يعيش قطاع مراكز الاتصال في المغرب على وقع صدمة حقيقية بعد مصادقة البرلمان الفرنسي، خلال شهر ماي المنصرم، على قانون جديد يحظر بشكل صارم كافة أشكال الدعوة الهاتفية الترويجية (التسويق الهاتفي) سواء تم تنفيذها مباشرة أو عبر طرف ثالث، وهو ما يشمل المئات من مراكز الاتصال المغربية التي تعتمد في نشاطها على السوق الفرنسية.
وبحسب ما أوردته مجلة “جون أفريك” الفرنسية في عددها الصادر يوم 1 يوليوز 2025، فإن هذا القانون الذي سيدخل حيز التنفيذ شهر غشت 2026، يهدد بشكل مباشر نموذجًا اقتصاديًا أصبح من أعمدة سوق الشغل في المغرب، خاصة في صفوف الشباب حاملي الشهادات.
ويعتمد قطاع الـOutsourcing المغربي بشكل كبير على السوق الفرنسية، التي تمثل الزبون الرئيسي لشركات الاتصال في المملكة.
وتشير أرقام المجلة إلى أن القطاع المغربي يوظف أكثر من 90 ألف شخص، ويحقق رقم معاملات سنوي يفوق 18 مليار درهم مغربي (نحو 1.7 مليار يورو)، ما يجعله أحد أكبر مشغّلي القطاع الخاص في البلاد.
لكن هذا الإنجاز الاقتصادي يبدو الآن مهددًا بانهيار جزئي على الأقل، بعد قرار باريس القاضي بمنع كافة المكالمات الترويجية التجارية التي تُشنّ عبر الهاتف، بحجة حماية المستهلك الفرنسي من الإزعاج المفرط والاحتيال الإلكتروني.
ولم يكن هذا التحول القانوني هو التهديد الوحيد الذي يلوح في أفق هذا القطاع الحيوي، إذ سبق أن بدأ يعاني أصلاً من تأثيرات الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المساعدين الآليين التي قلّلت من الحاجة إلى الموارد البشرية في المهام المتكررة والبسيطة.
ومع دخول القانون الفرنسي الجديد حيز التطبيق، سيكون على شركات الـCall Center بالمغرب أن تواجه عاصفة مزدوجة: من جهة التراجع في الطلب القادم من فرنسا، ومن جهة أخرى منافسة تكنولوجية شرسة قد تعصف بوظائف آلاف الشباب.
وتنبّه الصحافة الفرنسية إلى أن الاختيار الآن بين يدي المغرب: إما التكيف وإعادة هيكلة النموذج الاقتصادي للقطاع، أو مواجهة نزيف اقتصادي واجتماعي قد تكون له عواقب وخيمة على المدن التي تحتضن هذا النشاط، مثل الدار البيضاء، والرباط، وفاس، وطنجة، وأكادير.
ولعل أبرز تحدٍ هو تنويع الأسواق المستقبِلة لخدمات مراكز الاتصال المغربية، والانفتاح أكثر على الفضاء الإفريقي، والإسباني، والأنغلوفوني، بدل التركيز الحصري على الزبون الفرنسي، مع إدماج أوسع لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في طرق التشغيل والتكوين المهني.
ويبقى الرهان في الوقت الراهن معلقًا على قدرة المغرب على صياغة استراتيجية وطنية بديلة لمواكبة هذا التحول القانوني الفرنسي، لا سيما في ظل هشاشة سوق العمل، واعتماد آلاف الخريجين الجدد على هذا القطاع للحصول على أول تجربة مهنية.
وبينما يبدو الزمن ضيقًا (أقل من سنة على دخول القانون حيز التنفيذ)، فإن المطلوب اليوم هو تعبئة حكومية وقطاعية فورية لتفادي زلزال اقتصادي قد يهز واحدًا من أبرز أعمدة التشغيل في البلاد.
تعليقات الزوار ( 0 )