في تطور لافت ومثير للقلق، كشفت مجلة La Revue Afrique عن معلومات مسربة من قنوات مقربة من مجموعة “فاغنر” الروسية تفيد بوجود تحول جذري في موقف هذه الأخيرة تجاه الجزائر، التي يُعتقد أنها أصبحت تُصنّف من قبل بعض قادة فاغنر كـ”عدو مباشر” في مالي.
وثيقة مزيفة تكشف موقفاً حقيقياً؟
وبدأت القصة مع نشر بيان مثير للجدل من طرف ما يُعرف بـ”مجلس القادة”، يدّعي تمثيل فاغنر في مالي. ورغم تأكيد بعض المصادر المقربة من المجموعة الروسية أن الوثيقة “مزيفة”، فإن المثير للانتباه هو أن “سالم”، أحد قادة فاغنر في باماكو، تفاعل مع الوثيقة بطريقة تثبت ضمنياً صحتها، حيث قام بالتوقيع عليها وأرفقها بتعليق مكتوب بخط اليد: “المهمة ليست فقط هزيمة رعاة الجمال (في إشارة إلى الطوارق)، بل ضرب من يمولهم أيضاً.”
والمقصود بـ”الجهة الممولة” حسب الوثيقة، هو الجزائر، ما يفتح الباب أمام إعادة رسم خارطة التحالفات والعداوات في منطقة الساحل.
تحول في المواقف… ورسائل ضمنية
ويأتي هذا الموقف المفاجئ في سياق تزايد النفوذ الروسي في إفريقيا عبر بوابة “فاغنر”، خصوصاً بعد انسحاب جزئي للقوى الغربية من بعض دول الساحل، وعلى رأسها مالي وبوركينا فاسو.
ولطالما حاولت الجزائر تقديم نفسها كفاعل إقليمي متوازن، بل وراعٍ لمسارات الوساطة في المنطقة، خاصة تجاه الطوارق في شمال مالي.
غير أن فاغنر، ومن خلال هذا الموقف، توجه رسالة حادة مفادها أن أي دعم جزائري مفترض لطوارق الشمال، أو لأي فصائل مناوئة للحكم في باماكو، سيُعتبر تهديداً مباشراً يجب التصدي له.
انعكاسات محتملة على المنطقة المغاربية
وبالنسبة للمغرب، يأتي هذا التحول في لحظة حساسة من إعادة تشكل المعادلات الجيوسياسية في الساحل. الرباط، التي راكمت حضورا دبلوماسيا وأمنيا متناميا في غرب إفريقيا، تجد نفسها أمام واقع جديد، حيث تُعيد الفاعلية الروسية ترتيب الأوراق، وتُدفع الجزائر إلى زوايا حرجة نتيجة اختياراتها في ملفات عدة، سواء في ليبيا، أو مع النظام في مالي.
وهذا التحول قد يُعزز من رؤية مغربية ترى أن سياسات الجزائر الخارجية، بدعوى “عدم التدخل”، لم تكن محايدة فعلاً، بل ذات طابع انتقائي يخدم أجندات معينة، وهو ما بدأ يثير ردود فعل حتى من شركاء سابقين.
تصعيد قد يشعل المنطقة؟
وإعلان مجموعة فاغنر – ولو بشكل غير رسمي – اعتبار الجزائر “عدواً” في مالي هو تطور يجب التعامل معه بحذر بالغ، فهو لا يعكس فقط توتراً عسكرياً، بل يفضح صراعاً خفياً على النفوذ والشرعية في منطقة الساحل، حيث تتقاطع المصالح الأمنية بالطموحات الإقليمية.
وفي ظل غياب رؤية موحدة أو تنسيق مغاربي فعّال، فإن مثل هذه التطورات قد تُفضي إلى مزيد من عدم الاستقرار، في منطقة تعيش أصلاً على وقع تهديدات إرهابية، وأزمات إنسانية، وانهيارات سياسية متتالية.
تعليقات الزوار ( 0 )