في سياق تنامي الوعي البيئي بالمغرب، وفي ظل تزايد الضغوط المرتبطة بتدبير النفايات والاحتلال غير المنظم للفضاءات العمومية، عاد النقاش مجددًا حول الحاجة إلى شرطة بيئية أو شرطة نظافة تضطلع بمهام مراقبة وتنفيذ القوانين المرتبطة بنظافة المدن وجودة الفضاء العام.
وانتقل هذا النقاش من صيغته المجتمعية إلى المؤسسات التشريعية، حيث وجه النائب البرلماني عن الفريق الحركي، إبراهيم أعبا، سؤالًا كتابيًا إلى وزير الداخلية، يستفسر فيه عن إجراءات الوزارة لدعم الجماعات الترابية من أجل إحداث وتفعيل شرطة نظافة فعالة وقادرة على مواكبة التحديات البيئية الحضرية.
وتشهد عدد من المدن المغربية، بما فيها المدن المتوسطة والصغرى، مظاهر متزايدة من التلوث البصري وتراكم النفايات وتدهور الفضاءات العمومية، نتيجة غياب مراقبة صارمة للسلوكيات اليومية، مثل رمي الأزبال في غير أماكنها، أو التعدي على الأرصفة والمساحات الخضراء.
وفي غياب قوة تنفيذية متخصصة تراقب وتحجز وتغرم المخالفين، يبقى الرهان على الوعي وحده غير كافٍ، ما يجعل من “شرطة النظافة” خيارًا لا غنى عنه لضمان احترام قواعد العيش المشترك والحق في بيئة سليمة.
ورغم التنصيص القانوني على مهام المراقبة البيئية ضمن اختصاصات الشرطة الإدارية التابعة للجماعات، إلا أن الواقع يبرز ضعف تفعيل هذه الاختصاصات، بسبب النقص الكبير في الموارد البشرية والتجهيزات والكوادر المدربة، إلى جانب غياب التنسيق المحكم مع السلطات المحلية والأمنية.
وفي هذا السياق، جاء السؤال البرلماني ليدعو وزارة الداخلية إلى وضع آليات دعم مالي وبشري موجهة للجماعات الترابية، من أجل تمكينها من إحداث شرطة بيئية دائمة وفعالة، تكون مزودة بالصلاحيات القانونية والوسائل اللوجيستيكية اللازمة.
ولا يقتصر دور شرطة النظافة على تحرير المخالفات أو مصادرة التجهيزات التي تحتل الأرصفة بشكل غير قانوني، بل يمتد إلى مهمة التوعية والتحسيس والتدخل الوقائي، من خلال حملات مشتركة مع الفاعلين المدنيين والتربويين، لتغيير العقليات وترسيخ ثقافة بيئية مسؤولة في الفضاءات الحضرية.
وقد أثبتت التجارب الدولية أن إنشاء فرق متخصصة في مراقبة النظافة والبيئة، يساهم بشكل مباشر في تحسين جودة العيش، ويعزز جاذبية المدن كفضاءات نظيفة وصديقة للساكنة والزوار على حد سواء.
وفي ظل غياب إطار وطني موحد لتدبير هذا النوع من الشرطة الحضرية، تظل الجهود الحالية مشتتة ومحدودة الأثر، مما يدفع إلى ضرورة بلورة استراتيجية وطنية لشرطة النظافة والبيئة، تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل جماعة، وتربط بين دعم الموارد والتكوين المستمر وضمان التنسيق المؤسسي بين مختلف المتدخلين.
وبحسب المصدر ذاته، فإن تحسين نظافة المدن لا يمكن أن يتحقق فقط عبر الصفقات مع شركات التدبير المفوض أو عبر حملات موسمية، بل يتطلب جهازًا تنفيذيا دائمًا ومسؤولًا، قادرًا على حماية المجال الحضري من التعديات والممارسات المضرة بجمالية المدينة وصحة المواطنين.
وفي انتظار رد وزارة الداخلية على السؤال البرلماني، تبقى “شرطة النظافة” مطلبًا ملحًا، وسؤالًا مؤجلًا عن النموذج الحضري الذي يطمح إليه المغاربة: مدن نظيفة، منظمة، ومحترِمة لحق الجميع في بيئة سليمة.
تعليقات الزوار ( 0 )