مع تبخر آمال الجارة الإيبيرية في انعقاد القمة رفيعة المستوى الثانية عشرة بين مدريد والرباط، بعد أشهر من التأجيلات المغلفة بستار جائحة “كورونا”، تسعى إسبانيا إلى لـَيّ ذراع المغرب، وذلك ببدأ رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، جولة إفريقية تستهدف عدة دول باستثناء المغرب.
وأفردت وسائل الإعلام الإسبانية في اليومين الأخيرين مساحات واسعة للحديث عن تعزيز إسبانيا لعلاقاتها مع دول إفريقيا أخرى على جميع المستويات، وصياغة اتفاقيات جديدة بالقارة الإفريقية، بعد أن تقلصت خياراتها بشكل تدريجي مع المغرب في مسارات قنوات عملها الدبلوماسي.
إسبانيا لن تقف مكتوفة الأيدي
وفي هذا السياق، قالت صحيفة “الإسبانيول“، إن حكومة بيدرو سانشيز لن تقف مكتوفة الأيدي بعد التعليقين الأخيرين من الاجتماع رفيع المستوى مع المغرب، لافتة إلى أن إسبنيا تدرك أن جزءًا رئيسيًا من مستقبلها ينطوي على العلاقات مع دول إفريقيا وتعزيز وجودها على جميع المستويات من خلال الاتفاقيات الثنائية.
وأضافت الصحيفة الإسبانية، أن سانشيز سيبدأ جولته الإفريقية من أنغولا والسنغال، بقرار “استراتيجي” يقلل من الوزن النسبي للرباط، وكردة فعل من إسبانيا على “الجفاء” الذي صار المغرب يقابلها به، والمتمثل في التأجيل المتكرر الذي لحق القمة رفيعة المستوى بين إسبانيا والمغرب.
زيارة ذات طابع تجاري
بدورها، أوردت صحيفة “إي بي سي“، أن رئيس الحكومة، بيدرو سانشيز، سيستأنف جدول أعماله الدولي هذا الأسبوع بزيارة بلدين أفريقيين وهما أنغولا والسنغال (الخميس والجمعة)، مشيرة إلى أن هذه الزيارة، تحمل طابعا “تجاريا واضحا”.
وأوضح المصدر ذاته، أنه على الرغم من أن مواضيع الهجرة في حالة السنغال ستكون حاضرة أيضًا، إلا أنها تحدث بعد عشرة أيام من تقديم سانشيز استراتيجيته الدبلوماسية للقارة المجاورة: “Focus Africa 2023”.
قدر الجغرافيا يلقي بظلاله على العلاقات المغربية الإسبانية
عبد العالي بنلياس، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، يرى أن قدر الجغرافيا وثقل مخلفات التاريخ، تلقي بظلالها على العلاقات المغربية الإسبانية، التي تعرف تارة نوعا من الدينامية والتعاون والتنسيق حول القضايا والملفات المشتركة.
وأضاف بنلياس، في اتصال هاتفي مع “بناصا” أن العلاقة بين البلدين تعرف تارة أخرى نوعا من الفتور عندما يتعلق الأمر بمواقف إسبانيا من قضية الوحدة الوطنية، وأنه في هذه العلاقة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية التي تدور حول المصالح المشتركة، تحضر فيها إسبانيا بمنطق المتفوق والقوي والمعزز بالانتماء إلى الاتحاد الأوروبي.
وفي السياق ذاته، قال المتحدث ذاته، أن هاته المصالح يحضر فيها المغرب بمنطق الشريك ورابح رابح، والدولة التي تحقق إنجازات وانتصارات دبلوماسية وسياسية فيما يخص القضية الوطنية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وشدد، على أنه لا يمكن أن يكون المغرب شريكا استراتجيا في مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية ومكافحة الجريمة العابرة للحدود وشريكا اقتصاديا مهما لإسبانيا خارج دول الاتحاد الأوروبي، وفي نفس الوقت معاكسة حقه في طي وإنهاء قضية وحدته الترابية.
الجغرافيا السياسية تتغير نتيجة تغير الدبلوماسية
وأوضح أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أنه في السياسة لا توجد مساحات فارغة، وأن الجغرافيا السياسية قد تتغير نتيجة الدبلوماسية والمفاوضات والمصالح المتبادلة بين الدول، وكل دولة تحاول أن تملأ هذه الفراغات.
ومن هذا المنطق، يضيف عبد العالي بنلياس، نجد المغرب يبادر لينوع علاقاته الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية، على المستوى الإفريقي، وتطوير علاقاته مع الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من المبادرات على مستوى السياسة الخارجية.
ويرى المتحدث ذاته، أن الزيارة التي يقوم بها رئيس الحكومة الإسبانية إلى أنغولا منذ آخر زيارة قام بها فلبي غونزاليس سنة 1992، والتي ستشمل السنغال، يأتي في سياق تأجيل القمة المغربية الإسبانية، والتي كان مزمع عقدها في شهر دجنبر بسبب انتشار الوباء.
ضغط الهجرة في جزر الكناري وراء زيارة سانشيز
واسترسل المصدر ذاته، وإن كان هذا التأجيل له أسباب أخرى مرتبطة بتصريحات وزيرة الخارجية الإسبانية على إثر اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية، والتي اعتبرت أن قرار الرئيس الأمريكي أخد إسبانيا على حين غرة.
وأضاف بنلياس، أن أرانشا غونزاليس لايا، أشارت إلى أن حل نزاع الصحراء لا يتوقف على بلد واحد، مهما كان قويا ومؤثرا، فضلا عن المواقف التي يدلي بها نائب رئيس الحكومة الإسبانية المعاكسة لقضية الوحدة الترابية.
هذه الأسباب هي التي جعلت عقد القمة المغربية الإسبانية لا زالت معلقة، ودفعت إسبانيا إلى البحث عن بدائل جديدة في إطار ما أطلق عليه عقد إسبانيا في إفريقيا، خاصة أمام تزايد ضغط الهجرة غير الشرعية على منطقة جزر الكناري ،التي يكون مصدرها دول جنوب الصحراء الكبرى.
تعليقات الزوار ( 0 )