وأخيرا، تمت إقالة الناطق باسم الحكومة، من مهامه الوزارية المتعددة.
أقول أخيرا، لأن الرجل فشل بامتياز في هذه الجبهة، سواء قبل جائحة كورونا أو بعدها، لأنه لا يتوفر أصلا على المؤهلات المطلوبة للحديث باسم الحكومة ومواجهة وسائل الإعلام.
إن اهم مؤهل ينبغي أن يتوفر عليه من يتحمل مسؤولية “الناطق الرسمي”، هي ضبط جميع الملفات وسرعة البديهة التي تساعده على الخروج من كل المآزق بأخف الأضرار.
غير أن هذه الإقالة لا ينبغي أن تكون بمثابة الشجرة التي تخفي الغابة، خاصة وأن سوابق الوزير أمزازي في التواصل تطرح أكثر من علامة استفهام.
إلى ذلك، فإن غياب الناطق الرسمي في أوج حاجة الرأي العام للتواصل اليومي، بل والأكثر من ذلك إصدار بلاغ “تهديدي” لمراسل وسائل الإعلام الأجنبية، ليست سوى العرض الخارجي لأزمة عميقة ومزمنة.
فقبل شهور كنت قد تساءلت في مقال سابق عما إذا كان المغرب يتوفر على مخطط عملي لمواجهة الكوارث أيا كان نوعها.
ولم يكن تساؤلي ذاك ترفا فكريا أو من باب الإفراط في التشاؤم، بل لأن الظواهر الطبيعية التي حملها التغير المناخي أصبحت تفرض على صناع القرار الاستعداد لكل السيناريوهات المتوقعة والمستبعدة على حد سواء.
ورغم أن تساؤلاتي في حينه انصبت على ظواهر محتملة لا قدر الله، مثل الزلازل والفيضانات، إلا أن التحدي الذي حمله وباء كورونا جعل هذه التساؤلات تحظى براهنية أكبر.
نسجل أولا، أن الدولة تعاملت مع هذا المستجد العالمي بنوع من الرزانة والتدرج في اتخاذ القرارات، حيث لم نلاحظ لا عشوائية ولا ارتجالا، خاصة وأنه تمت الاستفادة فعليا من التجارب التي مرت بها دول أخرى في مواجهة هذا الداء.
لكننا هنا لا نريد التوقف عند الإجراءات الصحية أو الاقتصادية، لأننا لا نتوفر حاليا على المعطيات الكافية للتحليل، بل يهمنا أن نذكر بمسألة أساسية، يبدو أنها غابت عن صانع القرار في هذه اللحظة الاستثنائية.
فأي مخطط لمواجهة الكوارث لا يمكن أن يكون ناجحا إذا لم تصاحبه استراتيجية إعلامية متكاملة.
وهذه مع الأسف كانت نقطة سوداء في مواجهة وباء كورونا، وخير دليل على ما نقول هو اللقاء الذي استضافت خلاله ثلاث فضائيات رئيس الحكومة لتنوير الرأي العام.
نستحضر هنا أنه، نظرا لعوائق دستورية لا يمكن لرئيس الحكومة التوجه إلى الشعب بـ”خطاب”، بل تقتضي الأعراف أن يتم ذلك عبر لقاء صحفي.
لكن، وبإجماع المتابعين، فإن هذه الخرجة لم تكن موفقة إطلاقا، لأن الصحفيين الذين تم ترشيحهم لمحاورة رئيس الحكومة، فشلوا في أداء المطلوب منهم.
إن موجة الانتقادات اللاذعة التي وجهت لهذا الثلاثي على مواقع التواصل الاجتماعي كافية لبيان حجم الفشل الذي آلت إليه عملية تواصلية كان المفروض أن تساهم في طمأنة الرأي العام وتنويره على أكثر من صعيد.
لقد تنافس الثلاثي المذكور في مقاطعة رئيس الحكومة مرارا وتكرارا، رغم أن الحيز الزمني للقاء لم يتجاوز نصف ساعة، بل إن عدم التنسيق كان واضحا من حيث تكرار نفس الأسئلة.
وأخطر ما في الأمر أن هذا الثلاثي ظن أن مهمته تقتضي إحراج رئيس الحكومة، ولعب دور المعارضة، وهو أمر إن كان مقبولا في الحالات العادية، إلا أنه مرفوض تماما بالنظر إلى الحالة الاستثنائية التي أملت إجراء هذا اللقاء.
ولا نمل هنا من تكرار ملاحظة سبق أن سجلناها في السابق أكثر من مرة، تتعلق بأن التلفزة العمومية بمختلف فروعها فشلت في استقطاب محاِورين محترفين قادرين على تقديم خدمة إعلامية في المستوى، بل إنها تراهن دائما على قارئي نشرات الأخبار الذين ليسوا بالضرورة مؤهلين لإجراء حوارات، خاصة في الظرفية التي نتحدث عنها.
والأخطر من ذلك، أن غياب التنسيق بدا واضحا، حيث حاول كل صحفي تسجيل نقط، على حساب زميليه، دون اعتبار للخدمة “العمومية” التي كان المفروض أن يقدمها هذا اللقاء.
إن أبجديات العمل التلفزي كانت تفرض الإعداد جيدا لهذا الحوار، وتنسيق الأسئلة تفاديا للتكرار، وترتيب الأولويات، وتحديد المحاور الرئيسية، والأهم من كل ذلك منح الوقت الكافي لرئيس الحكومة للكلام، لأن ما يقوله هو ما يهم المشاهد وليس شقشقة مذيع أو مذيعة.
غير أنه ومن باب الموضوعية، فإن المسؤولية لا يتحملها فقط مذيعو التلفزة ومن أسند إليهم أمر إعداد هذا اللقاء، بل تتحمله بالدرجة الأولى مصالح الاتصال في رئاسة الحكومة.
فالمفروض في هذه المصالح أن مهمتها لا تقتصر فقط على مطالعة الجرائد ومتابعة المواقع الإلكترونية، والرد أحيانا بأبيات شعرية على تعليقات المغردين في تويتر، بل ضبط كل صغيرة وكبيرة في خرجات رئيس الحكومة.
لا نقصد هنا طبعا ما يقوم به مستشارو التواصل في محيط صناع القرار في الدول المستنيرة، حيث يتدخلون حتى في اختيار لون ربطة العنق، وتحديد الكلمات التي يجب أو يمنع استعمالها، وحركات الجسد المسموح بها، بل نقصد فقط حدا أدنى من الترتيب والإعداد، خاصة في اللقاء الذي هو موضوع حديثنا.
ما الذي منع مستشاري الاتصال لدى رئاسة الحكومة من عقد جلسة مع مذيعي الفضائيات الثلاث، لضبط كل التفاصيل، بما أن الهدف هو طمأنة الرأي العام وليس محاسبة الحكومة على حصيلتها؟
وللمقارنة فقط، فعشية الدور الأول من الانتخابات البلدية في فرنسا، استضافت القناة الثانية -الفرنسية طبعا- وزير الصحة، بصفته الحزبية، لكن موضوع كورونا فرض نفسه على البلاطو الذي كان مخصصا للإعلان والتعليق على نتائج تلك الاستحقاقات التي جرت في ظرفية استثنائية.
إن من تابعوا مداخلات الوزير، لاحظوا أنه استفاض في الحديث والشرح والتوضيح، وأن المذيعين لم يقاطعوه، بل حتى ممثلو الأحزاب المنافسة التزموا الصمت، رغم أن العادة جرت بأن يكون هذا النوع من البرامج مناسبة للمزايدات والتنابز والسجال السياسوي الشعبوي.
ختاما، فإن الخلاصة التي قاد إليها اللقاء المذكور، تؤكد ما أشرنا إليه أعلاه، من أن أي مخطط لمواجهة الكوارث لن يكتب له النجاح التام، ما لم تصاحبه استراتيجية تواصلية فعالة وناجعة ومدروسة، وهنا يطرح مجددا سؤال جدوى مصالح التواصل التي تعج بالموظفين في مختلف القطاعات الوزارية والتي لا شغل لها سوى “الصباغة” أو قراءة الجرائد وتصفح مواقع الانترنيت والتعاقد مع وكالات الإشهار.
تعليقات الزوار ( 0 )