في ظل تسارع التحولات الجيوسياسية وتفاقم أزمات الشرعية والتموقع في منطقة الساحل والصحراء، عادت قضية الصحراء المغربية لتتصدر أجندة العلاقات الدولية، لكن هذه المرة من بوابة الكونغرس الأمريكي، وبأدوات أكثر تعقيدًا من مجرد التصريحات أو المواقف العلنية.
وفي بداية أبريل 2025، حط وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة الرحال في واشنطن، في زيارة وصفت بـ”الحساسة”، هدفها المعلن كان إعادة تأكيد الدعم الأمريكي لمغربية الصحراء، في ضوء الاعتراف التاريخي الصادر عن إدارة ترامب سنة 2020.
ورغم أن البيان الرسمي الصادر عقب اللقاء لم يبلغ سقف التوقعات، فإن قراءة متأنية للمشهد تكشف أن الرباط كانت تُعدّ لحركة أكثر عمقًا من مجرد بيان دبلوماسي.
ثلاثة أيام بعد اللقاء، أعلن النائب الجمهوري جو ويلسون عن نيّته تقديم مشروع قانون لتصنيف جبهة البوليساريو كـ”منظمة إرهابية”.
وهذه الخطوة، وإن بدت أولية، تحمل في طياتها رسائل سياسية قوية، وتؤسس لتحول نوعي في التعاطي الأمريكي مع النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.
الواقع أن ما يُنظر إليه من قبل البعض كمؤامرة إعلامية أو “حملة مدبرة”، هو في جوهره حركة دبلوماسية مغربية ذكية وواقعية، تستثمر في تعدد القنوات: من العمل داخل الكونغرس عبر شبكة من النواب الحلفاء، إلى التنسيق مع مراكز التفكير (Think Tanks)، إلى دعم صحفيين مؤثرين في الرأي العام الأمريكي، وكل ذلك ضمن رؤية استراتيجية تهدف إلى عزل البوليساريو دبلوماسيًا وإعادة تعريفه دوليًا كحركة ذات ارتباطات مشبوهة.
فالنائب ويلسون ليس جديدًا على هذا الملف، بل يُعد من أبرز أعضاء “تكتل المغرب” في الكونغرس الأمريكي، وله باع طويل في الدفاع عن مصالح الرباط، خاصة في إطار التحالفات الجديدة التي أرستها اتفاقيات أبراهام، والتقارب المتصاعد مع قوى إقليمية وازنة كإسرائيل والسعودية.
وتزامن إعلان ويلسون مع ظهور مقال تحليلي في صحيفة واشنطن بوست، أدرج ضمنيًا اسم البوليساريو ضمن قضايا الإرهاب وتهريب السلاح.
وهذا التوازي بين الدبلوماسية، والتشريع، والإعلام، لا يمكن فهمه إلا في سياق تنسيق محكم، يعبّر عن نضج الأداء المغربي في إدارة معركة الصحراء.
لكن الأهم أن هذا النوع من الحركية لا يستهدف البوليساريو فحسب، بل يضع داعميه الإقليميين —خاصة الجزائر وجنوب إفريقيا— في موقع حرج، باعتبارهم أطرافًا تصر على دعم كيان متهم بالارتباط بمحاور غير مستقرة دوليًا، مثل إيران وبعض الحركات المتشددة.
المغرب، بخلاف ما يُروّج له من اتهامات، لا يخوض حربًا إعلامية بل معركة مشروعية. فخيار الحكم الذاتي الذي تقترحه الرباط بدعم أممي واعتراف أمريكي، لم يعد مجرد مبادرة مطروحة، بل أصبح الإطار الواقعي الوحيد لحل دائم ومقبول من الطرفين.
أما جبهة البوليساريو، التي ترفض كل مسار تفاوضي خارج خيار الانفصال، فقد دخلت مرحلة عزلة استراتيجية، تتضاعف كلما تكررت الإشارات لارتباطها بجهات معادية للمصالح الأمريكية والغربية في المنطقة.
وبينما لا تزال الإدارة الأمريكية مترددة في تحويل المبادرة التشريعية إلى قرار رسمي، فإن ما تحقق حتى الآن يمثل نجاحًا مغربيًا جديدًا في تدويل الرؤية الواقعية للنزاع، ودفع المجتمع الدولي نحو مراجعة تصوراته الكلاسيكية للقضية.
تعليقات الزوار ( 0 )