كشف تحقيق استقصائي بثته قناة الجزيرة، ارتباط مسؤولين كبار في شركة لافارج بالمخابرات الفرنسية، وبناء شبكة تجسس في شمال سوريا على الجماعات المسلحة خلال الفترة من 2011 إلى 2014.
كما كشف التحقيق، عن شبكة تجسس أخرى في دبي يديرها رجل أعمال سوري يدعى فراس طلاس، لديه أسهم في مصنع لافارج للإسمنت، وهو ابن وزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس الذي هرب إلى باريس مع بداية الحرب بمباركة من السلطات الفرنسية.
الفيلم التحقيقي الذي أثار ضجة واسعة، وفتح نقاشاً مستفيضاً عن دور باريس ومخابراتها في سوريا، من إنتاج فرنسي بالمشاركة مع قناة الجزيرة وبعض القنوات الأوروبية. ويكشف الاستقصائي خبايا غير معروفة بخصوص علاقة شركة لافارج الفرنسية للإسمنت بالجماعات المسلحة في سوريا خلال الفترة من 2011 إلى 2014.
وأظهر فيلم الجزيرة أن كبار المسؤولين في مصنع لافارج الذي دشن عام 2010، قاموا ببناء شبكة تجسس في شمال سوريا، للحفاظ على مصالح شركتهم التجارية وفي الوقت ذاته تسريب معلومات غاية في السرية إلى أجهزة الاستخبارات الفرنسية وأجهزة أخرى أمريكية وغربية، وهو ما يؤكده مدير الاستخبارات العسكرية الفرنسية (2017-2023) الجنرال كريستوف غومار في شهادته بقوله إن موظفي لافارج كانوا مصدرا مهما للمعلومات وأفادوا بلدهم فرنسا.
وكان رجل الأعمال السوري يتقاضى مقابل ذلك 70 ألف دولار كل شهر يدفع منها لعملائه داخل سوريا.
وقدمت “لافارج” للمخابرات الفرنسية شبكة جواسيس جاهزين كان على رأسهم مدير الأمن في المجموعة جون كلود فيار الذي قام برحلات مكوكية في شمال سوريا، المنطقة التي كانت بعض الأجهزة مهتمة بها.
كان كلود فيار يزود المسؤول الفرنسي في شركة لافارج بكل التفاصيل الدقيقة عن مقرات بعض الفصائل الجهادية وأسماء أفرادها وعناوينهم، وهي معلومات غاية في الأهمية والدقة كما يقول أحد المتحدثين في الفيلم.
أما الشبكة التي كان يديرها فراس طلاس “63 عاما”، فقد كانت تسرب المعلومات عن كل الفصائل السورية المسلحة والمقاتلين الفرنسيين لدبلوماسي فرنسي في القنصلية الفرنسية بدبي.
ووفقا للتحقيق، فإن فريق فراس لم يكتف بالحصول على أسماء وأرقام هواتف مقابل الأموال التي يدفعها عند نقاط التفتيش، بل تمكن من اختراق معاقل التنظيمات المسيطرة هناك.
واعترف فراس في شهادته بأن لديه رجالا في كل الأراضي السورية يبعثون له المعلومات كل يوم، وأنه أرسل نسخا كثيرة من الفيديوهات لصالح المخابرات الخارجية الفرنسية.
أكبر استثمار فرنسي
وجاء في شهادة كلود فيار بأنه قدم معلومات عن سوريا للمخابرات العسكرية وجهاز مكافحة الإرهاب والمخابرات الخارجية بدءا من منتصف 2011.
وجنّد كلود فيار عميلين، أحدهما نرويجي يدعى جاكوب وارنيس، وكان شرطيا في جهاز الأمن الداخلي في بلاده، والآخر أردني اسمه أحمد جلودي، وهو مسؤول الأمن في مصنع لافارج، وقد تعاون مع المخابرات الأمريكية لتخصصه في تعقب الشبكات المسلحة، وكرمه الكونغرس الأمريكي، وتمت ملاحقة الاثنين لاحقا بتهمة الإرهاب.
ويشير الفيلم الاستقصائي، إلى أن رسالة إلكترونية أرسلها كلود فيار إلى المخابرات تضمنت خرائط أعدها جلودي وتظهر مواقع الأطراف المتحاربة في سوريا ومواقع قيادات تنظيم الدولة ونقاط التفتيش مع أسماء المجموعات التي تسيطر عليها.
وبعد ذلك بأيام قليلة أعدت المخابرات الخارجية الفرنسية مذكرة بشأن الوضع في سوريا، وكانت المفاجأة في الوثائق المرفقة، حيث تضمنت الخرائط نفسها التي أرسلها موظفو لافارج، وصنفت تلك الخرائط في خانة أسرار الدفاع.
وعن السبب الذي يجعل فرنسا تحتفظ بمصنع لافارج في سوريا رغم أن البلاد كانت في حالة حرب، يقول فابريس بالانش الأستاذ المحاضر في جامعة ليون إن المصنع كان أكبر استثمار فرنسي في سوريا.
وأشار بالانش إلى أنه لو كان يقع في مناطق سيطرة النظام السوري لفعلت باريس كل ما في وسعها لإغلاقه، لكن وجوده في منطقة محررة كان يوافق توجهات الدبلوماسية الفرنسية التي كانت تتوقع سقوط نظام بشار الأسد قريبا.
وهذا ما كان يؤكده الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند (2012-2017)، فما كان يهمه هو التأكد من تزويد المعارضة السورية بالسلاح وضمان عدم وقوعه في أيدي من وصفها بالأطراف المعادية.
لكن الشبكات التابعة لمصنع لافارج فقدت حضورها، ففي شتنبر 2014 وبعد 3 أشهر من إعلان “الخلافة الإسلامية” سيطر تنظيم الدولة على مصنع الإسمنت.
وبعد 6 سنوات من التحقيق توصلت الشرطة القضائية إلى أن مصنع لافارج مكّن التنظيمات المسلحة من الحصول على ما يتراوح بين مليونين و7 ملايين يورو دفعها رجال فراس ورشاوى لزبائن المصنع، وأطنان الإسمنت تركت في سوريا.
كما أصدرت السلطات الفرنسية في خريف 2017 مذكرة اعتقال بحق فراس للاشتباه به في تمويل الإرهاب.
يشار إلى أن المدير التنفيذي لشركة لافارج، في مقابلة مع صحيفة ليبيراسيون في مارس الماضي، اتهم “الاستخبارات الفرنسية” بـ”اختراق” فرع الشركة خلال تلك الفترة.
تعليقات الزوار ( 0 )