مع اقتراب موعد كل كلاسيكو بين ريال مدريد وبرشلونة، يبدأ الضجيج حول المباراة بين مشجعي الفريقين، ويمتد حتى إلى كل عشاق كرة القدم بشكل عام، لما تحظى به المواجهة من أهمية كبيرة؛ ليس في إسبانيا فقط؛ بل على مستوى العالم أجمع.
وخلال مباريات الكلاسيكو عبر التاريخ، تبرز نتيجة فوز ريال مدريد على غريمه الأزلي برشلونة بنتيجة 11-1، في إياب نصف نهائي بطولة كأس إسبانيا عام 1943، وتُثار حولها الكثير من النقاشات ما بين مشكك ومؤكد، والظروف التي صاحبت تلك المواجهة التاريخية بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
النتيجة الأكبر في تاريخ الكلاسيكو
عندما دخل برشلونة ملعب “تشامارتين” الخاص بنادي ريال مدريد في ذلك اليوم، لم يكن أحد يتوقع ما سيحدث في تلك المباراة، التي لم تكُن ودية أو احتفالية، بل في نصف نهائي كأس “ديل جينيراليسيمو”، التي سُميت فيما بعد ببطولة كأس ملك إسبانيا.
قبلها كان برشلونة قد فاز في لقاء الذهاب بثلاثية نظيفة، وكانت الترشيحات تصب في صالحه من أجل بلوغ النهائي، لمقابلة أتلتيك بيلباو.
لكن ما حدث كان مغايراً تماماً لجميع التوقعات، حتى إن البعض قال إنه كان بعيداً عن المنطق، خصوصاً أن الدقائق الخمس والأربعين الأولى انتهت باكتساح ملكي واضح، وبثمانية أهداف نظيفة، ليكمل ريال مدريد سطوته في الشوط الثاني ويضيف ثلاثة أهداف أخرى، مقابل هدف وحيد للبلوغرانا.
ما تم ذكره في الفقرة الأخيرة، أثيرت حوله روايات متضاربة، فهناك مصادر تحدثت عن انتهاء الشوط الأول بالتعادل السلبي، وأن برشلونة انهار في الشوط الثاني تحت تهديد السطات الإسبانية بقيادة الحاكم فرانشيسكو فرانكو، للاعبين بالحبس والتعذيب، إذا لم يخسروا بنتيجة ثقيلة فيما تبقى من عمر المباراة.
أما صحيفة موندو ديبورتيفو الإسبانية، المعروفة بقربها من النادي الكتالوني، فقد أكدت أن برشلونة انهار خلال الشوط الأول، الأمر الذي ساهم بتفوق ريال مدريد الكاسح، دون أن تشير إلى الرواية التي تتحدث عن تدخل النظام الحاكم في نتيجة المباراة.
نفي مدريدي لتدخل فرانكو
صحف مدريد بدورها نفت أي تدخل لنظام فرانكو في النتيجة، وتساءلت أنه لماذا لم يتدخل النظام الحاكم في ذلك الوقت، ليسهل مهمة ريال مدريد في نهائي الكأس، والذي خسره أمام أتليتك بيلباو.
وللتوضيح أكثر حول ما جرى في تلك الفترة، تشير العديد من المصادر الإسبانية إلى أن الرياضة في البلاد ارتبطت بشكل وثيق بالسياسة، وتعطش الإنسان للسلطة والقوة.
ففي أواخر ثلاثينات القرن الماضي قاد الجنرال فرانكو ما يسمى بالفصيل القومي الفاشي، للإطاحة بالحكومة الإسبانية اليسارية المنتخبة ديمقراطياً والموالين لها، وأعلن في عام 1939 نفسه حاكماً لإسبانيا بأكملها.
حينها قال فرانكو: “نظامنا يقوم على الحراب والدم، وليس على انتخابات منافقة”.
فرانكو أطاح بالنظام السابق، اعتراضاً منه على منح الحكم الذاتي لأهم منطقتين متنوعتين في إسبانيا، إقليمي كتالونيا والباسك، والأمر الذي كان يمثل في نظره إضعافاً للهوية الوطنية الإسبانية.
وبعد استيلائه على الحكم، شرع فرانكو في سحق الأقاليم في البلاد أينما نشأت، وكان يهدف فقط إلى ترسيخ هيمنة قشتالة (جذوره) واللهجة الإسبانية القشتالية على كامل منطقة أيبيريا الإسبانية، ما يعني أنه قام بقمع الباسكيين والكتلان بقبضة من حديد.
ومع فرضه لعقوبات قاسية حول من يتحدث بغير الإسبانية، التي تصل إلى حد السجن، لجأ ناديا برشلونة وبيلباو إلى كرة القدم للتعبير عن نفسيهما رياضياً واجتماعياً وسياسياً، ليصبح شعار النادي الكتالوني منذ ذلك الحين “أكثر من مجرد نادٍ”.
أصبحت الملاعب هي الأماكن الوحيدة التي يمكن التحدث بلغتهم دون خوف، وظهرت أعلام برشلونة المحظورة عن قمصان الفريق (الأصفر والأزرق لكتالونيا تحول إلى أحمر وأزرق بالنسبة للنادي).
جنون الذهاب والإياب
وبالعودة إلى تلك المباراة، كان برشلونة على أرضه يعذب ريال مدريد ذهاباً، واستمتع الجمهور الكتالوني بوصلة كروية فنية من لاعبيهم، بالإضافة إلى إطلاق صافرات عالية من الاستنكار والاستهجان، كلما لمس لاعب من مدريد الكرة، ليقوم الاتحاد الإسباني بتوجيه من الحكومة بتغريم برشلونة مالياً.
ألقت هذه المعطيات بظلالها على موقعة الإياب، وانتقل الجنون الجماهيري في برشلونة إلى مدريد الذي كان يغلي في المدرجات.
وحسب موقع sportskeeda عند وصول لاعبي برشلونة عوملوا مثل عبيد قرطاجة في ساحة مصارعة رومانية قديمة، لتبدأ الأمور بعد ذلك في اتخاذ منحى آخر بنزول أحد الجنرالات المقربين من فرانكو إلى غرفة ملابس برشلونة.
ولم يشِر الموقع إلى حدوث تهديد مباشر للاعبين، لكنه لفت إلى أن وجود ذلك الجنرال في غرفة ملابس برشلونة، كان كفيلاً في بث الرعب في نفوسهم.
وبدأت تلك المباراة وانتهت بالنتيجة الخالدة 11-1، في مواجهة كان فيها لويس ميرو، حارس برشلونة مرعوباً من المشجعين الموجودين خلفه.
ويؤكد الموقع ذاته أن إنريكي بينيرو كيرالت، رئيس برشلونة في ذلك الوقت (وهو من الموالين لفرانكو الذي عينه لإدارة شؤون النادي)، أصيب بخيبة أمل، واستقال من منصبه بعد المباراة بوقت قصير.
في تلك الأيام، مُنع الصحفي الإسباني خوان أنطونيو سامارانش، وهو أحد أعضاء حزب فرانكو، من ممارسة عمله الصحفي لمدة ما يقرب من 10 سنوات، وذلك بسبب إيمانه بضرورة نزاهة الرياضةـ إذ انتقد سلوك الجمهور والنتيجة العريضة، ليكون مصيره المنع من العمل.
تعليقات الزوار ( 0 )