلاميذ التعليم المدرسي الخصوصي الذين يتطلب تنقلهم استعمال حافلات النقل المدرسي ، حيث لا يمكن لهذه
الحافلات أن تنقل التلاميذ دفعة واحدة لخطورة لذلك، ولا أن تقوم بتنقيلهم عبر أفواج لما تتطلبه هذه العملية من مساحة
زمنية كبيرة ستكون مكلفة للمؤسسات وما قد يصاحبها من ضغط وتوتر إضافيين على التلاميذ وأسرهم ، خشية التأخر
عن مواعيد الامتحانات.

 أن أي تأجيل للامتحانات يعني تمديدا حتميا للموسم الدراسي وبالتالي عدم استكمال باقي الإجراءات الخاصة بالتهييء
للموسم الدراسي المقبل في الأجال المحددة ، وبالتالي تصدير تأثير الأزمة للموسم الموالي.

 أنه حان الوقت لمراجعة طريقة التقييم ونظام الامتحانات ببلادنا ، خصوصا بالتعليم الثانوي والذي صارت معه الشهادات
المدرسية بضاعة تخضع لمنطق الربح والخسارة، وصار معه الهاجس الأكبر والوحيد لدى التلاميذ وأسرهم هو النجاح
في الامتحان بمعدل وميزة معينة بغض النظر عن الكيفية التي تم بها الوصول إلى هذه النتيجة، كما صار معه التسابق بين
المؤسسات التعليمية العمومية والخصوصية فقط حول أعداد الناجحين وأعداد الميزات بغض النظر عن جودة هذه النتائج.
أكيد أن التفكير في أي تعديل بخصوص نظام التقييم بالتعليم الثانوي. لا يمكن أن يتم بمنأى عن المسار الدراسي اللاحق وهو
التعليم العالي، لدى ينبغي على المؤسسات الجامعية ما بعد الباكالوريا ، وخاصة ذات الاستقطاب المحدود أن تفكر هي الأخرى
في طرق جديدة لانتقاء المترشحين، تعتمد على معدلات بعض المواد الأساسية والمحصل عليها خلال مختلف مستويات التعليم
الثانوي، كما يمكن إعادة النظر في طريقة الانتقاء حسب العتبة وفتح المباريات أمام جميع المترشحين لإنصاف من تعثروا خلال

الامتحان لأسباب قاهرة، رغم ما يتطلبه هذا الاجراء من تفكير عميق لتجاوز الاكراهات التي قد يطرحها نقص الموارد البشرية
اللازمة لإجراء هذه المباريات.

مستشار في التخطيط

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي