Share
  • Link copied

قرارات عامل إقليم سيدي سليمان: خطوة في الطريق الصحيح تحتاج إلى شجاعة إضافية

منذ تعيينه على رأس إقليم سيدي سليمان، بعث العامل الجديد رسائل قوية في اتجاهات متعددة، تؤكد أن مرحلة الإصلاح قد انطلقت. بين الجولات التفقدية، والوقفات الميدانية عند المشاريع المتعثرة، واتخاذ قرارات جريئة مثل إعفاء الكاتب العام للعمالة ومدير الديوان وعدد من رؤساء الأقسام والمسؤولين بالمصالح الخارجية، أبان عامل الإقليم عن إرادة واضحة لكسر جمود التسيير الإداري ومحاربة مظاهر الفساد المستشرية منذ عقود.

هذا التوجه الإصلاحي، الذي حظي بترحيب واسع من قبل الرأي العام المحلي والفعاليات الحقوقية والمدنية، وتابعته الصحافة الجادة باهتمام كبير، يعكس وعياً جديداً بضرورة التغيير. إلا أن هذا الوعي وحده لا يكفي. فشريحة واسعة من ساكنة الإقليم اليوم تنتظر خطوات أكثر جرأة؛ خصوصاً في ما يتعلق بإحالة ملفات الفساد على القضاء في نطاق ما يسمح به القانون، وتجسيد مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، بما يقطع مع ممارسات الإفلات من العقاب التي غذت الشعور بالظلم وفقدان الثقة في المؤسسات.

التواصل مع المنتخبين: أزمة ثقة أم فرصة إصلاح؟

من بين الإشكالات الكبرى التي ما تزال عالقة، العلاقة غير المتوازنة بين السلطة المحلية والمنتخبين، التي أفرزت على مدى سنوات طويلة اختلالات عميقة في تدبير الشأن العام بالإقليم. لقد تحولت هذه العلاقة في كثير من الأحيان إلى شراكة مشبوهة بين بعض ممثلي السلطة وأعيان انتخابيين، ما سمح لهؤلاء بالتغول داخل مختلف المرافق العمومية الحساسة، من المحكمة إلى العمالة وحتى المرافق الأمنية.

لذلك، فإن من صميم مهام عامل الإقليم اليوم، ليس فقط مواصلة حملته الداخلية لتطهير الإدارة، بل أيضاً إعادة صياغة قواعد العلاقة مع المنتخبين. هؤلاء عليهم أن يعودوا إلى ممارسة أدوارهم السياسية والمؤسساتية وفق الدستور والقانون، بعيداً عن أساليب الضغط والاختراق والابتزاز الإداري.

رهانات المرحلة الجديدة: القطع مع إرث الفساد

إقليم سيدي سليمان ليس مجرد رقعة جغرافية؛ إنه نموذج صارخ لما خلفته سنوات من الهيمنة الانتخابية الفاسدة والبؤس الاجتماعي والهشاشة التنموية. التراكمات ثقيلة، وإرث الفساد عميق، ما يجعل الرهان اليوم مضاعفاً: إصلاح الإدارة، وتحقيق تنمية حقيقية، وإعادة ثقة المواطنين في مؤسساتهم.

إن الخطوات الجريئة التي بدأها العامل الحالي تحتاج إلى مواصلة بنفس القوة، مع الالتزام بالحياد الكامل إزاء الأطراف السياسية، وتجسيد المساواة أمام القانون، وجعل الصرامة والشفافية عنواناً للمرحلة المقبلة. فقط بهذا المنهج الصارم، يمكن للعامل أن يحوز على ثقة الساكنة ويعيد الاعتبار للدولة ومؤسساتها في هذا الإقليم الذي عانى طويلاً من التهميش.

فرصة تاريخية لتصحيح مسار الفشل

يعيش إقليم سيدي سليمان اليوم لحظة مفصلية، وفرصة نادرة لتصحيح مسار عقود من الفشل التنموي والسياسي. والمسؤولية جسيمة. فالتغيير الحقيقي لا يكون بمجرد تغيير الوجوه أو الشعارات، بل ببناء ثقافة جديدة في الإدارة والحكم المحلي تقوم على الشفافية، والمحاسبة، وفصل السلط، والقطع مع منطق الولاءات والمصالح الضيقة.

إن التاريخ لا يرحم، والساكنة لن تنسى من أعاد إليها الأمل ومن خذلها في منتصف الطريق.

Share
  • Link copied
المقال التالي