شارك المقال
  • تم النسخ

في نقد النقد .. في الرد على الحاتمي

في مقاله اليوم المعنون بـ ” مشكلة النقد عند الإسلاميين” يقول الأستاذ الحاتمي:

(لماذا تُثار حفيظة الإسلاميين عند كل محاولة نقد جادة؟ لماذا تشعر “قيادات” الحركة الإسلامية أنها شخصيات مهزوزة لا تثق في ذاتها ؟ ولماذا يرفضون حتى التفريق بين النقد وبين الطعن ؟ هل صحيح أنهم فوق النقد ؟ وأن توجيه النقد إليهم طعن مباشر في الدين و سعي للنيل منه؟ بل لماذا يتحول مُمارس النقد إلى عدو مباشر وحقيقي “للدعوة” و “الدعاة”؟ ولماذا يُعّد النقد موضوعا حساسا ومثيرا بالنسبة للإسلاميين؟).

أقول النقد الذاتي مارسته الحركة الإسلامية، وكانت ولا زالت موضع نقد من الشرق والغرب، من العلمانيين والحداثيين وجميع التيارات، من الحكام والعلماء والفلاسفة والمفكرين والمتطفلين، فهي أكثر من صوبت سهام النقد تجاهها في العصر الحديث،لكن هل نقد النقد إذا مارسته الحركة الإسلامية تجاه خصومها أو الغيورين على مشروعها نصنفه بالتشنج ورفض النقد؟!

إذا انتقد لاديني على سبيل المثال إيماني بالله أو برسالة نبيه وقدم حججه ثم قمت أنا بالرد عليه مقدما حججي وبراهيني، هل أوسم بأنني رافض للتفكير والنقد؟!.

يعني لابد أن أسكت تجاه المخالف وهو يتهمني أو ينتقد مشروعي لأنعت بأنني أملك عقلية حوارية؟!
الذي يرفض النقد هو من يرد على منتقديه بالسب والقدح والاتهام العاري عن الحجة والبرهان، أما أن أدافع عن مشروع أقتنع به ولا أجد عند المخالف ما يستدعي التراجع عنه فهذا جهاد القلم.

الحركة الإسلامية لها أخطاؤها وإصاباتها، والله تبارك وتعالى عندما اتهم نيات بعض خلقه، كما ورد في المقال، فلأنه سبحانه مطلع على سرائرهم، أما البشر فليس لهم أن يخوضوا إلا في ظاهر الأقوال والأفعال، أما النيات فلا قبل لهم بمعرفتها.

ولهذا من يزعم أن الإسلاميين جاؤوا للسلطة ممتطين صناديق الاقتراع والمرجعية الإسلامية التي يتعاطف معها السواد الأعظم لتحقيق مآربهم أو مصالحهم الشخصية دون أن يقدم دليلا واحدا على ذلك فلا يجوز السكوت عنه.

الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله الذي يستدل الكاتب بمرجعية مؤلفه الأخطاء الخمسة، ينطلق في نقده للإسلاميين من أطروحة فصلها في كتابه البيان الدعوي حيث تبنى ما يشبه الأطروحة العلمانية التي تفصل الدين عن السياسة واعتبر هذه الأخيرة ليست ذات أهمية بالمقارنة مع مهام الدعاة والعلماء والربانيين المتمثلة في إقامة الصلاة والدعوة لها والعودة للقرآن والدعوة له وهي مهام عظيمة دون شك لكن الاهتمامات السياسية لا يجوز أن تزاحمها.

من لم يحدد منطلق الشيخ رحمه الله في نقد المشروع السياسي للحركة الإسلامية لا يمكنه فهم كل ذلك الغضب الذي أنزله بالحركة التي سبر أغوارها و عرف تفاصيل تطورها..

أما عن رقة تدين الإسلاميين فهذا حق مشاهد لاشك فيه، مثل ضعف اهتمامهم بصلاة الجماعة أو تأخيرها أحيانا عن الوقت بسبب تلك الاجتماعات الحزبية الماراطونية..إلخ.

لكن هل كان هؤلاء في بداياتهم من رواد بيوت الله أم أنهم نشأوا في مناخ الصراع مع اليسار في الجامعة مع امتلاكهم لغيرة دينية وتطلعهم لإقامة الشريعة؟!

ثم يقول الأستاذ الحاتمي في مقاله (فهل تستطيع الحركة الإسلامية اليوم أن تنكر أن تدين قياداتها ـ على الاقل ـ تدين مغشوش وفاسد)؟!

هل هذا نقد؟!

من أدراك أن تدين الغنوشي وبنكيران وبها رحمه الله ويتيم والريسوني وسعد الدين العثماني تدين مغشوش وفاسد؟!

وهل لك من حجة إن هم وقفوا يخاصمونك أمام رب العباد يوم القيامة؟!

ويقول الأستاذ الحاتمي في مقاله (وهل تستطيع الحركة الإسلامية اليوم، أن تنكر أنها ما توسلت بالفقه والشرع للتأصيل لعزمها على المشاركة في السياسية، إلا للوصول إلى السلطة والحصول على الغنيمة، وأن كل ما كانت تبرر به رغبها في اقتحام عالم السياسة والإسهام في تدبير الشأن العام من مبررات “شرعية” لم يكن إلا كذبا وتحايلا؟ ).

فأين تجلى كذبها وتحايلها؟

وكيف خفي ذلك على مئات الآلاف ممن يصوتون لمشروعها في الشرق والغرب كلما أتيحت لهم فرصة الاختيار الحر وعدم تزوير نتائج التصويت؟!.

ألسنا نردد دائما أن حبل الكذب قصير، فكيف طال ولم ينكشف للعموم هذا الكذب والتحايل في أخص شؤونهم وهو شأن أرزاقهم، وهم يحتكون بأبناء الحركة في معايشهم صباح مساء؟!.

ولماذا انكشف كذب وتحايل وسرقة العلمانيين على اختلاف مذاهبهم ممن دبروا الشأن العام للعامة ولم ينكشف تحايل وسرقة الإسلاميين مع أنهم تحت الأضواء الكاشفة والإعلام المحلي والدولي يترصد أخطاءهم لتضخيمها ويتربص بهم الدوائر؟!

ويقول الأستاذ الحاتمي في (وهل تستطيع الحركة الإسلامية أن تنكر أن عددا من أعلامها “الكبيرة” على الاقل، إنما التحق بالدعوة الإسلامية وانتسب إليها كجواب على فقره وعوزه، باعتبار “الإسلام النضالي” إيديولوجيا المحرومين والناقمين، وأنهم بمجرد أن بسطت لهم الدنيا وفتحت لهم انقلبوا عليها..).

هنا أيضاً يتدخل الأستاذ في النوايا، لكن دعونا نفحص هذا الاتهام بموضوعية، لنفرض أنهم وهم شباب التحقوا بالعمل السياسي جوابا على فقرهم وعوزهم كما يزعم المقال..

فلماذا تشبثوا بهذا الطريق رغم وعورته وما يكتنفه من مخاطر على النفوس والأرزاق بعد أن وسع الله عليهم بأسباب ذاتية ومهنية لا علاقة لها بالعمل الإسلامي، فالأستاذ مصطفى الرميد كان محاميا ناجحا دخله يتجاوز دخل الوزير، وسعد الدين العثماني طبيب نفساني اعترف هو نفسه بأن دخل عيادته الشهري يفوق تسعة ملايين درهم، أما عزيز الرباح فمنذ تقلده منصب الوزارة ومسؤولية تدبير الشأن المحلي الجماعي أصبحت عليه ديون، لا أدري هل سددها أم لا، بينما كان له منصب يدر عليه أموالا طائلة بسبب تخصصه وكونه إطارا رفيعاً تبحث عنه الشركات..

واعمارة أستاذ جامعي والداودي كذلك وسي بها رحمه الله..بل جميعهم انتقلوا إلى طبقة اجتماعية غنية بفضل جهدهم ودراستهم وتخصصهم، ومع ذلك تشبثوا بهذا الطريق الوعر، خصوصاً قبل الحراك العربي وبعد أحداث 16 ماي حيث تم تحميلهم وزرها المعنوي..!

وأخيراً ما سر استدعاء أطروحة شيخنا وأستاذنا الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله في هذا الوقت بالذات بأقلام إسلامية ونحن على أبواب سنة انتخابية؟!

ألم يقل نبينا صلى الله عليه وسلم (الحدود لا تقام في الغزو).

*قيادي في حزب العدالة والتنمية

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي