Share
  • Link copied

في “زمن الخرفان”.. الصّمت لا يُطيل العُمر، لكنّ “البَعْبَعَةَ” تقتل!

“كانت الخرفان، قبل الآن، تتحدث بحرية مطلقة. تطلق “البعبعة” دون قيود، تنتقد تدهور الأوضاع في سطح المنزل أو الفناء الخلفي، دون أن يعترض أحد”. هكذا يروي خروفٌ لأخيه، وعيونه تفيض بدموع الحنين إلى ماضٍ قريب.

يقول الخروف إن الجميع كانوا سواسية في انتقاد غياب “العلف”، أو اكتفاء أصحاب البيوت بتقديم “الفصة” كطعام وحيد. كانت حرية التعبير في أوجها، قبل أن يُنحر الجميع يوم عيد الأضحى، دون تمييز أو استثناء.

لقد منح أرباب الأسر، آنذاك، الخرفان فسحة من الحرية لتُفرغ صراخها قبل أن تمضي إلى قدرها المحتوم، وكأن ذلك عربون حسن نية، أو تذكير بأن الذبح ليس سوى التزام بشعيرة دينية. كانت الخرفان تؤنس بعضها بصرخات متقطعة… أما اليوم، فقد تغير كل شيء. صارت “البعبعة” محرّمة، وصار السكين يُشهر في وجه كل خروف يرفض الصمت.

بعد الفجر، وقبل أن يتبين الخيط الأبيض من الأسود، أحضر مراد (اسم مستعار) خروفًا إلى بيته، وما إن اجتاز الباب، حتى سمّى الله، كبّر، ومرّر السكين على عنقه، حتى قبل أن يُطلق أولى “بعبعاته” داخل المنزل. لقد انتهى “زمن الخرفان”، الذي يسبق عيد الأضحى بأسبوع، وتحولت “البعبعة” إلى تعبيرٍ قاتل.

وعلى عكس مراد، استبق مصطفى (اسم مستعار كذلك)، الأمر. لفّ شريطًا لاصقاً على فم الخروف منذ لحظة شرائه “السري”، ليمنعه من إصدار أي صوت، حتى وإن كانت “بع” لا تغني ولا تسمن من جوع. أدخله للبيت خلسة من الجيران، وذبحه في صمت، دون أن يمنحه فرصة للصراخ.

كل الأسر التي صمّت آذانها في وجه الإهابة الملكية بعدم إقامة شعيرة الذبح لهذه السنة، قررت نحر الخرفان قبل العيد. واختارت أيضا أن تُرغمها على الصمت، من خلال عدم منحها أي فرصة للبقاء على قيد الحياة داخل المنزل. بحيث تجد الخرفان في استقبالها عند الباب، سكيناً من النوع الكبير.

صمت الخرفان لم يكن ليطيل عمرها، لأن قدرها محسوم، ومصيرها مُقدّر سلفاً عند أهل الدار، لكن “بعبعتها” كانت ستُعجّل نحرها. إذ إن جميع الأسر لا ترغب في أي مغامرة غير محسوبة النتائج، فبالرغم من غياب نص قانوني يعاقب على “الذبح”، لكن تحرك السلطات لمنع مظاهر الأضحى، جعلت الآباء يتّقون الشبهات!

Share
  • Link copied
المقال التالي