أحد الأسرار الخطيرة، والخفايا التي لم تكشف للإنسان بعد، وغيرها من العبارات والأفكار الجاذبة، لا تتوقف عن “صيد” الإنسان مهرولاً خلفها للاستزادة، من خلال العديد من الأدوات والوسائل ومنها السبر في النشاط الفلسفي الذي يمارسه كل يوم متفاعلاً مع بيئته المحيطة، فلماذا ندرس هذا النوع من النشاط وفيه مجلبة للغريب والشاذ أو المستهجن من الفكر، وهل الاهتمام فيه ضروري بالفعل؟
بالرغم من ملاحظة العديد من الآثار غير المتوقعة على مسار الباحثين في المجالات العلمية، إلا أن الحقيقة تبقى واضحة بأنه لا حواجز أو موانع بين الإنسان والعلم، وأما ينتج من تأثرات أو انحرافات فكرية فهو لا بشيء في العلم ذاته، بل للأسلوب المتبع في دراسته، أو العين الناقدة الناظرة فيه، فركاكة المنهج لا توحي بضعف في المادة المنظور بها، سيما أن الفلسفة تفتح آفاقاً واسعة للمعرفة الإنسانية، وتضيء أمامها ما كان قاتماً، وهذا ما يفسر التواصل الدائم بين وكالة الفضاء (ناسا) والفلاسفة، في أوج المشاريع المتعمقة في أرجاء الفضاء المترامية، وذلك للحاجة الحقيقية لطرح تساؤلات جديدة وذات أبعاد “إبداعية” بحسب تصريح للروائية الكندية – الفيتنامية الأصل كيم ثوي في أحد مقالاتها.
إن التراث الإنساني يمثل جسراً للتواصل حينما نجعل منه تراثاً مستداماً وذلك باستخدامه ضمن قواعده وأطره الأصيلة، مما يجعله وعاءاً مرناً يستوعب كافة التحديثات والمستجدات في حياتنا المعاصرة، ومن ناحية ثانية فإن الحفاظ على العلاقة المستمرة والوثيقة مع التراث الإنساني، هي علاقة لا يمكن إهمالها بحجة قدمها، إذ لا يمكن للإنسان أن يعيش حاضراً متحضراً منفصلاً عن السياق التاريخي الإنساني برمته، بل أنه كيف يمكن له أن يستغني عن إرث غني بضروب المعارف. وبالتالي فإن النظر في كل ذلك هو ضرب من ضروب الحكمة التي هي ضالة المؤمن، كما عبر عنها العلامة الشيخ عبد الله بن بيه، فلا فسق ولا انحراف في دراسة الاجتهاد البشري السابق، سيما أن النظر فيه ومدارسته لا تعني الإيمان القطعي به ولا امتناعه عن التحليل والنقد، بل هو أحد الأدوات الدافعة بتنظيم الرؤية والرأي، وتوجيه الفكر، وعلاقة الإنسان مع الآخر. وبالتالي فإن العلاقة المرجوة بين الدين والفلسفة هي بناء جواراً طيباً حسناً، بعيداً عن التوتر والاحتدام.
ومن ذلك، نرى أن العديد من الفلاسفة، والعلماء من أصحاب الفضل تجاوزوا التنظير والتحليل لوضع خطط مستقبلية مأموله، أو خطوطها العريضة، وفي هذا السياق نجد الشيخ العلامة بن بيه دعا لوساطة بين الفلسفة والدين، وأيد إنتاج فلسفة تساندية تكاملية، بعيدةً عن التناقضات، وقريبةً من التناغم المأمول بين العقل والوحي والحس بحيث يعطى كل منهم مساحة كافية وعادلة.
وبالتالي فإن الملفت في المنهج الجديد الموفق بين الدين والفلسفة في إطارهما العام، ما تؤسس عليه من حتمية احترام الثابت الحسي، والعقلي، والوحيي، فالعدم لا يخلق وجود، كما يقول ديكارت، وبذلك يمكن رفع بنيان متزن في أساسه، لا ينقصه أي من مواده الهامة التي تقيمه وتقومه، وتبعد عنه عوامل الاختلاف والتوتر، وهنا لا بد من فهم نقطة مهمة جداً ولها أثر المحرك الرئيس في تحديد العلاقة بين الفلسفة والدين، ألا وهي القدرة على التمييز بين المنهج الفلسفي وما ينطوي عليه من وسائل وأدوات نقدية وتحليلية واستنتاجية، وما نتج من الفلسفة من مواقف ومفاهيم وأجوبة، وعند هذه الفكرة يتحجر البعض على موقف رفض الفلسفة وهجائها، بينما يبحر آخرون في إحسان الترجمة والفهم والإنتاج والحداثة الفلسفية المتزنة.
أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة
تعليقات الزوار ( 0 )